Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 116-117)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال الآلوسى ما ملخصه قوله { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ ٱلْكَذِبَ … } " ما " موصولة ، والعائد محذوف ، أى ولا تقولوا - فى شأن الذى تصفه ألسنتكم من البهائم بالحل والحرمة - هذا حلال وهذا حرام ، من غير ترتب ذلك الوصف على ملاحظة وفكر ، فضلا عن استناده إلى وحى أو قياس مبنى عليه ، بل مجرد قول باللسان . ولفظ " الكذب " منتصب على أنه مفعول به لـ { تقولوا } وقوله - سبحانه - { هَـٰذَا حَلاَلٌ وَهَـٰذَا حَرَامٌ } بدل منه … والمعنى ولا تقولوا - أيها الجاهلون - للشئ الكذب الذى تصفه ألسنتكم ، وتحكيه وتنطق به بدون بينة أو برهان . هذا الشئ حلال وهذا الشئ حرام . وقد حكى الله - تعالى - عن هؤلاء الجاهلين فى آيات كثيرة ، أنهم حللوا وحرموا أشياء من عند أنفسهم ومن ذلك قوله - تعالى - { وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَـٰذِهِ ٱلأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰ أَزْوَاجِنَا … } وقوله - سبحانه - { قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِّنْهُ حَرَاماً وَحَلاَلاً قُلْ ءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى ٱللَّهِ تَفْتَرُونَ } قال صاحب الكشاف فإن قلت ما معنى وصف ألسنتهم الكذب ؟ قلت هو من فصيح الكلام وبليغه ، جعل قولهم كأنه عين الكذب ومحضه . فإذا نطقت به ألسنتهم فقد حلت الكذب بحليته ، وصورته بصورته ، كقولهم وجهها يصف الجمال ، وعينها تصف السحر … وقال بعض العلماء ما ملخصه ويصح أن يكون لفظ الكذب مفعولا لتصف ، وأن يكون قوله { هَـٰذَا حَلاَلٌ وَهَـٰذَا حَرَامٌ } مفعولا لتقولوا . وعلى هذا الوجه يكون فى وصف ألسنتهم الكذب ، مبالغة فى وصف كلامهم بالكذب ، حتى لكأن ماهية الكذب كانت مجهولة ، فكشفت عنها ألسنتهم ووضحتها ووصفتها ونعتتها بالنعوت التى جلتها … ومنه قول الشاعر @ أضحت يمينُك من جُودٍ مصوَّرةً لا ، بل يمينك منها صُوِّرَ الجودُ @@ واللام فى قوله { لِّتَفْتَرُواْ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ } هى لام الصيرورة والعاقبة ، أو هى - كما يقول صاحب الكشاف - من التعليل الذى لا يتضمن معنى الغرض ، لأن ما صدر عنهم من تحليل وتحريم دون أن يأذن به الله ، ليس الغرض منه افتراء الكذب فحسب ، بل هناك أغراض أخرى ، كظهورهم بمظهر أولى العلم ، وكحبهم للتباهى والتفاخر … وقوله { تفتروا } من الافتراء وهو أشنع أنواع الكذب ، لأنه اختلاق للكذب الذى لا يستند إلى شئ من الواقع . أى ولا تقولوا لما تحكيه ألسنتكم من أقوال وأحكام لا صحة لها ، هذا حلال وهذا حرام ، لتنسبوا ذلك إلى الله - تعالى - كذبا وزورا . قال الإِمام ابن كثير ويدخل فى الآية كل من ابتدع بدعة ، ليس له فيها مستند شرعى ، أو حلل شيئا مما حرم الله أو حرم شيئا مما أباح الله ، بمجرد رأيه وتشهيه . وقال الآلوسى وحاصل معنى الآية لا تسموا ما لم يأتكم حله ولا حرمته عن الله - تعالى - ورسوله صلى الله عليه وسلم حلالا ولا حراما ، فتكونوا كاذبين على الله ، لأن مدار الحل والحرمة ليس إلا حكمه - سبحانه - . ومن هنا قال أبو نضرة لم أزل أخاف الفتيا منذ أن سمعت هذه الآية إلى يومى هذا . وقال ابن العربى كره مالك وقوم أن يقول المفتى هذا حلال وهذا حرام فى المسائل الاجتهادية . وإنما يقال ذلك فيما نص الله عليه . ويقال فى المسائل الاجتهادية إنى أكره كذا وكذا ونحو ذلك . وقوله - سبحانه - { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ } بيان لسوء عاقبتهم ، وخيبة مسعاهم . أى إن الذين يختلقون الكذب وينسبونه إلى الله - تعالى - لا يفوزون بمطلوب ، ولا يفلحون فى الوصول إلى مأمول . وقوله - تعالى - { متاع قليل } بيان لخسة ما يسعون للحصول إليه من منافع الدنيا ، وهو خبر لمبتدأ محذوف أى متاعهم فى الدنيا متاع قليل ، لأنهم عما قريب سيتركونه لغيرهم بعد رحيلهم عن هذه الدنيا . ثم بين - سبحانه - سوء مصيرهم فى الآخرة فقال { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أى ولهم فى الآخرة عذاب شديد الألم . وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - { نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَىٰ عَذَابٍ غَلِيظٍ } وقوله - تعالى - { وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } ثم بين - سبحانه - بعد ذلك ، أن ما حرمه على اليهود من طيبات ، كان بسبب ظلمهم وبغيهم ، وأن رحمته - تعالى - تسع العصاة متى تابوا وأصلحوا ، فقال - تعالى - { وَعَلَىٰ ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } .