Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 44-44)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الأمر طلب إيجاد الفعل . والبر اسم يتناول كل عمل من أعمال الخير . والنسيان ضد الذكر ، وهو السهو الحادث بعد حصول العلم . والعقل يطلق على قوة فى النفس ، تستعد بها لقبول العلم . وإدراك الشىء . والمعنى كيف يليق بكم يا معشر اليهود ، وأنتم تأمرون الناس بأمهات الفضائل ، وألوان الخيرات ، أن تنسوا أنفسكم ، فلا تأتمروا بما تأمرون به غيركم ، وأنتم مع ذلك تقرأون توراتكم ، وتدركون أى عقوبة أليمة لمن يأمر الناس بالخير وينسى نفسه ، أفلا عقل لكم يحبسكم عن هذا السفه الذى ترديتم فيه ، ويحذركم من سوء عاقبته ؟ قال ابن عباس - رضى الله عنهما - كان يهود المدينة يقول الرجل منهم لصهره ، ولذى قرابته ، ولمن بينه وبينه صلة من المسلمين أثبت على الذى أنت عليه ، وما يأمرك به هذا الرجل يريدون محمداً صلى الله عليه وسلم - فإن أمره حق ، فكانوا يأمرون بالناس بذلك ولا يفعلونه . والمراد بالنسيان فى الآية الكريمة ، تركهم العمل بما يأمرون به غيرهم ، لأن الناسى حقيقة ليس مؤاخذا على ما نسيه ، فلا يستحق هذا التوبيخ الشديد الوارد فى الآية الكريمة ، وليس التوبيخ متوجها إلى كونهم كانوا يأمرون الناس بالبر ، لأنه فعل محمود ، وإنما التوبيخ متوجه إلى كونهم تركوا العمل بما يرشدون إليه سواهم ، فهم يداوون الناس ، وقلوبهم مليئة بالأمراض والعلل . وقوله تعالى { وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ ٱلْكِتَابَ } مزيد تقبيح لشأنهم ، ذلك أن قراءتهم لكتبهم أبطلت اعتذارهم بالجهل الذى قد يتشبث به بعض الفاسقين على أمر الله عند ما ينكر الناس عليهم فسوقهم . وفى قوله تعالى { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } أسمى أنواع الهداية والإِرشاد السليم ، فإن من ألطف الأساليب فى الخطاب والتوجيه ، أن يكون للموجه إليه النصح صفة من شأنها أن تسوقه إلى خير ، ولكنه ينساق إلى غيره من أنواع الشرور فيقع فعله من الناس موقع الدهشة والغرابة ، فيذكر له مسدى النصح تلك الصفة فى معرض الاستفهام بغية تذكيره بأن ما صدر منه لا يلتقى مع ما عرف عنه . وتطبيقاً لهذا المبدأ نقول إن المخاطبين بقوله تعالى { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } يعقلون ويدركون الأشياء ، وبهذا الإِدراك توجه إليهم التكليف بالعقائد والشرائع ، ولكنهم لم يسيروا على مقتضى ما لديهم من عقول ، حيث كانوا يأمرون الناس بالخير ، ويصرفون أنفسهم عنه ، فكأنه - سبحانه - يقول لهم إن ما أتيتم من أفعال سقيمة . يجعل الناظر إليكم يحكم عليكم بلا أدنى تردد بأنكم لا عقول لكم ، ولا فضيلة لديكم ، وفى هذا الأسلوب ما فيه من الترغيب فى فعل الخير والترهيب من فعل الشر . ولما كانت الأمور التى كلفهم الله بها قبل ذلك فيها مشقة لا يتحملها كل أحد بسهولة . فقد أرشدهم إلى الوسائل التى تقوى عزائمهم ، وتطهر قلوبهم ، وتعالج أمراض نفوسهم فقال تعالى { وَٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلاَةِ … } .