Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 114-115)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
والفاء فى قوله { فكلوا … } للتفريع على ما تقدم من التمثيل بالقرية التى كفرت بأنعم الله ، والتى أصابها ما أصابها بسبب ذلك أى لقد ظهر لكم حال الذين بدلوا نعمة الله كفرا ، ورأيتم كيف أذاقهم الله لباس الجوع والخوف ، فاحذروا أن تسيروا على شاكلتهم ، وكلوا من الحلال الطيب الذى رزقكم الله - تعالى - إياه . واشكروا نعمة الله التى أنعم بها عليكم ، بأن تستعملوها فيما خلقت له ، وبأن تقابلوها بأسمى ألوان الطاعة لمسديها - عز وجل - . { إِن كُنْتُمْ إِيَّاهَُ } سبحانه - تعبدونه حق العبادة ، وتطيعونه حق الطاعة . ثم بين - سبحانه - ما حرمه على عباده رعاية لمصالحهم فقال { إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةَ وَٱلْدَّمَ وَلَحْمَ ٱلْخَنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ … } . والميتة فى عرف الشرع ما مات حتف أنفه ، أو قتل على هيئة غير مشروعة ، فيدخل فيها المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة ، وما عدا عليها السبع . وكان الأكل من الميتة محرما ، لفساد جسمها بسبب ذبول أجزائه وتعفنها ، ولأنها أصبحت بحالة تعافها الطباع السليمة لقذارتها وضررها . والدم المحرم هو ما يسيل من الحيوان الحى كثيرا كان أم قليلا وكذلك يحرم من دم الحيوان ما جرى منه بعد ذبحه ، وهو الذى عبر عنه القرآن بالمسفوح … والحكمة فى تحريم الدم المسفوح ، أنه تستقذره النفوس الكريمة ، ويفضى شربه أو أكله إلى الإِضرار بالنفس . وحرمة الخنزير شاملة للحمه ودمه وشحمه وجلده . وإنما خص لحمه بالذكر لأنه المقصود بالأكل ، ولأن سائر أجزائه كالتابعة للحمه … ومن الحكم فى تحريم لحم الخنزير قذارته ، واشتماله على دودة تضر بآكله ، كما أثبت ذلك العلم الحديث . وقوله { وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ } معطوف على ما قبله من المحرمات . والفعل { أهل } مأخوذ من الإِهلال بمعنى رفع الصوت ، وكانوا فى الجاهلية إذا أرادوا ذبح ما قربوه إلى آلهتهم ، سموا عليها أسماءها فيقولون باسم اللات أو باسم العزى ، رافعين بذلك أصواتهم . فأنت ترى أن تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير كان لعله ذاتية فى تلك الأشياء ، أما تحريم ما أهل لغير الله به ، بسبب التوجه بالمذبوح إلى غير الله - عز وجل - . وقوله - تعالى - { فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } بيان لحالات الضرورة التى يباح للإِنسان فيها أن يأكل من تلك المحرمات . واضطر من الاضطرار وهو الاحتياج إلى الشئ بشدة . والمعنى فمن ألجأته الضرورة إلى أكل شئ من هذه المحرمات ، حالة كونه { غير باغ } ، أى غير طالب للمحرم وهو يجد غيره ، أو غير طالب له على جهة الاستئثار به على مضطر آخر ، { ولا عاد } أى ولا متجاوز فى أكله ما يسد الجوع ويحفظ الحياة { فإن الله } - تعالى - { غفور } واسع المغفرة لعبادة { رحيم } كثير الرحمة بهم . ثم نهى - سبحانه - عن القول على الله - تعالى - بغير علم اتباعا للظن والأوهام ، فقال { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ ٱلْكَذِبَ هَـٰذَا حَلاَلٌ وَهَـٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ … } .