Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 45-46)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى { وَٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلاَةِ } الاستعانة طلب المعونة ، والصبر حبس النفس على ما نكره . يقال صبر على الطاعة . أى حبس نفسه عليها متحملا ما يلاقيه فى أدائها من مشاق وصبر عن المعصية . أى كف نفسه عما تنزع إليه من أهواء . والمعنى واستعينوا على ترك ما تحبون من شهوات الدنيا ، والدخول فيما تستثقله نفوسكم من قبول الإِسلام ، والتقيد بتكاليفه بفضيلة الصبر التى تحجز أنفسكم من غشيان الموبقات ، وبفريضة الصلاة التى تنهاكم عن الفحشاء والمنكر . قوله تعالى { وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى ٱلْخَاشِعِينَ } كبيرة أى صعبة شاقة . يقال كبر الشىء إذا شق وثقل ، ومنه قوله تعالى { كَبُرَ عَلَى ٱلْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ } أى ثقل وصعب - والخاشعين من الخشوع وهو فى الأصل اللين والسهولة " ومعناه فى الآية الكريمة . الخضوع والاستكانة لله تعالى ، والضمير فى - إنها - للصلاة لعظيم شأنها واستجماعها لضروب من الصبر ، والاستثناء مفرغ . أى كبيرة على كل الناس إلا على الخاشعين . والمعنى إن الصلاة صعبة إلا على الخاضعين المخبتين المتطامنة قلوبهم وجوارحهم لله تعالى لأنهم موقنون أنها من أهم وسائل الفلاح فى الدنيا ، والسعادة فى الآخرة ، ولأنهم يجدون عند أدائها اغتباطاً وسروراً يجعل نفوسهم تنشط إليها كلما حل وقتها بهمة وإخلاص . قال الإِمام الرازى " فإن قيل إن كانت ثقيلة على هؤلاء سهلة على الخاشعين ، فيجب أن يكون ثوابهم أكثر ، وثواب الخاشع أقل ، وذلك منكر من القول ؟ قلنا ليس المراد أن الذى يلحقهم من التعب أكثر مما يلحق الخاشع . وكيف يكون ذلك ، والخاشع يستعمل فى الصلاة جوارحه وقلبه ، ولا يغفل فيها وإذا كان هذا فعل الخاشع فالثقل عليه يفعل الصلاة أعظم . وإنما المراد بقوله تعالى { وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ } . أى ثقيلة على غير الخاشع لأنه لا يعتقد فى فعلها ثواباً ، ولا فى تركها عقاباً ، فيصعب عليه فعلها ، فالحاصل أن الملحد لاعتقاده عدم المنفعة فى أدائها ثقل عليه فعلها ، لأن الاشتغال بما لا فائدة فيه يثقل على الطبع . أما الموحد فلما اعتقد فى فعلها أعظم المنافع ، وفى تركها أكبر المضار ، لم يثقل عليه أداؤها . بل أداها وهو سعيد بها ، ألا ترى إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم " جعلت قرة عينى فى الصلاة " وصفها بذلك لأنها كانت لا تثقل عليه . ثم وصف - سبحانه - الخاشعين وصفاً يناسب المقام ، ويظهر وجه الاستعانة ، فقال - تعالى - { ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَٰقُواْ رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } . الظن يرد فى أكثر الكلام بعنى الاعتقاد الراجح ، وهو ما يتجاوز مرتبة الشك ، وقد يقوى حتى يصل إلى مرتبة اليقين والقطع ، وهو المراد هنا ومثل ذلك قوله - تعالى - { أَلا يَظُنُّ أُوْلَـٰئِكَ أَنَّهُمْ مَّبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ } أي ألا يعتقد أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم . وقوله تعالى { إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاَقٍ حِسَابِيَهْ } أى علمت أنى ملاق حسابيه . وملاقاة الخاشعين لربهم معناها الحشر إليه بعد الموت ، ومجازاتهم على ما قدموا من عمل . والمعنى إن الصلاة لثقيلة إلا على الخاشعين ، الذين يعتقدون لقاء الله - تعالى - يوم الحساب ، وأنهم عائدون إليه لينالوا ما يستحقونه من جزاء على حسب أعمالهم . قال ابن جرير - مرجحاً أن المراد بالظن هنا العلم واليقين - " إن قال لنا قائل وكيف أخبر الله - تعالى - عمن قد وصفه بالخشوع له بالطاعة أنه يظن أنه ملاقيه ، والظن شك ، والشاك فى لقاء الله كافر ؟ قيل له إن العرب قد تسمى اليقين ظناً والشك ظناً نظير تسميتهم الظلمة سدفة . والضياء سدفة ، والمغيث صارخاً ، والمستغيث صارخاً ، وما أشبه ذلك من الأسماء التى يسمى بها الشىء وضده ، ومما يدل على أنه يسمى به اليقين ، قول دريد بن الصمة فقلت لهم ظنوا بألفى مدجج … يعنى بذلك تيقتوا أن ألفى مدجج تأتيكم ، ثم قال والشواهد من أشعار العرب وكلامها على أن الظن فى معنى اليقين أكثر من أن تحصى ، وفيما ذكرنا لمن وفق فى فهمه كفاية ، ومنه قوله تعالى { وَرَأَى ٱلْمُجْرِمُونَ ٱلنَّارَ فَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ مُّوَاقِعُوهَا } وعن مجاهد قال " كل ظن فى القرآن فهو علم " . والذين قالوا إن الظن هنا على معناه الحقيقى ، وهو الاعتقاد الراجح ، فسروا " ملاقاة الخاشعين لربهم " بمعنى قربهم من رضاه يوم القيامة " ورجوعهم إليه " بمعنى حلولهم بجواره الطيب ، واستقرارهم فى جناته ، أى وإن الصلاة لكبيرة إلا على الخاشعين الذين يتوقعون قربهم من ربهم ، ودخولهم جناته عند رجوعهم إليه . وإلى هذا التفسير ذهب صاحب الكشاف ، فقال قال فإن قلت ما لها لم تثقل على الخاشعين والخشوع فى نفسه مما يثقل ؟ قلت لأنهم يتوقعون ما ادخر للصابرين على متاعبها فتهون عليهم . ألا ترى إلى قوله تعالى { ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَٰقُواْ رَبِّهِمْ } أى يتوقعون لقاء ثوابه ، ونيل ما عنده ويطمعون فيه . وإنما كان شعور الخاشعين بذلك كله ظناً لا يقيناً ، لأن خواتيم الحياة لا يعلمها كيف تكون سوى علام الغيوب ، ففى وصفهم بأنهم { يَظُنُّونَ } إشارة إلى خوفهم ، وعدم أمنهم مكر الله - تعالى - وهكذا يكون المؤمن دائماً بين الخوف والرجاء . ومن هذا العرض لمعنى الآية الكريمة يتبين لنا ، أن من فسر الظن هنا بمعنى اليقين والعلم ، يرى أن لقاء الخاشعين لله معناه الحشر بعد الموت ، ورجوعهم إليه معناه مجازاتهم على أعمالهم . والحشر والمجازاة يعتقد صحتهما الخاشعون اعتقاداً جازماً . أما من فسر الظن هنا بمعنى الاعتقاد الراجح ، فيرى أن لقاء الخاشعين لله معناه توقعهم لقاء توابه ، ورجوعهم إليه معناه ظفرهم بجناته ، وتوقع الثواب والظفر بالجنات يرجح الخاشعون حصولهما لأن مرجعهما إلى فضل الله وحده . والذى نراه أن الرأى الأول أكثر اتساقاً مع ظاهر معنى الآية الكريمة وبه قال قدماء المفسرين ، كمجاهد وأبى العالية وغيرهما . وقد تضمنت هذه الآيات الكريمة توبيخ أحبار اليهود على نصحهم لغيرهم وتركهم لأنفسهم وإرشادهم إلى العلاج الذى يشفيهم من هذا الخلق الذميم ، ومن غيره متى استعملوه بصدق وإخلاص ، وهذا العلاج يتمثل فى تذرعهم بالصبر . ومداومتهم على الصلاة ، وشكرهم لله - تعالى - على نعمه التى فصلت الآيات بعد ذلك الحديث عنها ، وها نحن نذكرها مرتبة كما ساقها القرآن الكريم . أولا نعمة تفضيلهم على العالمين قال - تعالى - { يَابَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِي ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتُ … }