Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 45-47)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال الآلوسى ما ملخص قوله - تعالى - { أَفَأَمِنَ ٱلَّذِينَ مَكَرُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ } هم عند أكثر المفسرين ، مشركو مكة ، الذين مكروا برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وراموا صد أصحابه عن الإِيمان . وقيل هم الذين احتالوا لهلاك الأنبياء … والمعول عليه ما عليه أكثر المفسرين ، . والاستفهام فى الآية الكريمة للتعجيب والتوبيخ . والفاء للعطف على مقدر دل عليه المقام . قال بعضهم ما ملخصه " كل ما جاء فى القرآن الكريم ، من همزة استفهام بعدها واو العطف أو فاؤه . فالأظهر فيه ، أن الفاء والواو كلتاهما عاطفة ما بعدها على محذوف دل عليه المقام . والتقدير هنا أجهل الذين مكروا السيئات وعيد الله لهم بالعقاب ، فأمنوا مكره " . والمراد بمكرهم هنا سعيهم بالفساد بين المؤمنين ، على سبيل الإِخفاء والخداع . والسيئات صفة لمصدر محذوف ، أى مكروا المكرات السيئات . والمكرات - بفتح الكاف - جمع مكرة - بسكونها - وهى المرة من المكر . ويجوز أن تكون كلمة السيئات مفعولا به بتضمين { مكروا } معنى فعلوا . والخسف التغييب فى الأرض ، بحيث يصير المخسوف به فى باطنها . يقال خسف الله بفلان الأرض ، إذا أهلكه بتغييبه فيها . ومنه قوله - تعالى - { فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ ٱلأَرْضَ … } والمعنى أجهل الذين اجترحوا السيئات وعيدنا ، فأمنوا عقابنا وتوهموا أنهم لن يصيبهم شئ من عذابنا ، الذى من مظاهره خسف الأرض بهم كما خسفناها بقارون من قبلهم ؟ ! ! . إن جهلهم هذا لدليل على انطماس بصيرتهم ، واستحواذ الشيطان عليهم . وقوله { أَوْ يَأْتِيَهُمُ ٱلْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ } بيان للون آخر من ألوان تهديدهم . أى فى قدرتنا أن نخسف بهم الأرض ، وفى قدرتنا أيضا أن نرسل عليهم العذاب فجأة فيأتيهم من جهة لا يتوقعون مجيئه منها ، ولا يترقبون الشر من ناحيتها . وفى الجملة الكريمة إشارة إى أن هذا العذاب الذى يأتيهم من حيث لا يشعرون . عذاب لا يمكن دفعه أو الهرب منه ، لأنه أتاهم بغتة ، ومن جهة لا يترقبون الشر منها . وشبيه بهذا قوله - سبحانه - { فَأَتَاهُمُ ٱللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ … } وقوله - سبحانه - { أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ } بيان لنوع ثالث من أنواع التهديدات التى هددهم الله - تعالى - بها . والأخذ فى الأصل حوز الشئ وتحصيله ، والمراد به هنا القهر والإِهلاك والتدمير ومنه قوله - تعالى - { فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَّابِيَةً } وقوله - تعالى - { كَذَّبُواْ بِئَايَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عِزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ } والتقلب الحركة السريعة إقبالا وإدبارا ، من أجل السعى فى شئون الحياة من متاجرة ومعاملة وسفر وغير ذلك . ومنه قوله - تعالى - { لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي ٱلْبِلاَدِ } أى فى قدرتنا أن نخسف بهم الأرض ، وأن نرسل عليهم العذاب من حيث لا يشعرون ، وفى قدرتنا كذلك أن نهلكهم وهم يتحركون فى مناكب الأرض خلال سفرهم أو إقامتهم ، فإنهم فى جميع الأحوال لا يعجزنا أخذهم ، ولا مهرب لهم مما نريده بهم . وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - { أَفَأَمِنَ أَهْلُ ٱلْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ أَوَ أَمِنَ أَهْلُ ٱلْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ ٱللَّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْخَاسِرُونَ } وقوله - سبحانه - { أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَىٰ تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } . قال بعض العلماء " والتخوف فى اللغة يأتى مصدر تخوف القاصر ، بمعنى خاف ، ويأتى مصدر تخوف المتعدى بمعنى تنقص . وهذا الثانى لغة هذيل ، وهى من اللغات الفصيحة التى جاء بها القرآن " . والمعنى على الأول أو يأخذهم وهم فى حالة خوف وتوقع لنزول العذاب بهم ، كما نزل بالذين من قبلهم . وإلى هذا المعنى أشار ابن كثير بقوله " وقوله { أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَىٰ تَخَوُّفٍ } . أى أو يأخذهم الله - تعالى - فى حال خوفهم من أخذه لهم ، فإنه يكون أبلغ وأشد حالات الأخذ ، فإن حصول ما يتوقع مع الخوف شديد … " . والمعنى على الثانى أو يأخذهم وهم فى حالة تنقص فى أنفسهم وأموالهم وأولادهم حتى يهلكوا ، فيكون هلاكهم قد سبقه الفقر والقحط والمرض ، وفى ذلك ما فيه من عذاب لهم ، وحسرة عليهم . قال القرطبى وقال سعيد بن المسيب " بينما عمر بن الخطاب - رضى الله عنه على المنبر قال أيها الناس ما تقولون فى قول الله - عز وجل - { أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَىٰ تَخَوُّفٍ } . فسكت الناس . فقال شيخ من بنى هذيل هى لغتنا يا أمير المؤمنين . التخوف التنقص . فقال عمر أتعرف العرب ذلك فى أشعارهم ؟ قال نعم قال شاعرنا أبو كبير الهذلى يصف ناقة تَنقص السير سنامها بعد اكتنازه @ تخوَّف الرحْلُ منها تامِكا قِردا كما تخوَّف عودُ النبَّعةِ السَّفِنُ @@ فقال عمر أيها الناس عليكم بديوانكم شعر الجاهلية ، فإن فيه تفسير كتابكم ومعانى كلامكم " . وختم - سبحانه - الآية الكريمة بقوله { فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } لبيان فضله - سبحانه - على عباده ، حيث لم يعاجلهم بالعقوبة ، بل أمهلهم لعلهم يتوبون إليه ويستغفرونه . وبذلك ترى أن هذه الآيات الكريمة قد حذرت الكافرين من التمادى فى كفرهم ، وهددتهم بخسف الأرض بهم . أو بنزول العذاب عليهم من حيث لا يشعرون ، أو بإهلاكهم وهم فى الأرض يكدحون ، أو بأخذهم وهم للأخذ متوقعون . وبعد أن خوف - سبحانه - الماكرين بما خوف ، أتبع ذلك بما يدل على كمال قدرته وعظمته وجلاله ، حيث خضعت جميع المخلوقات لذاته - سبحانه - فقال - تعالى - { أَوَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُاْ ظِلاَلُهُ عَنِ ٱلْيَمِينِ وَٱلْشَّمَآئِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ … } .