Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 58-60)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
والمقصود بالقرية فى قوله - تعالى - { وَإِن مِّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً } قرى الكفار والظالمين ، كما ذهب إلى ذلك بعض المفسرين ، فيكون المعنى وما من قرية من قرى الظالمين ، إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة بالموت أو الخراب ، أو معذبوها عذاباً شديداً ، يستأصل شأفتها ، ويقطع دابرها ، كما فعلنا مع قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم . ومن المفسرين الذين ساروا على ذلك ، الإِمام ابن كثير ، فقد قال عند تفسيره لهذه الآية هذا إخبار من الله - عز وجل - ، بأنه قد حتم وقضى ، بما كتب عنده فى اللوح المحفوظ ، أنه ما من قرية إلا سيهلكها بأن يبيد أهلها جميعهم ، أو يعذبهم عذاباً شديداً ، إما بقتل أو ابتلاء بما يشاء ، وإنما يكون ذلك بسبب ذنوبهم وخطاياهم ، كما قال - تعالى - عن الأمم الماضية { وَكَذٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ ٱلْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } ويرى آخرون ، أن المقصود بالقرية هنا القرى كلها سواء أكانت للمؤمنين أم للكافرين . ومن المفسرين الذين ذهبوا إلى ذلك الآلوسى - رحمه الله - فقد قال قوله - تعالى - " { وَإِن مِّن قَرْيَةٍ } الظاهر العموم ، لأن { إن } نافية ، و { من } زائدة لاستغراق الجنس . أى وما من قرية من القرى . { إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } بإماتة أهلها حتف أنوفهم { أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً } بالقتل وأنواع البلاء … وروى عن مقاتل أنه قال الهلاك للصالحة والعذاب للطالحة … " . ويبدو لنا أن الرأى الأول أقرب إلى الصواب ، لأن هناك آيات كثيرة تؤيده ، ومن ذلك قوله - تعالى - { وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي ٱلْقُرَىٰ إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ } وقوله - سبحانه - { ذٰلِكَ أَن لَّمْ يَكُنْ رَّبُّكَ مُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ } وقوله - عز وجل - { وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ } ولأن الله - تعالى - قيد الإِهلاك بكونه قبل يوم القيامة ، وكونه كذلك يقتضى أنه للقرى الظالمة . إذ الإِهلاك يوم القيامة يشمل جميع القرى ، سواء أكان أهلها مؤمنين أم كافرين ، بسبب انقضاء عمر الدنيا . وقوله - سبحانه - { كَانَ ذٰلِك فِي ٱلْكِتَابِ مَسْطُوراً } تأكيد لقضاء الله النافذ ، وحكمه الثابت . أى { كان ذلك } الإِهلاك والتعذيب ، فى الكتاب ، وهو اللوح المحفوظ { مسطوراً } أى مكتوباً وثابتاً . قال القرطبى " { مسطوراً } أى مكتوباً . والسطر الخط والكتابة ، وهو فى الأصل مصدر . والسطر - بالتحريك - مثله ، وجمعه أسطار ، مثل سبب وأسباب ، وجمع السطر - بسكون الطاء - أسطر وسطور مثل أفلس وفلوس . والكتاب هنا يراد به اللوح المحفوظ " . ثم بين - سبحانه - بعض مظاهر فضله على الأمة الإِسلامية ، ورحمته بها ، فقال - تعالى - { وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِٱلآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا ٱلأَوَّلُونَ . … } . وقد ذكر المفسرون فى سبب نزول هذه الآية آثاراً منها ما أخرجه الإِمام أحمد عن ابن عباس - رضى الله عنهما - قال " سأل أهل مكة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهباً ، وأن ينحى الجبال عنهم فيزرعوا . فقيل له إن شئت أن تستأنى بهم ، وإن شئت أن يأتيهم الذى سألوا . فإن كفروا ، هلكوا كما أهلكتُ من كان قبلهم من الأمم . فقال صلى الله عليه وسلم " لا … بل استأنى بهم " ، وأنزل الله قوله { وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِٱلآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا ٱلأَوَّلُونَ … } " . قال الآلوسى والمنع لغة كف الغير وقسره عن فعل يريد أن يفعله ، ولاستحالة ذلك فى حقه - تعالى - لاستلزامه العجز المحال المنافى للربوبية قالوا إنه مستعار هنا للصرف والترك … وقوله { أن نرسل } فى محل نصب لأنه مفعول ثان لمنعنا ، أو فى محل جر ، على حذف الجار ، أى من أن نرسل ، وقوله { إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا } فى محل رفع لأنه فاعل منعنا ، والتقدير وما منعنا من إرسال الآيات إلا تكذيب الأولين . والمراد بالآيات ما اقترحه المشركون على النبى صلى الله عليه وسلم من قلب الصفا ذهبا ، ومن إزاحة الجبال عن مكة ليزرعوا مكانها … والمعنى وما كان سبب تركنا لإِجابة المقترحات التى طلبها المشركون منك - أيها الرسول الكريم - إلا علمنا بأنهم سيكذبون بها إذا جاءتهم ، كما كذب بأمثالها أشباههم الأولون ، وفى هذه الحالة فإنهم سيستحقون مثلهم عذاب الاستئصال كما جرت بذلك سنتنا . وقد اقتضت حكمتنا ورحمتنا - بأمتك أيها الرسول الكريم - ، ألا نعذبهم عذاب الاستئصال والمحو ، بل نؤخر عذاب الضالين منهم إلى يوم القيامة . قالوا ومن الحكم فى هذا التأخير الإِظهار لمزيد شرف النبى صلى الله عليه وسلم ، كما قال - تعالى - { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ } والرعاية لشأن من سيولد من بعضهم من المؤمنين ، ولمن سيؤمن من هؤلاء المقترحين ، إلى غير ذلك من الحكم التى لا يعلمها إلا هو - سبحانه - . قال صاحب الكشاف استعير المنع لترك إرسال الآيات من أجل صارف الحكمة … والمراد الآيات التى اقترحتها قريش من قلب الصفا ذهبا ، ومن إحياء الموتى ، وغير ذلك . وعادة الله فى الأمم ، أن من اقترح منهم آية فأجيب إليها . ثم لم يؤمن ، أن يعاجل بعذاب الاستئصال . فالمعنى وما صرفنا عن إرسال ما يقترحونه من الآيات إلا أن كذب بها الذين هم أمثالهم من المطبوع على قلوبهم ، كعاد وثمود ، وأنها لو أرسلت لكذبوا بها تكذيب أولئك ، وقالوا هذا سحر مبين ، كما يقولون فى غيرها . واستوجبوا العذاب المستأصل . وقد عزمنا أن نؤخر أمر من بعثت إليهم إلى يوم القيامة " . ثم ساق - سبحانه - مثالاً للسابقين الذين أجيبوا إلى ما اقترحوه ، ولكنهم لم يؤمنوا ، فأخذهم عذاب الاستئصال ، فقال - تعالى - { وَآتَيْنَا ثَمُودَ ٱلنَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا } . وثمود هم قوم صالح - عليه السلام - ، وخصهم بالذكر ، لأنهم معروفون لأهل مكة أكثر من غيرهم ، لمرورهم على ديارهم عند أسفارهم إلى بلاد الشام . والناقة المراد بها ناقة صالح - عليه السلام - التى طلبها قومه منه ، فأخرجها الله - تعالى - لهم لتكون معجزة له ، ولكنهم لم يؤمنوا به ، بل عقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم ، فأهلكهم الله - تعالى - بالصيحة التى جعلتهم فى دارهم جاثمين . وقوله { مبصرة } أى معجزة واضحة ، يراها الناس بأعينهم بدون خفاء أو لبس … قال الجمل " { مبصرة } بكسر الصاد - باتفاق السبعة ، والإِسناد مجازى . أى يبصرونها خارجة من الصخرة . وقرئ شاذا بفتح الصاد . ثم قال وفى السمين مبصرة حال . وهو إسناد مجازى ، إذ المراد إبصار أهلها ، ولكنها لما كانت سببا فى الإِبصار نسب إليها ، والظاهر أن المراد الإِبصار المعنوى ، وهو الاهتداء بها ، والتوصل بها ، إلى تصديق نبيهم ، وعلى هذا تظهر السببية ، فإن وجودها سبب فى هذا المعنى … " . وقال الآلوسى " وقوله { مبصرة } على صيغة اسم الفاعل حال من الناقة ، والمراد ذات إبصار ، أو ذات بصيرة يبصرها الغير ويتبصر بها ، فالصيغة للنسب … " . والمعنى لقد تركنا إجابة المطالب التى اقترحها قومك - يا محمد - ، رحمة بهم ، لأننا لو أعطيناهم إياهم ثم استمروا فى تكذيبهم لك لأهلكناهم كما أهلكنا السابقين . فقد أجبنا قوم صالح - عليه السلام - إلى ما طلبوه من نبيهم ، بأن أخرجنا لهم الناقة ، وجعلناها معجزة واضحة نيرة فى الدلالة على صدقه ، فقابلوها بالتكذيب والجحود ، وظلموا أنفسهم وعرضوها للهلاك بسبب عقرها . قال - تعالى - { فَعَقَرُواْ ٱلنَّاقَةَ وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُواْ يَاصَالِحُ ٱئْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ } وقال - سبحانه - { كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَآ إِذِ ٱنبَعَثَ أَشْقَاهَا فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ ٱللَّهِ نَاقَةَ ٱللَّهِ وَسُقْيَاهَا فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا وَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا } وقوله - سبحانه - { وَمَا نُرْسِلُ بِٱلآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً } تذييل قصد به الزجر عن تكذيب ما يأتى به الأنبياء من هدايات ومعجزات تدل على صدقهم . والباء فى قوله { بالآيات } للملابسة ، ومفعول ، نرسل ، محذوف ، و { تخويفاً } مفعول لأجله . قال القرطبى قوله " { وَمَا نُرْسِلُ بِٱلآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً } فيه خمسة أقوال الأول العبر والمعجزات التى جعلها الله على أيدى الرسل ، من دلائل الإِنذار تخويفاً للمكذبين . الثانى أنها آيات الانتقام تخويفاً من المعاصى . الثالث أنها تقلب الأحوال من صغر إلى شباب ثم إلى تكهل ثم إلى مشيب ، لتعتبر بتقلب أحوالك فتخاف عاقبة أمرك . الرابع القرآن ، الخامس الموت الذريع " . والمعنى وما نرسل رسلنا ملتبسين بالآيات والمعجزات الدالة على صدقهم ، إلا تخويفاً لأقوامهم من سوء تكذيبهم لها . فإنهم إن كذبوها يصيبهم من العذاب ما يصيبهم . ثم ذكر - سبحانه - ما يزيد النبى صلى الله عليه وسلم ثباتاً على ثباته ، ويقيناً على يقينه ، وما يدل على شمول علمه - تعالى - ونفاذ قدرته ، وبليغ حكمته فقال { وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِٱلنَّاسِ … } . أى واذكر - أيها الرسول الكريم - وقت أن قلنا لك على لسان وحينا . إن ربك - عز وجل - قد أحاط بالناس علماً وقدرة . فهم فى قبضته ، وتحت تصرفه ، وقد عصمك منهم ، فامض فى طريقك . وبلغ رسالة ربك ، دون أن تخشى من كفار مكة أو من غيرهم ، عدواناً على حياتك ، فقد عصمك - سبحانه - منهم . وفى هذه الجملة ما فيها من التسلية للنبى صلى الله عليه وسلم ، ومن التبشير له ولأصحابه ، بأن العاقبة ستكون لهم ، ومن الحض لهم على المضى فى طريقهم دون أن يخشوا أحداً إلا الله . والمراد بالرؤيا فى قوله - تعالى - { وَمَا جَعَلْنَا ٱلرُّؤيَا ٱلَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ } ما رآه النبى صلى الله عليه وسلم وعاينه بعينيه من عجائب ، ليلة الإِسراء والمعراج . أى وما جعلنا ما رأيته وعاينته ليلة إسرائنا بك من غرائب ، إلا فتنة للناس . ليتميز قوى الإِيمان من ضعيفه ، وسليم القلب من مريضه . وأطلق - سبحانه - على ما أراه لنبيه ليلة الإِسراء لفظ الرؤيا مع أنه كان يقظة " لأن هذا اللفظ يطلق حقيقة على رؤيا المنام ، وعلى رؤية اليقظة ليلاً فإنه قد يقال لرؤية العين رؤيا ، كما فى قول الشاعر يصف صائدا وكبر للرؤيا وهش فؤاده … أى وسر لرؤيته للصيد الذى سيصيده . أو أطلق عليه لفظ الرؤيا على سبيل التشبيه بالرؤيا المنامية ، نظراً لما رآه فى تلك الليلة من عجائب سماوية وأرضية ، أو أطلق عليه ذلك بسبب أن ما رآه قد كان ليلاً . وقد كان فى سرعته كأنه رؤيا منامية . وكان ما رآه صلى الله عليه وسلم فى تلك الليلة فتنة للناس ، لأنه لما قص عليهم ما رآه ، ارتد بعضهم عن الإِسلام ، وتردد البعض الآخر فى قبوله ، وضاقت عقولهم عن تصديقه ، زاعمة أنه لا يمكن أن يذهب صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، ثم يعرج إلى السماوات العلا … ثم يعود إلى مكة ، كل ذلك فى ليلة واحدة . وبعضهم يرى أن المراد بالرؤيا هنا ما رآه النبى صلى الله عليه وسلم من أنه سيدخل مكة هو وأصحابه . . وبعضهم يرى أن المراد بها هنا ما أراه الله - تعالى - لنبيه فى منامه ، من مصارع المشركين قبل غزوة بدر فقد قال صلى الله عليه وسلم قبل بدء المعركة والله لكأنى أنظر إلى مصارع القوم . ثم أومأ إلى الأرض وقال هذا مصرع فلان . وهذا مصرع فلان . والذى نرجحه هو الرأى الأول ، لأنه هو الظاهر من معنى الآية الكريمة ، ولأنه على الرأيين الثانى والثالث يترجح أن الآية مدنية ، لأن غزوة بدر وفتح مكة كانا بعد الهجرة ، والتحقيق أن هذه الآية مكية . قال القرطبى ما ملخصه قوله - تعالى - { وَمَا جَعَلْنَا ٱلرُّؤيَا ٱلَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ … } لما بين أن إنزال آيات القرآن تتضمن التخويف ، ضم إليه ذكر آية الإِسراء ، وهى المذكورة فى صدر السورة . وفى البخارى والترمذى عن ابن عباس فى قوله - تعالى - { وَمَا جَعَلْنَا ٱلرُّؤيَا ٱلَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ } قال هى رؤيا عين أريها النبى صلى الله عليه وسلم ليلة أسرى به إلى بيت المقدس … وكانت الفتنة ارتداد قوم كانوا أسلموا حين أخبرهم النبى صلى الله عليه وسلم أنه أسرى به . وقيل كانت رؤيا نوم . وهذه الآية تقضى بفساده ، وذلك أن رؤيا المنام لا فتنة فيها ، وما كان أحد لينكرها . وعن ابن عباس قال الرؤيا التى فى هذه الآية ، رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يدخل مكة فى سنة الحديبية - فرده المشركون عن دخولها فى تلك السنة - ، فافتتن بعض المسلمين لذلك ، فنزلت هذه الآية … وفى هذا التأويل ضعف . لأن السورة مكية ، وتلك الرؤيا كانت بالمدينة … " . وقوله - سبحانه - { وَٱلشَّجَرَةَ ٱلْمَلْعُونَةَ فِي ٱلقُرْآنِ } معطوف على الرؤيا . أى وما جعلنا الرؤيا التى أريناك والشجرة الملعونة فى القرآن إلا فتنة للناس . والمراد بالشجرة الملعونة هنا شجرة الزقوم ، المذكورة فى قوله - تعالى - { أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ ٱلزَّقُّومِ إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِيۤ أَصْلِ ٱلْجَحِيمِ طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ ٱلشَّيَاطِينِ } والمراد بلعنها لعن الآكلين منها وهم المشركون ، أو هى ملعونة لأنها تخرج فى أصل الجحيم . أو هى ملعونة لأن طعامها مؤذ وضار ، والعرب تقول لكل طعام ضار إنه ملعون . قال الآلوسى وروى فى جعلها فتنة لهم أنه لما نزل فى شأنها فى سورة الصافات وغيرها ما نزل ، قال أبو جهل وغيره هذا محمد يتوعدكم بنار تحرق الحجارة ، ثم يقول ينبت فيها الشجر . وما نعرف الزقوم إلا بالتمر والزبد ، ثم أمر جارية له فأحضرت تمراً وزبداً ، وقال لأصحابه تزقموا . وافتتن بهذه الآية أيضاً بعض الضعفاء ، ولقد ضلوا فى ذلك ضلالا بعيداً … وقوله - تعالى - { وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً } تذييل قصد به بيان ما جبل عليه هؤلاء المشركون من جحود ، وقسوة قلب . … أى ونخوف هؤلاء المشركين بعذاب الدنيا ، وبعذاب الآخرة وبشجرة الزقوم التى طلعها كأنه رءوس الشياطين … فما يزيدهم هذا التخويف والتهديد إلا طغياناً متجاوزاً فى ضخامته وكبره كل حد ، وكل عقل سليم . وعبر - سبحانه - بصيغة المضارع الدالة على الاستقبال ، مع أن تخويفهم وازدياد طغيانهم قد وقعا ، للإِشعار بالتجدد والاستمرار . وبذلك نرى الآيات الكريمة قد ساقت من سنن الله - تعالى - فى خلقه ، ومن فضله على هذه الأمة ، ومن تبشيره وإنذاره ، ووعده ووعيده ، ما يزيد المؤمنين إيماناً على إيمانهم ، وما يصرف الطاغين عن طيغانهم لو كانوا يعقلون . ثم ساق - سبحانه - جانباً من قصة آدم وإبليس ، لزيادة التسلية للرسول صلى الله عليه وسلم وللإِشعار بأن الحسد والغرور ، كما منعا إبليس من السجود لآدم ، فقد منعا مشركى مكة من الإِيمان بالنبى صلى الله عليه وسلم فقال - تعالى - { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمََ فَسَجَدُواْ إَلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً … } .