Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 246-247)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - تعالى - { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلْمَلإِ مِن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَىۤ } إلخ استئناف ثان بعد قول قبل ذلك { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ } وقد سيق هذا الاستئناف مساق الاستدلال لقوله - تعالى - { وَقَاتِلُواْ فى سَبِيلِ ٱللَّهِ } حتى تتشجع النفوس على الجهاد ، وتهون عليها المصاعب فى سبيل حياة العزة والكرامة . و { ٱلْمَلإِ } الأشراف من الناس . وهو اسم للجماعة لا واحد له من لفظه . وإنما سمى الأشراف بذلك لأن هيبتهم تملأ الصدور ، أو لأنهم يتمالؤون أى يتعاونون فى شئونهم . وأصل الباب الاجتماع بما لا يحتمل المزيد . والمعنى كما سبق أن بينا فى قوله { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ خَرَجُواْ } قد علمت أيها العاقل حال أولئك القوم من بنى إسرائيل الذين كانوا بعد وفاة موسى - عليه السلام - إذ قالوا لنبى لهم أقم لنا أميراً لكى نقاتل معه فى سبيل الله . ومن لم يعلم فها نحن أولاء نعلمه بحالهم فعليه أن يعتبر ويتعظ . فقوله { مِن بَعْدِ مُوسَىۤ } بيان للزمن الذى كان يعيش فيه أولئك الملأ من بنى إسرائيل والمراد بالنبى الذى قالوا له { ٱبْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُّقَاتِلْ فى سَبِيلِ ٱللَّهِ } على الراجح - " شمويل بن حنة " وكان السبب فى طلبهم هذا من نبيهم أن العمالقة أتباع جالوت كانوا قد أخرجوهم من ديارهم ، وأنزلوا بهم هزائم شديدة ، فطلبوا من ذلك لكى يستردوا مجدهم الضائع ، وعزهم المسلوب ، على يد هذا القائد المختار من جهة نبيهم . وفى الإِتيان بلفظ هذا النبى بصيغة التنكير إشارة إلى أن محل العبرة ليس هو شخص النبى وإنما المقصود معرفة حال أولئك القوم ، وما جرى لهم مع نبيهم من أحداث من شأنها أن تدعو إلى الاعتبار والاتعاظ . وهذه طريقة القرآن فى سرد القصص لا يهتم بالأشخاص والأزمان إلا بالقدر الذى يستدعيه المقام . أما الاهتمام الأكبر فيجعله لما اشتملت عليه القصة من وجوه العظات والعبر . ويبدو أنه كان يتوجس منهم خيفة لأنه أعرف بطبيعتهم ، فنراه يقول لهم كما حكى القرآن عنه { قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ } . فالاستفهام للتقرير والتحذير . أى إنى أتوقع عدم قتالكم إذا فرض عليكم القتال ، فراجعوا أنفسكم وقوتكم قبل أن تطلبوا هذا الطلب ، لأنه إذا فرض عليكم ثم نكصتم على أعقابكم فإن عاقبتكم ستكون شراً لا شك فى ذلك . وعسى هنا بمعنى التوقع والمقاربة ، والجملة استئناف بيانى . قال صاحب الكشاف والمعنى هل قاربتم ألا تقاتلوا ؟ يعنى هل الأمر كما أتوقعه أنكم لا تقاتلون ؟ أراد أن يقول عسيتم ألا تقاتلوا بمعنى أتوقع جبنكم عن القتال فأدخل { هَلْ } مستفهما عما هو متوقع عنده ومظنون وأراد بالاستفهام التقرير وتثبيت أن المتوقع كائن وأنه صائب فى توقعه . وخبر { عَسَيْتُمْ } " ألا تقاتلوا " والشرط فاصل بينهما " . ثم حكى القرآن ردهم على نبيهم فقال { قَالُواْ وَمَا لَنَآ أَلاَّ نُقَاتِلَ فى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا } . أى قال الملإِ من بنى إسرائيل على سبيل الإِنكار والتعجب مما قاله نبيهم وأى صارف يصرفنا عن القتال وحالنا كما ترى ؟ إننا قد أخرجنا من ديارنا وحيل بيننا وبين أبنائنا وفلذات قلوبنا فكيف لا نقاتل مع أن الدواعى موجودة ، والبواعث متوفرة ، والأسباب مهيئة ؟ فأنت تراهم فى إجابتهم هذه يستنكرون ما توقعه نبيهم منهم ، ويجزمون بأن الطريق الوحيد لعزتهم إنما هو القتال وأن هذا الأمر لا مراجعة فيه ولا جدال . وهكذا شأن الجبناء والمغرورين فى كل زمان ومكان يرحبون بالمعارك قبل قدومها فإذا ما جد الجد كذبت أعمالهم أقوالهم ، وأعطوا أدبارهم لأعدائهم ! ثم حكى القرآن أن نبيهم كان صادقاً فيما توقعه منهم من جبن وكذب ، وأنهم قو م يقولون بأفواههم ما ليس فى قلوبهم فقال - تعالى - { فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ } . أى فحين فرض عليهم القتال بعد أن الحوا فى طلبه ، أعرضوا عنه ، ونفروا منه إلا عدداً قليلا منهم فإنه ثبت على الحق ، ووفى بعهده . قال الآلوسى وقوله { إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ } وهم الذين جاوزوا النهر وكانوا ثلثمائة وثلاثة عشر عدة أهل بدر على ما أخرجه البخارى عن البراء - رضى الله عنه - والقلة إضافية فلا يرد وصف هذا العدد أحيانا بأنه جم غفير . ثم ختم الله - تعالى - الآية بقوله { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمِينَ } لإِفادة الوعيد الشديد لهؤلاء الذين نقضوا عهودهم ، ونكصوا عن القتال عندما فرض عليهم ، ولكل من يفعل فعلهم ، وسار على طريقهم . أى والله - تعالى - عليم بالظالمين الذين يظلمون أنفسهم وأمتهم بترك الجهاد ، وبترك ما أمرهم الله به بعد أن عاهدوه على عدم الترك . ثم بين القرآن ما أخبرهم به نبيهم ليحملهم على الطاعة والامتثال فقال - تعالى - { وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً } . أى وقال لهم بعد أو أوحى إليه بما يوحى إن الله - تعالى - وهو العليم الخبير بأحوال عباده قد بعث لكم ومن أجل مصلحتكم طالوت ليكون ملكاً عليكم ، وقائدا لكم فى قتالكم لأعدائكم ، فأطيعوه واتبعوا ما يأمركم به . و { طَالُوتَ } اسم أعجمى قيل هو المسمى فى التوراة باسم " شاول " وقيل إن هذا الاسم لقب له من الطول كملكوت من الملك ، لأن طالوت كان طويلا جسيما . ولقد كان الذى يقتضيه العقل أن يطيعوا أمر نبيهم ، ولكنهم لجوا فى جدالهم وطغيانهم وقالوا لنبيهم معترضين على من اختاره الله قائداً لهم . { أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ ٱلْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِٱلْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ ٱلْمَالِ } . { أَنَّىٰ } أداة استفهام بمعنى كيف ، والاستفهام هنا للتعجب من جعل طالوت ملكاً عليهم . أى قالوا لنبيهم منكرين ومتعجبين من اختيار طالوت ملكاً عليهم كيف يكون له الملك علينا والحال أننا أحق بالملك منه لأننا أشرف منه نسباً ، إذ منا من هو نسل الملوك أما طالوت فليس من نسلهم ، وفضلا عن ذلك فهو لا يملك من المال ما يملكه بعضنا فكيف يكون هذا الشخص ملكاً علينا ؟ فأنت تراهم لانعدام المقاييس الصحيحة عندهم ظنوا أن المؤهلات الحقيقية لاستحقاق الملك والقيادة إنما تكون بالنسب وكثرة المال أما الكفاءة العقلية ، والقوة البدنية ، والقدرة الشخصية فلا قيمة لها عندهم لانطماس بصيرتهم ، وسوء تفكيرهم . قال بعضهم " وسبب هذا الاستبعاد أن النبوة كانت مخصوصة بسبط معين من أسباط بنى إسرائيل وهو سبط لاوى بن يعقوب . وسبط المملكة . بسبط يهوذا ، ولم يكن طالوت من أحد هذين السبطين بل من ولد بنيامين . والواو فى قوله { وَنَحْنُ أَحَقُّ } للحال ، والواو الثانية فى قوله { وَلَمْ يُؤْتَ } عاطفة جامعة للجملتين فى الحكم . ثم حكى القرآن ما رد به نبيهم عليهم فقال { قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فى ٱلْعِلْمِ وَٱلْجِسْمِ وَٱللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } . أى قال لهم نبيهم مدللا على أحقية طالوت بالقيادة إن الله - تعالى - { ٱصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ } أى اختاره وفضله عليكم واختياره يجب أن يقابل بالإِذعان والتسليم . وثانيا { وَزَادَهُ بَسْطَةً فى ٱلْعِلْمِ } أى أن الله - تعالى - منحه سعة فى العلم والمعرفة والعقل والإِحكام فى التفكير المستقيم لم يمنحها لكم ، وثالثاً فى { وَٱلْجِسْمِ } بأن أعطاه جسماً قوياً ضخماً مهيباً . وهذه الصفات ما وجدت فى شخص إلا وكان أهلا للقيادة والريادة وفضلا عن كل ذلك فمالك الملك هو الذى اختاره فكيف تعترضون يامن تدعون أنكم تريدون القتال فى سبيل الله ؟ لذا نراه - سبحانه - يضيف الملك الحقيقى إليه فيقول { وَٱللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَآءُ } أى يعطى ملكه لمن يشاء من عباده لحكمة يعلمها . فلا يجوز لأحد أن يعترض على اختياره ، والله واسع الفضل والعطاء " عليم " . ثم حكى القرآن أن نبيهم لم يكتف بهذه الدلائل الدالة على صلاحية طالوت للقيادة ، وإنما ساق لهم بعد ذلك من العلامات التى تشهد بحقيته بهذا المنصب ما يثبت قلوبهم ، ويزيل شكهم ويشرح نفوسهم فقال - تعالى - { وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن … بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ } .