Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 253-253)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الإِشارة بتلك فى قوله { تِلْكَ ٱلرُّسُل } إلى جماعة الرسل الذين تقدم ذكرهم فى السورة والذين أرسلهم الله - تعالى - لهداية البشر ، وأمرنا - سبحانه - بالإِيمان بهم . أى أولئك الرسل الذين أرسلناهم لهداية الناس { فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } أى جعلنا لبعضهم مناقب وخصائص ومزايا لم تتوافر للبعض الآخر . و { تِلْكَ } مبتدأ و { ٱلرُّسُلُ } عطف بيان لتلك . وجملة { فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } هى الخبر . وكانت الإِشارة باللفظ الدال على البعيد ، لبيان سمو مكانة الرسل - عليهم الصلاة والسلام - وأنهم هم المصطفون الأخيار . ثم بين - سبحانه - بعض مظاهر التفضيل فقال { مِّنْهُمْ مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُ } أى منهم من فضله الله بتكليمه إياه كموسى - عليه السلام - فقد وردت آيات صريحه فى ذلك ، منها قوله - تعالى - { وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيماً } وقوله - تعالى - { قَالَ يٰمُوسَىٰ إِنِّي ٱصْطَفَيْتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي } وقوله - تعالى - { وَلَمَّا جَآءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ } ثم قال - سبحانه - { وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ } أى ومنهم من رفعه الله على غيره من الرسل مراتب سامية ومنازل عالية . قيل كإبراهيم الذى اتخذه الله خليلا ، وإدريس الذى رفعه الله مكاناً علياً ، وداود الذى آتاه الله النبوة والملك . والذى عليه المحققون من العلماء والمفسرين أن المقصود بقوله - تعالى - { وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ } هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لأنه هو صاحب الدرجات الرفيعة والمعجزة الخالدة الباقية إلى يوم القيامة والرسالة العامة الناسخة لكل الرسالات قبلها . وقد صرح صاحب الكشاف بذلك فقال قوله { وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ } أى ومنهم من رفعه الله على سائر الأنبياء ، فكان بعد تفاوتهم فى الفضل أفضل منهم درجات كثيرة . الظاهر أنه أراد محمداً صلى الله عليه وسلم لأنه هو المفضل عليهم ، حيث أوتى ما لم يؤته أحد من الآيات المتكاثرة المرتقية إلى ألف آية أو أكثر . لو لم يؤت إلا القرآن وحده لكفى به فضلا منيفاً على سائر ما أوتى الأنبياء ، لأنه المعجزة الباقية على وجه الدهر دون سائر المعجزات . وفى هذا الإِبهام من تفخيم فضله وإعلاء قدره ما لا يخفى ، لما فيه من الشهادة على أنه العلم الذى لا يشتبه ، والمتميز الذى لا يلتبس . ويقال للرجل من فعل هذا ؟ فيقول أحدكم أو بعضكم ، يريد به الذى تعورف واشتهر بنحوه من الأفعال فيكون أفخم من التصريح ، وسئل الخطيئة عن أشعر الناس ، فذكر زهيراً والنابغة ثم قال ولو شئت لذكرت الثالث ، أراد نفسه ، ولو قال ولو شئت لذكرت نفسى أو يفخم أمره . ثم قال - تعالى - { وَآتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ } . { ٱلْبَيِّنَاتِ } هى المعجزات الظاهرة البينة . وروح القدس هو جبريل - عليه السلام - والروح هنا بمعنى الملك الخاص . القدس أصل معناه الطهارة ، وهو يطلق على الطهارة المعنوية وعلى الخلوص والنزاهة . فإضافة روح إلى القدس من إضافة الموصوف إلى الصفة . قيل القدس اسم الله كالقدوس فإضافة روح إضافة للتشريف أى روح من ملائكة الله . والمعنى وأعطينا عيسى بن مريم الآيات الباهرات ، والمعجزات الواضحات كإبراء الأكمه والأبرص ، وإحياء الموتى ، وإخبار قومه بما يأكلونه ويدخرونه فى بيتهم ، وفضلا عن هذا فقد قويناه بجبريل - عليه السلام - لأن عيسى - عليه السلام - قد عاش حياته محاربا من أعدائه الرومان ومن قومه الذين أرسل إليهم وهم بنو إسرائيل ولم يؤذن له بالقتال ليدافع عن نفسه بل تولى الله - تعالى - الدفاع عنه بجنده الذين من بينهم جبريل - عليه السلام - . قال الزمخشرى " فإن قلت لم خص موسى وعيسى من بين الأنبياء بالذكر ؟ قلت لما أوتيا من الآيات العظيمة والمعجزات الباهرة ولقد بين الله وجه التفضيل حيث جعل التكليم من الفضل وهو آية من الآيات . لما كان هذان النبيان قد أوتيا ما أوتيا من عظام الآيات خصا بالذكر فى باب التفضيل . هذا دليل بين على أن من زيد تفضيلا بالآيات منها فقد فضل على غيره . ولما كا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هو الذى أوتى منها ما لم يؤت أحد فى كثرتها وعظمها كان هو المشهود له بإحراز قصبات الفضل غير مدافع " . وقال الإِمام القرطبى ما ملخصه هذه الآية نثبت التفاضل بين الأنبياء وهناك أحاديث تقول " لا تخيرونى على موسى " و " لا تخيروا بين الأنبياء " و " لا تفضلوا بين الأنبياء " أى لا تقولوا فلان خير من فلان ، ولا فلان أفضل من فلان فكيف الجمع ؟ فالجواب أن هذا كان قبل أن يوحى إليه بالتفضيل وقبل أن يعلم أنه سيد ولد آدم ، وأن القرآن ناسخ للمنع من التفضيل أو أن قوله هذا من باب الهضم والتواضع . أو المراد النهى عن الخوض فى ذلك لأن الخوض فى ذلك ذريعة إلى الجدال والجدال قد يؤدى إلى أن يذكر بعضهم بما لا ينبغى أن يذكر به ، وقد يؤدى إلى قلة احترامهم . ثم قال . وأحسن من هذا القول من قال إن المنع من التفضيل إنما هو من جهة النبوة التى هى خصلة واحدة لا تفاضل فيها ، وإنما التفضيل فى زيادة الأحوال والخصوص والكرامات والألطاف والمعجزات ، وأما النبوة فى نفسها فلا تتفاضل ، وإنما تتفاضل بأمور أخرى زائدة عليها ، ولذلك فهم رسل ، وأولو عزم ، ومنهم من كلمه الله … فالقول بتفضيل بعضهم على بعض إنما هو بما منح من الفضائل ، وأعطى من الوسائل . وبذلك نكون قد جمعنا بين الآية والأحاديث من غير النسخ . ثم قال - تعالى - { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقْتَتَلَ ٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ وَلَـٰكِنِ ٱخْتَلَفُواْ فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَّن كَفَرَ } . أى ولو شاء الله - تعالى - ألا يقتتل الذين جاؤا بعد كل رسول من الرسول وبعد أن جاءهم الرسل بالبينات الدالة على الحق ، لو شاء الله ذلك لفعل ، ولكن الله - تعالى - لم يشأ ذلك ، لأنه خلق الناس مختلفين فى تقبلهم للحق ، فترتب على هذا الاختلاف أن آمن بالحق الذى جاءت به الرسل من فتح له قلبه ، واتجه إليه اختياره ، وأن كفر به من آثر الضلالة على الهداية واستحب العمى على الهدى ، وترتب عليه - أيضاً أن تقاتل الناس وتحاربوا . ومفعول المشيئة محذوف دل عليه جواب الشرط أى لو شاء الله ألا يقتتل الذين جاءوا من بعد الرسل ما اقتتلوا . وقدم - سبحانه - المسبب وهو الاقتتال على السبب وهو الاختلاف كما يشهد له قوله { وَلَـٰكِنِ ٱخْتَلَفُواْ … } للتنبيه على سوء مغبة الاختلاف ، وللتحذير من الوقوع فيه ، لأن وقوعهم فيه سيؤدى إلى أن يقتل بعضهم بعضاً ، وللإِشارة إلى أنه - سبحانه - قادر على إزالة الاقتتال فى ذاته حتى مع وجود أسبابه ، لأنه - تعالى - هو الخالق للأسباب والمسببات . وفى قوله { مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ } إشارة إلى ما جبلت عليه بعض النفوس من العناد الذى يؤدى إلى التنازع والاختلاف والتقاتل حتى بعد ظهور الحق ، وانكشاف وجه الصواب ، لأن هذه النفوس قد آثرت الهوى على الرشاد ، واتخذت طريق الغى طريقاً لها . وفى قوله { وَلَـٰكِنِ ٱخْتَلَفُواْ … } إشارة إلى أنه - سبحانه - لم يشأ أن يزيل القتال الذى حدث بين المقاتلين ، لأن هذا القتال قد نشأ بينهم بسبب اختلافهم ، وسوء اختيارهم ، وعدم استجابتهم للهدايات والتوجيهات والبينات التى جاءتهم بها الرسل - عليهم السلام - . ثم ختم - سبحانه - الآية بقوله { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقْتَتَلُواْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيد } أى لو شاء الله عدم اقتتالهم لأى سبب من الأسباب لما اقتتلوا ، ولكنه - سبحانه - يفعل ما يريد حسب ما تقتضيه حكمته ، وترتضيه مشيئته ، فهو الكبير المتعال الذى كل شىء عنده بمقدار فالآية الكريمة تبين أن الرسل - عليهم السلام - يتفاضلون فيما بينهم ، وتنهى الناس فى كل زمان ومكان عن الاختلاف والتنازع لأنهما يؤديان إلى أوخم العواقب ، وأسوأ النتائج . ثم وجه القرآن نداء إلى المؤمنين أمرهم فيه ببذل أموالهم فى سبيل الدفاع عن الحق ، حتى يكونوا أهلا لرضا الله ومثوبته . { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ … } .