Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 48-50)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ جمهور القراء { أَوَلَمْ يَرَوْاْ … } وقرأ حمزة والكسائى { أو لم تروا } بالتاء ، على الخطاب ، على طريقة الالتفات . وقوله { من شئ } بيان للإِبهام الذى فى " ما " الموصولة فى قوله { إِلَىٰ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ } . وقوله { يتفيؤا } من التفيؤ ، بمعنى الرجوع . يقال فاء فلان يفئ إذا رجع وفاء الظل فيئا ، إذا عاد بعد إزالة ضوء الشمس له . وتفيؤ الظلال تنقلها من جهة إلى أخرى بعد شروق الشمس ، وبعد زوالها . والظلال جمع ظل ، وهو صورة الجسم المنعكس إليه نور . و { داخرون } من الدخور بمعنى الانقياد والخضوع ، يقال دخر فلان يدخر دخورا ، ودخر - بزنة فرح - يدخر دخرا ، إذا انقاد لغيره وذل له . والمعنى أعمى هؤلاء المشركون الذين مكروا السيئات ، ولم يروا ما خلق الله - تعالى - من الأشياء ذوات الظلال - كالجبال والأشجار وغيرها - وهى تتنقل ظلالها . من جانب إلى جانب ، ومن جهة إلى جهة ، باختلاف الأوقات وهى فى كل الأحوال والأوقات منقادة لأمر الله - تعالى - جارية على ما أراده لها من امتداد وتقلص وغير ذلك ، خاضعة كل الخضوع لما سخرت له . قال ابن كثير - رحمه الله - يخبر - تعالى - عن عظمته وجلاله ، الذى خضع له كل شئ ودانت له الأشياء والمخلوقات بأسرها ، جمادها وحيواناتها ومكلفوها من الإِنس والجن والملائكة ، فأخبر أن كل ماله ظل يتفيأ ذات اليمين وذات الشمال - أى بكرة وعشيا - ، فإنه ساجد بظله لله - تعالى - . والاستفهام فى قوله - تعالى - { أَوَلَمْ يَرَوْاْ … } للإنكار والتوبيخ ، والرؤية بصرية . أى قد رأوا كل ذلك ، ولكنهم لم ينتفعوا بما رأوا ، ولم يتعظوا بما شاهدوا . والمراد بقوله { عَنِ ٱلْيَمِينِ وَٱلْشَّمَآئِلِ } جهتهما ، وليس المراد التقييد بذلك ، إذ أن الظل أحيانا يكون أمام الإِنسان وأحيانا يكون خلفه . وإنما ذكر اليمين والشمائل اختصارا للكلام . وأفرد اليمين ، لأن المراد به جنس الجهة ، كما يقال المشرق ، أى جهة المشرق ، وجمع { الشمائل } - مفرده شمال - ، لأن المقصود تعدد هذه الجهة باعتبار تعدد أصحابها . قال الشوكانى قال الفراء وحد اليمين ، لأنه أراد واحدا من ذوات الأظلال ، وجمع الشمائل ، لأنه أراد كلها . وقال الواحدى وحد اليمين والمراد به الجميع إيجازا فى اللفظ ، كقوله { ويولون الدبر } ودلت الشمائل على أن المراد به الجمع . وقيل إن العرب إذا ذكرت صيغتى جمع عبرت عن إحداهما بلفظ الواحد ، كما فى قوله - تعالى - { وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَاتِ وَٱلنُّورَ … } وقوله - سبحانه - { سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ } . حال من { ظلاله } أى حال كون هذه الأشياء وظلالها سجدا لله - تعالى - ، وحال كون الجميع لا يمتنع عن أمر الله - تعالى - ، بل الكل خاضع له - سبحانه - كل الخضوع . وجاء قوله - تعالى - { وهم داخرون } . بصيغة الجمع الخاصة بالعقلاء ، تغليبا لهم على غيرهم ثم أتبع - سبحانه - هذه الآية الكريمة ، بآيات أخرى مؤكدة لها ، ومبينة أن كل المخلوقات لن تمتنع عن السجود لله - تعالى - ، سواء أكانت لها ظلال أم لا ، فقال - سبحانه - { وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ وَٱلْمَلاۤئِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ … } . والدابة كل ما يدب على وجه الأرض ، مشتقة من الدب بمعنى الحركة . قال الجمل " قال العلماء ، السجود على نوعين سجود طاعة وعبادة كسجود المسلم لله - عز وجل - وسجود انقياد وخضوع كسجود الظلال فقوله { وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } . يحتمل النوعين ، لأن سجود كل شئ بحسبه ، فسجود المسلمين والملائكة سجود طاعة وعبادة ، وسجود غيرهم سجود خضوع وانقياد … " . وأوثرت " ما " الموصولة على من ، تغليبا لغير العقلاء ، لكثرتهم ولإِرادة العموم . وقوله { من دابة } بيان لما فى الأرض ، إذ الدابة ما يدب على الأرض أو - كما يقول الآلوسى - " بيان لما فيهما ، بناء على أن الدبيب هو الحركة الجسمانية ، سواء أكانت فى أرض أم سماء … " . وقوله { والملائكة } معطوف على " ما " فى قوله { مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } من باب عطف الخاص على العام . وخصهم - سبحانه - بالذكر تشريفا لهم . ورفعا لمنزلتهم ، وتعريضا بالمشركين الذين عبدوا الملائكة . أو قالوا هم بنات الله . قوله { وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ } أى والملائكة لا يستكبرون عن إخلاص العبادة له ، وعن السجود لذاته - سبحانه - بل هم عباد مكرمون { لاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } ثم وصفهم - سبحانه - بالخشية منه ، وبالخوف من عقابه فقال { يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } . أى أن من صفات الملائكة ، أنهم يخافون ربهم الذى هو من فوقهم بجلاله وقهره وعلوه - بلا تشبيه ولا تمثيل - ، ويفعلون ما يؤمرون به من الطاعات ، ومن كل ما يكلفهم به - سبحانه - دون أن تصدر منهم مخالفة . وبذلك نرى الآيات الكريمة قد وصفت الله - تعالى - بما هو أهل له - سبحانه - من صفات القدرة والجلال والكبرياء ، حتى يفئ الضالون إلى رشدهم ، ويخلصوا العبادة لخالقهم - عز وجل - . وبعد أن بين - سبحانه - أن كل شئ فى هذا الكون خاضع لقدرته ، أتبع ذلك بالنهى عن الشرك ، وبوجوب إخلاص العبادة له ، فقال - تعالى - { وَقَالَ ٱللَّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـٰهَيْنِ ٱثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلـٰهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَٱرْهَبُونِ … } .