Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 119-121)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِٱلْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً } معناه إنا أرسلناك يا محمد بالدين الصحيح المشتمل على الأحكام الصادقة ، لتبشر بالثواب من آمن وعمل صالحاً ، وتنذر بالعقاب من كفر وعصى . وصدرت الآية الكريمة بحرف التأكيد ، لمزيد الاهتمام بهذا الخبر ، وللتنويه بشأن الرسول صلى الله عليه وسلم . وجىء بالمسند إليه ضمير الجلالة ، تشريفاً للنبى صلى الله عليه وسلم فكأن الله - تعالى - يشافهه بهذا الكلام بدون واسطة ، ولذا لم يقل له إن الله أرسلك . وقوله { بِٱلْحَقِّ } متعلق بأرسلناك . والحق مأخوذ من حق الشىء ، أى وجب وثبت ، ويطلق الحق على الحكم الصادق المطابق للواقع ، ويسمى الدين الصحيح حقاً لاشتماله على الأحكام الصادقة . وقوله { بَشِيراً وَنَذِيراً } حالان ، والبشير المبشر ، وهو المخبر بالأمر السار للمخبر به الذى لم يسبق له علم به . والنذير المنذر ، وهو المخبر بالأمر المخوف ليحذر منه . وجملة { وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ ٱلْجَحِيمِ } معطوف على جملة { إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ } . والجحيم المتأجج من النار . وأصحابها الملازمون لها . والسؤال كناية عن المؤاخذة واللوم . والمعنى لا تذهب نفسك عليهم حسرات يا محمد ، فإن وظيفتك أن تبشر وتنذر ولست بعد ذلك مؤاخذاً ببقاء الكافرين على كفرهم ، ولست مسئولا عن عدم اهتدائهم { فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلاَغُ وَعَلَيْنَا ٱلْحِسَابُ } وفى وصفهم بأنهم أصحاب الجحيم ، إشعار بأنهم قد طبع على قلوبهم ، فصاروا لا يرجى منها الرجوع عن الكفر . وفى هذه الجملة مع قوله { بَشِيراً وَنَذِيراً } تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم حيث لم يؤمن به أولئك الجاحدون المتعنتون . ثم بين القرآن موقف أهل الكتاب من الدعوة الإِسلامية فقال { وَلَنْ تَرْضَىٰ عَنكَ ٱلْيَهُودُ وَلاَ ٱلنَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ } . الملة الطريقة المسلوكة ، ثم جعلت اسما لما شرعه الله لعباده على لسان نبيه ليتوصلوا إلى السعادة الدائمة ، وقد تطلق على ما ليس حقاً من الأديان المنحرفة أو الباطلة ، كما حكى القرآن عن يوسف عليه السلام - أنه قال { إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } وأفرد القرآن الملة فقال - تعالى - ملتهم - " مع أن لكل من اليهود والنصارى ملة خاصة ، لأن الملتين بالنظر إلى مخالفتهما لدين الإِسلام وما طرأ عليهما من التحريف بمنزلة واحدة ، فاتباع إحداهما كاتباع الأخرى فى قلة الانتفاع به . ومعنى الغاية فى قوله " حتى تتبع ملتهم الكناية عن اليأس من اتباع أهل الكتاب لشريعة الإِسلام ، لأنهم لما كانوا لا يرضون إلا باتباعه صلى الله عليه وسلم ملتهم وكان اتباع النبى صلى الله عليه وسلم لملتهم مستحيلا ، فقد صار رضاهم عنه كذلك مستحيلا ، فالجملة الكريمة مبالغة فى الإِقناط من إسلامهم ، وتنبيه على أنه لا يرضيهم إلا ما لا يجوز وقوعه منه . ثم لقن الله - تعالى - نبيه - صلى الله عليه وسلم الجواب فقال { قُلْ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلْهُدَىٰ } . وهدى الله دينه والهدى ، بمعنى الهادى إلى طريق الفلاح فى الدنيا والآخرة . أى ما أنت عليه يا محمد من هدى الله الحق الذى يضعه فى قلب من يشاء هو الهدى الحقيقى لا ما يدعيه هؤلاء من الأهواء . وإيراد الهدى معرفاً بأل مع اقترانه بضمير الفصل " هو " يفيد قصر الهداية على دين الله ، وينفى أن يكون فى دين غير دين الله هدى . وإذا كانت الهداية مقصورة على الدين الذى جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فكيف يطمع أهل الكتاب فى أن يتبع ملتهم ؟ ثم حذر القرآن من اتباع أهل الكتاب فقال { وَلَئِنِ ٱتَّبَعْتَ أَهْوَآءَهُمْ بَعْدَ ٱلَّذِي جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } . اللام فى قوله { وَلَئِنِ } تشعر بأن فى الجملة قسماً مقدراً روعى فى صدرها ليفيد تأكيد ما تضمنته من أن متبع أهواء أهل الكتاب لا يجد من الله ولياً ولا نصيراً . والأهواء جمع هوى ، والمراد بها آراؤهم المنحرفة عن الحق الصادرة من شهوات فى أنفسهم . والعلم الدين وسمى علماً لأنه يعلم بالأدلة القاطعة . والولى القريب والحليف . والنضير كل من يعين غيره على من يناوئه ويبسط إليه يده بسوء . والمعنى ولئن اتبعت - يا محمد - آراءهم الزائفة ، بعد الذى جاءك من العلم بأن دين الله هو الإِسلام ، أو من الدين المعلوم صحته بالبراهين الواضحة ، مالك من الله من ولى يلى أمرك ولا نصير يدفع عنك عقابه . وإنما أوثر خطابه صلى الله عليه وسلم بذلك ليدخل دخولا أولياً من اتبع أهواءهم بعد الإِسلام من المنافقين تمسكاً بولايتهم ، وطمعاً فى نصرتهم . وبعد أن ذكر القرآن فى الآيات السابقة أحوال الكافرين من أهل الكتاب أخذ فى بيان حال المؤمنين ، فقال { ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ } . أى يقرءونه قراءة حقة ، مصحوبة بضبط لفظه ، وتدبر معانيه ، ولا شك أن ضبط لفظه يقتضى عدم تحريف ما لا يوافق أهواء أهل الكتاب ، كالجمل الواردة فى نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن تدبره يستدعى اتباعه والعمل به . وجملة { يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ } حال من الضمير هم أو من الكتاب وهذه الحال من قبيل الأحول التى تلابس صاحبها بعد وقوع عاملها ، فإنهم إنما يتلون الكتاب بعد أن يؤتوه . وهى التى تسمى بالحال المقدرة أى مقدراً وقوعها بعد وقوع عاملها . والمراد بالذين أوتوا الكتاب ، مؤمنو أهل الكتاب . والمراد بالكتاب التوارة والإِنجيل . أو هم أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم والكتاب القرآن . وأجاز بعضهم أن تكون الآية سيقت مدحاً لمن آمن من أهل الكتاب بالقرآن ، فيكون الضمير فى يتلونه القرآن . وقوله { أُوْلَـٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ } خبر عن قوله { ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ } . وفى ذكر الإِشارة ووضعه فى صدر الجملة المخبر بها ، زيادة تأكيد لإِثبات إيمانهم . وفى هذه الجملة تعريض بأولئك المعاندين الذين كانوا يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه ، فكأن الآية التى معنا تقول { ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ } وكان من حالهم أن قرءوه حق قراءته ، يؤمنون به إيمانا لا ريبة فيه ، بخلاف المعاندين المحرفين للكلم عن مواضعه . ثم بين - سبحانه - عاقبة الكافرين يكتبه فقال { وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } . والكفر بالكتاب يتحقق بتحريفه وانكار بعض ما جاء فيه ، أى ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون فى الدنيا حيث لا يعيشون فيها عيش المؤمنين وهم الخاسرون فى الآخرة ، إذ سيفوتهم ما أعده الله لعباده من نعيم دائم ، ومقام كريم . وكما بدأ القرآن حديثه مع اليهود بندائهم بأحب أسمائهم إليهم ، فقد اختتمه - أيضاً - بهذا النداء فقال { يَابَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتُ … وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } .