Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 25-25)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

البشارة الخبر السار فهو أخص من الخبر ، سمى بذلك لأن أثره يظهر على البشرة وهى ظاهر جلد الإِنسان ، والمأمور بالتبشير هو النبى صلى الله عليه وسلم أو كل من يتأتى منه تفخيماً لأمره ، وتعظيماً لشأنه . والصالحات جمع صالحة وهى الفعلة الحسنة ، وهى من الصفات التى جرت مجرى الأسماء فى إيلائها العوامل . والجنات جمع جنة ، وهى كل بستان ذى شجر متكاثف ، ملتف الأغصان ، يظل ما تحته ويستره ، من الجن وهو ستر الشىء عن الحاسة ، ثم صارت الجنة اسماً شرعياً لدار النعيم فى الآخرة ، وهى سبع درجات جنة الفردوس ، وجنة عدن ، وجنة النعيم ، ودار الخلد ، وجنة المأوى ، ودار السلام ، وعليون … وتتفاوت منازل المؤمنين فى كل درجة بتفاوت الأعمال الصالحة . والأنهار جمع نهر - بفتح الهاء وسكونها والفتح أفصح - وهو الأخدود الذى يجرى فيه الماء على الأرض ، وهو مشتق من مادة نهر الدالة على الانشقاق والاتساع ، ويكون كبيراً أو صغيراً . وأسند إليه الجرى فى الآية مع أن الذى يجرى فى الحقيقة هو الماء ، أخذاً بفن معروف بين البلغاء ، وهو إسناد الفعل إلى مكانه ، توسعاً فى أساليب البيان . وقوله " من تحتها " وارد على طريقة الإِيجاز بحذف كلمة " أشجار " اعتماداً على تبادرها إلى الذهن ، والمعنى تجرى من تحت أشجارها الأنهار . ثم بين - سبحانه - أحوال هؤلاء المؤمنين الصالحين فقال { كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـٰذَا ٱلَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ } . أى إن سكان الجنة كلما رزقوا فى الجنة ثمرة من ثمراتها ، وجدوها مثل الذى رزقوه فيها من قبل ، فى بلوغه الغاية من حسن المنظر ولذة الطعم . وفى هذا إشارة إلى أن ثمار الجنة متماثلة فى حسن منظرها ، ولذة طعمها بحيث لا تفضل ثمرة فى ذلك على أخرى ، فجميع ثمرها يسر له القلب ، ويستحليه الذوق ، وإن اختلفت المناظر والطعوم . ثم قال - تعالى - { وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً } أى يشبه بعضه بعضاً فى الصورة والرائحة ، ويختلف فى اللذة والطعم ، أو فى المزية والحسن ، وعن ابن عباس " ليس فى الدنيا مما فى الجنة إلا الأسامى " وهذه الجملة مؤكدة لما قبلها فى معنى أن كل ثمر يشابه ما قبله فى حسن المنظر ولذة الطعم مشابهة لا يفضل فيها ثمر على آخر بخلاف ثمر الدنيا ، فإنه يتفاوت فى مناظره حسناً ، وفى طعومه لذة . ويرى بعض العلماء حمل قوله - تعالى - { قَالُواْ هَـٰذَا ٱلَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ } على تقدير من قبل دخول الجنة ، أى هذا الذى رزقناه فى الدنيا ، وإلى هذا الرأى مال صاحب الكشاف فقد قال " فإن قلت كيف قيل . " هذا الذى رزقنا من قبل ؟ وكيف تكون ذات الحاضر عندهم فى الجنة هى ذات الذى رزقوه فى الدنيا ؟ قلت معناه هذا مثل الذى رزقناه من قبل وشبهه ، بدليل قوله { وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً } فإن قلت إلام يرجع الضمير فى قوله { وَأُتُواْ بِهِ } ؟ قلت إلى المرزوق فى الدنيا والآخرة جميعاً ، لأن قوله { هَـٰذَا ٱلَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ } انطوى تحته ذكر ما رزقوه فى الدارين . فإن قلت لأى غرض يتشابه ثمر الدنيا وثمر الجنة ؟ قلت لأن الإِنسان بالمألوف آنس وإلى المعهود أميل ، وإذا رأى ما لم يألفه نفر عن طبعه ، وعافته نفسه " . ثم قال - تعالى - { وَلَهُمْ فِيهَآ أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } . الأزواج جمع زوج وهى المرأة يختص بها الرجل ، والضمير فى " فيها " يعود إلى الجنات . والمعنى أن لهؤلاء المؤمنين نساء مختصات بهم ، مطهرات غاية التطهير من كل دنس وقذر ، حسى ومعنوى ، لا كنساء الدنيا ، وهم فى هذه الجنات باقون على الدوام ، لأن النعيم إنما يتم باطمئنان صاحبه على أنه دائم ، أما إذا كان محتملا للزوال فإن صاحبه يبقى منغص البال ، إذ سيتذكر أنه سيفقده فى يوم من الأيام ، فجملة { وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } جىء بها على سبيل الاحتراس من وهم الانقطاع . وبعد هذا البيان الجامع عن أحوال المهتدين بهديه أو الناكبين عن صراطه ، وما تخلل ذلك من المواعظ النافعة ، والتمثيلات الرائعة ، والبشارات الطيبة لمن آمن وعمل صالحاً ، بعد كل ذلك بين - سبحانه - أنه لا يعبأ أن يضرب مثلا بشىء حقير أو غير حقير ، فقال - تعالى - { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا … أُولَـۤئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } .