Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 12-15)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال أبو حيان قوله - تعالى - { وَجَعَلْنَا ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ آيَتَيْنِ … } لما ذكر - سبحانه - القرآن وأنه هاد إلى الطريقة المستقيمة ، ذكر ما أنعم به مما لم يمكن الانتفاع إلا به ، وما دل على توحيده من عجائب العالم العلوى . وأيضا لما ذكر عجلة الإِنسان ، وانتقاله من حال إلى حال ذكر أن كل هذا العالم كذلك فى الانتقال لا يثبت على حال ، فنور عقب ظلمة وبالعكس ، وازدياد نور وانتقاص آخر . والمراد بالآيتين هنا العلامتان الواضحتان ، الدالتان على قدرة الله - تعالى - ووحدانيته . وقوله { فمحونا } من المحو بمعنى إزالة أثر الشئ ، يقال محا فلان الشئ محوا - من باب قتل - إذا أزال أثره . وللعلماء فى تفسير هذه الآية اتجاهات أما الاتجاه الأول فيرى أصحابه ، أن المراد بالآيتين نفس الليل والنهار ، وأن الكلام ليس فيه حذف . فيكون المعنى وجعلنا الليل والنهار - بهيئاتهما الثابتة ، وتعاقبهما الدائم ، واختلافهما طولا وقصرا - آيتين كونيتين كبيرتين ، دالتين على أن لهما صانعا قادرا ، حكيما ، هو الله رب العالمين . وقوله - سبحانه - { فَمَحَوْنَآ آيَةَ ٱلَّيلِ } أى فجعلنا الآية التى هى الليل . ممحوة الضوء ، مظلمة الهيئة ، مختفية فيها الأشياء ، ساكنة فيها الحركات . وقوله - تعالى - { وَجَعَلْنَآ آيَةَ ٱلنَّهَارِ مُبْصِرَةً } أى وجعلنا الآية التى هى النهار مضيئة ، تبصر فيها الأشياء وترى بوضوح وجلاء . وعلى هذا الاتجاه ، تكون إضافة الآية إلى الليل والنهار من إضافة الشئ إلى نفسه ، مع اختلاف اللفظ ، تنزيلا لاختلاف اللفظ منزلة الاختلاف فى المعنى ، كما فى قوله - تعالى - { شهر رمضان } فرمضان هو نفس الشهر . وأما الاتجاه الثانى فيرى أصحابه أن الكلام على حذف مضاف ، وأن المراد بالآيتين الشمس والقمر ، فيكون المعنى وجعلنا نيرى الليل والنهار - وهما الشمس والقمر - آيتين دالتين على قدرة الله - تعالى - ووحدانيته ، فمحونا آية الليل - وهى القمر - ، بأن أزلنا عنه شعاعه وضياءه ، ولم نجعله كالشمس فى ذلك ، وجعلنا آية النهار - وهى الشمس - مبصرة ، أى ذات شعاع وضياء يبصر فى ضوئها الشئ على حقيقته . وقد ذكر صاحب الكشاف هذين الوجهين دون أن يرجح بينهما فقال قوله - تعالى - { وَجَعَلْنَا ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ آيَتَيْنِ … } فيه وجهان أحدهما أن يراد أن الليل والنهار آيتان فى أنفسهما ، فتكون الإِضافة فى آية الليل وآية النهار للتبيين ، كإضافة العدد إلى المعدود ، أى فمحونا الآية التى هى الليل ، وجعلنا الآية التى هى النهار مبصرة . والثانى أن يراد وجعلنا نيرى الليل والنهار آيتين ، يريد الشمس والقمر … أى فمحونا آية الليل التى هى القمر ، حيث لم نخلق له شعاعا كشعاع الشمس تبصر به الأشياء ، وجعلنا الشمس ذات شعاع يبصر فى ضوئها كل شئ . والذى نراه أن الاتجاه الأول أقرب إلى الصواب ، لأنه هو الظاهر من معنى الآية الكريمة ولأنه لا يحتاج إلى تقدير ، وما كان كذلك أولى مما يحتاج إلى تقدير ، ولأن الليل والنهار هما بذاتهما من أظهر العلامات والأدلة على قدرة الله - تعالى - ووحدانيته . وهناك عشرات الآيات القرآنية فى هذا المعنى ، ومن ذلك قوله - تعالى - { وَآيَةٌ لَّهُمُ ٱلَّيلُ نَسْلَخُ مِنْهُ ٱلنَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ } وقوله - تعالى - { وَمِنْ آيَاتِهِ ٱلَّيلُ وَٱلنَّهَارُ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ … } وقال - تعالى - { إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفِ ٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } إلى غير ذلك من الآيات الكريمة التى أوردها الله - تعالى - فى هذا المعنى . وقوله - سبحانه - { لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ } بيان لمظهر من مظاهر حكمته - تعالى - ورحمته بعباده . والجملة الكريمة متعلقة بما قبلها ، وهو قوله - سبحانه - { وَجَعَلْنَآ آيَةَ ٱلنَّهَارِ مُبْصِرَةً } أى جعلنا النهار مضيئا ، لتطلبوا فيه ما تحتاجونه من أمور معاشكم ، ومن الأرزاق التى قسمها الله بينكم . قال الآلوسى ما ملخصه وفى التعبير عن الرزق بالفضل ، وعن الكسب بالابتغاء دلالة على أنه ليس للعبد فى تحصيل الرزق تأثير سوى الطلب ، وإنما الإِعطاء من الله - تعالى - بطريق التفضل … وشبيه بهذه الجملة الكريمة قوله - تعالى - { وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ ٱلْلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } فقوله - تعالى - { لتسكنوا فيه } يعود إلى الليل . وقوله - تعالى - { وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ } يعود على النهار . ثم بين - سبحانه - حكمة أخرى ونعمة أخرى لجعله الليل والنهار على هذه الهيئة فقال { وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ } . أى وجعلنا الليل والنهار على هذه الصفة من التعاقب والاختلاف فى الطول والقصر لتعرفوا عن طريق ذلك عدد الأيام والشهور والأعوام ، التى لا تستغنون عن معرفتها فى شئون حياتكم ، ولتعرفوا - أيضا - الحساب المتعلق بها فى معاملاتكم ، وبيعكم وشرائكم ، وأخذكم وعطائكم ، وصلاتكم ، وصيامكم ، وزكاتكم ، وحجكم ، وأعيادكم … وغير ذلك مما تتوقف معرفته على تقلب الليل والنهار . وولوج أحدهما فى الآخر . ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة بقوله { وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً } . والتفصيل من الفصل بمعنى القطع . والمراد به هنا الإِبانة التامة للشئ بحيث يظهر ظهورا لا خفاء معه ولا التباس . ولفظ { كل } منصوب على الاشتغال بفعل يفسره ما بعده . أى وفصلنا كل شئ تحتاجون إليه فى أمور دينكم ودنياكم ، تفصيلا ، واضحا جليا ، لا خفاء معه ولا التباس ، فقد أقمنا هذا الكون على التدبير المحكم ، وعلى الصنع المتقن ، وليس على المصادفات التى لا تخضع لنظام أو ترتيب . ثم ساق - سبحانه - صورة من صور هذا التفصيل المحكم فى كل شئ فقال - تعالى - { وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ } . والمراد بطائره عمله الصادر عنه باختياره وكسبه ، حسبما قدره الله - تعالى - عليه من خير وشر . أى وألزمنا كل إنسان مكلف عمله الناتج عنه ، إلزاما لا فكاك له منه ، ولا قدرة له على مفارقته . وعبر - سبحانه - عن عمل الإِنسان بطائره ، لأن العرب كانوا - كما يقول الآلوسى - يتفاءلون بالطير ، فإذا سافروا ومر بهم الطير زجروه ، فإن مر بهم سانحا - أى من جهة الشمال إلى اليمين - تيمنوا وتفاءلوا ، وإن مر بارحا ، أى من جهة اليمين الى الشمال تشاءموا ، فلما نسبوا الخير والشر إلى الطائر ، استعير استعارة تصريحية ، لما يشبههما من قدر الله - تعالى - وعمل العبد ، لأنه سبب للخير والشر . وقوله - سبحانه - { فى عنقه } تصوير لشدة اللزوم وكمال الارتباط بين الإِنسان وعمله . وخص - سبحانه - العنق بالذكر من بين سائر الأعضاء ، لأن اللزوم فيه أشد ، ولأنه العضو الذى تارة يكون عليه ما يزينه كالقلادة وما يشبهها ، وتارة يكون فيه ما يشينه كالغل والقيد وما يشبههما . قال الامام ابن كثير