Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 19, Ayat: 34-40)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اسم الإشارة { ذٰلِكَ } فى قوله { ذٰلِكَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ } إشارة إلى ما ذكره الله - تعالى - قبل ذلك لعيسى من صفات حميدة ، ومن أخبار صادقة وهو مبتدأ ، وعيسى خبره ، وابن مريم صفته . ولفظ { قَوْلَ } فيه قراءتان سبعيتان إحداهما قراءة الجمهور بضم اللام ، والثانية قراءة ابن عامر وعاصم ، بفتحها . وعلى القراءة بالرفع يكون { قَوْلُ ٱلْحَقِّ } خبر لمبتدأ محذوف . فيكون المعنى ذلك الذى أخبرناك عنه بشأن عيسى وأمه هو قول الحق - عز وجل - وهو قول لا يحوم حوله باطل ، ولا يخاطله ريب أو شك . فلفظ { ٱلْحَقِّ } يصح أن يراد به الله - سبحانه - لأنه من أسمائه ، ويصح أن يراد به ما هو ضد الباطل ، وهو الصدق والثبوت . وعلى قراءة النصب يكون لفظ { قَوْلَ } مصدراً مؤكداً لمضمون الجملة ، أى ذلك الذى قصصناه عليك - أيها الرسول الكريم - من شأن عيسى ابن مريم ، هو القول الثابت الصادق . الذى أقول فيه قول الحق . والإضافة من باب إضافة الموصوف إلى صفته أى القول الحق ، كقوله - تعالى - { وَعْدَ ٱلصِّدْقِ } أى الوعد الصدق . وقوله { ٱلَّذِي فِيهِ يَمْتُرُونَ } بيان لموقف الكافرين من هذا القول الحق الذى ذكره الله - تعالى - عن عيسى وأمه . و { ٱلَّذِي } صفة للقول . أو للحق . و { يَمْتُرُونَ } يشكون من المرية بمعنى الشك والجدل … أى ذلك الذى ذكرناه لك من خبر عيسى هو القول الحق ، الذى شك فى صدقه الكافرون ، وتنازع فيه الضالون ، فلا تلتفت إلى شكهم وكفرهم بل ذرهم فى طغيانهم يعمهون . ثم نزه - سبحانه - ذاته عن أن يكون له ولد فقال { مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ … } أى ما يصح وما يستقيم وما يتصور فى حقه - تعالى - أن يتخذ ولداً ، لأنه منزه عن ذلك ، لأن الولد إنما يتخذه الفانون للامتداد ، ويتخذه الضعفاء للنصرة ، والله - تعالى - هو الباقى بقاء أبديا ، وهو القوى القادر الذى لا يعجزه شىء . و { مِن } فى قوله { مِن وَلَدٍ } لتأكيد هذا النفى وتعميمه . وفى معنى هذه الآيات جاءت آيات كثيرة منها قوله - تعالى - فى هذه السورة { وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَلَداً لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً تَكَادُ ٱلسَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ ٱلأَرْضُ وَتَخِرُّ ٱلْجِبَالُ هَدّاً أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَداً وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَـٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً } ثم بين - سبحانه - ما يدل على غناه عن الولد والوالد والصاحب والشريك فقال { إِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ } أى لا يتصور فى حقه - سبحانه - اتخاذ الولد ، لأنه إذا أراد قضاء أمر ، فإنما يقول له كن ، فيكون فى الحال ، بدون تأخير أو تردد . وقوله - تعالى - { وَإِنَّ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ … } قرأه ابن عامر والكوفيون بكسر همزة { إِنَّ } على الاستئناف ، أى وإن عيسى - عليه السلام - قد قال لقومه - أيضاً - وإن الله - تعالى - هو ربى وهو ربكم فأخلصوا له العبادة والطاعة ، وهذا الذى أمرتكم به هو الصراط المستقيم الذى لا يضل سالكه . وقرأ الباقون بفتح همزة { أَنَّ } بتقدير حذف حرف الجر أى وقال عيسى لقومه ولأن الله ربى وربكم فاعبدوه … كما فى قوله - تعالى - { وَأَنَّ ٱلْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَداً } أى ولأن المساجد لله … ثم بين - سبحانه - موقف أهل الكتاب من عيسى - عليه السلام - فقال { فَٱخْتَلَفَ ٱلأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوْيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ } . والأحزاب جمع حزب والمراد بهم فرق اليهود والنصارى الذين اختلفوا فى شأنه - عليه السلام - فمنهم من اتهم أمه بما هى بريئة منه ، وهم اليهود كما فى قوله { وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَىٰ مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً } ومنهم من قال هو ابن الله ، أو هو الله ، أو إله مع الله ، أو هو ثالث ثلاثة … إلى غير ذلك من الأقوال الباطلة التى حكاها القرآن عن الضالين وهم النصارى . ولفظ { وْيْلٌ } مصدر لا فعل له من لفظه ، وهو كلمة عذاب ووعيد . و { مَّشْهَدِ } يصح أن يكون مصدراً ميما بمعنى الشهود والحضور . والمعنى هكذا قال عيسى - عليه السلام - لقومه { ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ } ولكن الفرق الضالة من اليهود والنصارى اختلفوا فيما بينهم فى شأنه اختلافاً كبيراً ، وضلوا ضلالا بعيدا ، حيث وصفوه بما هو برىء منه ، فويل لهؤلاء الكافرين من شهود ذلك اليوم العظيم وهو يوم القيامة ، حيث سيلقون عذاباً شديداً من الله بسبب ما نطقوا به من زور وبهتان . وعبر عنهم بالموصول فى قوله { لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ } إيذاناً بكفرهم جميعاً ، وإشعاراً بعلة الحكم . قال أبو حيان " ومعنى { مِن بَيْنِهِمْ } أن الاختلاف لم يخرج عنهم ، بل كانوا هم المختلفين دون غيرهم " . وجاء التعبير فى قوله { مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ } بالتنكير ، للتهويل من شأن هذا المشهد ، ومن شأن هذا اليوم وهو يوم القيامة ، الذى يشهده الثقلان وغيرهما من مخلوقات الله - تعالى - . وقوله - سبحانه - { أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا … } تهكم بهم ، وتوعد لهم بالعذاب الشديد ، فهو تأكيد لما قبله . و { أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ } صيغتا تعجب ، لفظهما لفظ الأمر ، ومعناهما التعجيب ، أى حمل المخاطب على التعجيب ، وفاعلهما الضمير المجرور بالباء ، وهى زائدة فيهما لزوما ، والمعنى ما أسمع هؤلاء الكافرين وما أبصرهم فى ذلك اليوم ، لما يخلع قلوبهم ، ويسود وجوههم ، مع أنهم كانوا فى الدنيا صماً وعمياناً عن الحق الذى جاءتهم به رسلهم . فالمراد باليوم فى قوله { لَـٰكِنِ ٱلظَّالِمُونَ ٱلْيَوْمَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } هو ما كانوا فيه فى الدنيا من ضلال وغفلة عن الحق . أى أن هؤلاء القوم ما أعجب حالهم إنهم لا يسمعون ولا يبصرون فى الدنيا حين يكون السمع والبصر وسيلة للهدى والنجاة . وهم أسمع ما يكون السمع وأبصر ما يكون البصر ، عندما يكون السمع والبصر وسيلة للخزى والعذاب فى الآخرة . تم أمر الله - تعالى - نبيه محمدا - صلى الله عليه وسلم - بأن يخوف المشركين من أهوال يوم القيامة ، فقال { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ ٱلأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } . والإنذار الإعلام بالمخوف منه على وجه الترهيب والتحذير ، وأشد ما يخوف به يوم القيامة . والحسرة أشد الندم على الأمر الذى فات وانقضى ولا يمكن تداركه . أى وأنذر - أيها الرسول الكريم - المشركين ، وخوفهم من أهوال يوم القيامة ، يوم يتحسر الظالمون على تفريطهم فى طاعة الله ، ولكن هذا التحسر لن ينفعهم ، لأن حكم الله قد نفذ فيهم وقضى الأمر بنجاة المؤمنين ، وبعذاب الفاسقين ، وذهب أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار . وقوله { وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } حال من الضمير المنصوب فى { أَنْذِرْهُمْ } . أى أنذرهم لأنهم فى حالة يحتاجون فيها إلى الإنذار وهى الغفلة وعدم الإيمان . هذا ، وقد جاء فى الحديث الصحيح ما يدل على أن المراد بقوله - تعالى - { إِذْ قُضِيَ ٱلأَمْرُ } . أى ذبح الموت . فقد روى البخارى عن أبى سعيد الخدرى قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح فينادى مناد يا أهل الجنة فيشرئبون وينظرون ، فيقول هل تعرفون هذا ؟ فيقولون نعم . هذا الموت وكلهم قد رآه . ثم ينادى يا أهل النار ، فيشرئبون وينظرون فيقول هل تعرفون هذا ؟ فيقولون نعم . هذا الموت وكلهم قد رآه . فيذبح . ثم يقول يا أهل الجنة خلود بلا موت ، ويا أهل النار خلود بلا موت . ثم قرأ - صلى الله عليه وسلم - { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ ٱلأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } " . ثم ساق - سبحانه - ما يدل على كمال قدرته ، وشمول ملكه فقال { إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ ٱلأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا … } أى إنا نحن وحدنا الذين نميت جميع الخلائق الساكنين بالأرض ، فلا يبقى لأحد غيرنا من سلطان عليهم أو عليها ، وهؤلاء الخلائق جميعاً { وَإِلَيْنَا } وحدنا { يُرْجَعُونَ } يوم القيامة ، فنحاسبهم على أعمالهم . وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - { وَإنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ ٱلْوَارِثُونَ } وإلى هنا تكون السورة الكريمة قد حدثتنا عن جانب من قصة زكريا ويحيى ، وعن قصة مريم وعيسى ، حديثاً يهدى إلى الرشد ، ويزيد المؤمنين إيماناً على إيمانهم ، ويقذف بحقه على باطل المبطلين فيدمغه فإذا هو زاهق . ثم أوردت السورة الكريمة القصة الثالثة وهى قصة إبراهيم - عليه السلام - وما دار بينه وبين أبيه من حوار . قال - تعالى - { وَٱذْكُرْ … } .