وطائره هو ما طار عنه من عمله كما قال ابن عباس ومجاهد ، وغير واحد - من خير أو شر ، يلزم به ويجازى عليه كما قال - تعالى - { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } وكما قال - تعالى - { إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } والمقصود أن عمل ابن آدم محفوظ عليه ، قليله وكثيره ويكتب عليه ليلا ونهارا ، صباحا ومساء . وقوله - سبحانه - { وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً } بيان لحاله فى الآخرة بعد بيان حاله فى الدنيا . والمراد بالكتاب هنا صحائف أعماله التى سجلت عليه فى الدنيا . أى ألزمنا كل إنسان مكلف عمله الصادر عنه فى الدنيا ، وجعلناه مسئولا عنه دون غيره . أما فى الآخرة فسنخرج له ما عمله من خير أو شر " فى كتاب يلقاه منشورا " أى مفتوحا بحيث يستطيع قراءته ، ومكشوفا بحيث لا يملك إخفاء شئ منه ، أو تجاهله ، أو المغالطة فيه . كتاب ظهرت فيه الخبايا والأسرار ظهورا يغنى عن الشهود والجدال . كتاب مشتمل على كل صغيرة وكبيرة من أعمال الإِنسان ، كما قال - تعالى - { وَنَضَعُ ٱلْمَوَازِينَ ٱلْقِسْطَ لِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ } ثم بين - سبحانه - ما يخاطب به الإِنسان بعد أن فتح كتابه أمامه ، فقال - تعالى - { ٱقْرَأْ كِتَٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً } . أى ويقال له بعد أن وجد كتابه منشورا أمامه ، اقرأ كتابك هذا ، وما اشتمل عليه من أعمال صدرت عنك فى الدنيا ، كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا . أى محاسبا ، كجليس بمعنى مجالس ، أو حاسبا وعادًّا كصريم بمعنى صارم يقال حسب فلان على فلان قوله ، إذا عده عليه . ولفظ { كفى } هنا لازم ، ويطرد فى هذه الحالة جر فاعله بالباء المزيدة لتوكيد الكفاية و { حسيبا } تمييز ، وعليك متعلق به . وتارة يأتى لفظ { كفى } متعديا ، كما فى قوله - تعالى - { وَكَفَى ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلْقِتَالَ } ثم ساق - سبحانه - قاعدة كلية ، لتحمل كل إنسان نتيجة عمله ، فقال - تعالى - { مَّنِ ٱهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } . والفعل { تزر } من الوزر بمعنى الإِثم والحمل والثقل . يقال وزر يزر وزرا ، أى أثم ، أو حمل حملا ثقيلا ، ومنه سمى الوزير ، لأنه يحمل أعباء تدبير شئون الدولة . أى من اهتدى إلى الطريق المستقيم ، وقدم فى حياته العمل الصالح فثمرة هدايته راجعة إلى نفسه ، ومن ضل عن الطريق القويم ، وفسق عن أمر ربه فوبال ضلاله راجع إليه وحده ، ولا تحمل نفس آثمة ، إثم نفس أخرى ، وإنما تسأل كل نفس عن آثامها فحسب . وقد تكرر هذا المعنى فى كثير من آيات القرآن الكريم ومن ذلك قوله - تعالى - { وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } وقوله - تعالى - { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ … } ولا يتنافى هذا مع قوله - تعالى - { وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ … } وقوله - تعالى - { لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ ٱلَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ … } لأن المقصود فى هاتين الآيتين وأشباههما ، أن دعاة الكفر والفسوق والعصيان ، يحملون ذنوبهم يوم القيامة ، ويحملون فوق ذلك جانبا من ذنوب من كانوا هم سببا فى ضلالهم ، لأن من سن سنة سيئة فعليه وزرها ، ووزر من عمل بها - كما جاء فى الحديث الصحيح - فهم يحملون آثام أنفسهم ، والآثام التى كانوا سببا فى ارتكاب غيرهم لها . كذلك لا يتنافى قوله - تعالى - { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } مع ما ثبت فى الحديث الصحيح عن ابن عمر رضى الله عنهما من " أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه … " . لأن العلماء حملوا الحديث على أن يكون الميت قد أوصى بذلك قبل موته ، أو أن يهمل نهيهم عن النوح عليه قبل موته ، مع أنه يعلم أنهم سينوحون عليه ويشقون الجيوب ، ويلطمون الخدود … فتعذيبه بسبب تفريطه ، وعدم تنفيذه لقوله - تعالى - { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قُوۤاْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ … } وقوله - تعالى - { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً } بيان لمظهر من مظاهر رحمة الله - تعالى - بعباده - ورأفته بهم ، وكرمه معهم . قال الآلوسى قوله { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً } بيان للعناية الربانية إثر بيان آثار الهداية والضلالة بأصحابها ، وعدم حرمان المهتدى من ثمرات هدايته . وعدم مؤاخذة النفس بجناية غيرها . أى وما صح وما استقام منا ، بل استحال فى سنتنا المبنية على الحكم البالغة … أن نعذب أحدا بنوع ما من العذاب دنيويا كان أو أخرويا ، على فعل شئ أو ترك شئ أصليا كان أو فرعيا ، حتى نبعث إليه { رسولا } يهدى إلى الحق ، ويردع عن الضلال ، ويقيم الحجج ، ويمهد الشرائع … وقد وردت آيات كثيرة فى القرآن الكريم ، تشبه هذه الآية ، فى بيان أن الله - تعالى - لا يعذب أحدا من خلقه ، حتى يبعث إليه رسولا يبشره وينذره ، فيعصى ذلك الرسول ، ويستمر فى كفره وضلاله بعد التبشير والإِنذار . ومن هذه الآيات قوله - تعالى - { رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ ٱلرُّسُلِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً } وقوله - تعالى - { وَلَوْ أَنَّآ أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُواْ رَبَّنَا لَوْلاۤ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَىٰ } وقوله - تعالى - { يَا أَهْلَ ٱلْكِتَابِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَىٰ فَتْرَةٍ مَّنَ ٱلرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَآءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ … } قال ابن كثير عند تفسيره لقوله - تعالى - { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً } هذا إخبار عن عدله - تعالى - وأنه لا يعذب أحدا إلا بعد قيام الحجة عليه ، بإرسال الرسول إليه ، كما قال - تعالى - { كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قَالُواْ بَلَىٰ قَدْ جَآءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ مِن شَيْءٍ … } إلى غير ذلك من الآيات التى تدل على أن الله - تعالى - لا يدخل أحدا النار إلا بعد إرسال الرسول إليه … هذا ، وما ذهب إليه الإِمام ابن كثير ، والإِمام الآلوسى ، من أن الله - تعالى - اقتضت رحمته وعدالته ، أنه لا يعذب أحدا إلا بعد قيام الحجة عليه ، عن طريق إرسال الرسل ، هو الذى نعتقده ، وتطمئن إليه نفوسنا ، لأنه هو الظاهر من معانى الآيات الكريمة ، ولأنه هو المناسب لرحمة الله - تعالى - التى وسعت كل شئ . وهناك من يرى أن من مات على الكفر فهو فى النار ، ولو لم يرسل الله - تعالى - إليه رسولا ، واستدلوا بأدلة لا مجال لذكرها هنا . ثم ساق - سبحانه سنة من سننه فى إهلاك الأمم ، وفى حال الذين يريدون العاجلة وحال الذين يريدون الآجلة ، فقال - تعالى - { وَإِذَآ أَرَدْنَآ أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا ٱلْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً } .