Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 60-60)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الاستسقاء طلب السقيا عند عدم الماء أو حبس المطر ، وذلك عن طريق الدعاء لله - تعالى - فى خشوع واستكانة ، وقد سأل موسى ربه أن يسقى بنى إسرائيل الماء بعد أن استبد بهم العطش ، عندما كانوا فى التيه ، فعن ابن عباس أنه قال " كان ذلك فى التيه ، ضرب لهم موسى الحجر ، فصارت منه اثنتا عشرة عيناً من ماء ، لكل سبط منهم عين يشربون منها . وهذه النعمة كانت نافعة لهم فى دنياهم لأنها أزالت عنهم الحاجة الشديدة إلى الماء ولولاه لهلكوا ، وكانت نافعة لهم فى دينهم لأنها من أظهر الأدلة على وجود الله . وعلى قدرته وعلمه ، ومن أقوى البراهين على صدق موسى - عليه السلام - فى نبوته . ومعنى الآية الكريمة واذكروا يا بنى إسرائيل وقت أن أصاب آباءكم العطش الشديد وهم فى صحراء مجدبة ، فتوسل إلينا نبيهم موسى - عليه السلام - فى خشوع وتضرع أن أمدهم بالماء الذى يكفيهم ، فأجبناه إلى ما طلب ، إذ أوحينا إليه أن اضرب بعصاك الحجر . ففعل ، فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً بمقدار عدد الأسباط ، وصار لكل سيط منهم مشرب يعرفه ولا يتعداه إلى غيره ، وقلنا لهم تمتعوا بما من الله به عليكم من مأكول طيب ومشروب هنىء رزقكم الله إياه من غير تعب ولا مشقة ، { وَلاَ تَعْثَوْاْ فى ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ } فتتحول النعم التى بين أيديكم إلى نقم وتصبحوا على ما فعلتم نادمين . وقوله تعالى { وَإِذِ ٱسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ } يفيد أن الذى سأل ربه السقيا هو موسى - عليه السلام - وحده ، لتظهر كرامته عند ربه لدى قومه ، وليشاهدوا بأعينهم إكرام الله - تعالى - له ، حيث أجاب سؤاله ، وفجر الماء لهم ببركة دعائه . واللام فى قوله تعالى - { لِقَوْمِهِ } للسببية ، أى لأجل قومه . والفاء فى قوله - تعالى - { فَقُلْنَا ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْحَجَرَ } ، عطفت الجملة بعدها على محذوف ، والتقدير فأجبناه إلى ما طلب ، وقلنا اضرب بعصاك الحجر . وآل فى { ٱلْحَجَرَ } لتعريف الجنس أى اضرب أى حجر شئت بدون تعيين ، وقيل للعهد ، ويكون المراد حجراً معيناً معروفاً لموسى - عليه السلام - بوحى من الله تعالى . وقد أورد المفسرون فى ذلك آثاراً حكم المحققون بضعفها ولذلك لم نعتد بها . والذى نرجحه أنها لتعريف الجنس ، لأن انفجار الماء من أى حجر بعد ضربه أظهر فى إقامة البرهان على صدق موسى - عليه السلام - وأدعى لإِيمان بنى إسرائيل وانصياعهم للحق بعد وضوحه ، وأبعد عن التشكيك فى إكرام الله لنبيه موسى - عليه السلام - إذ لو كان انفجار الماء من حجر معين لأمكن أن يقولوا إن تفجير الماء كان لمعنى خاص بالحجر لا لكرامة موسى عند ربه - تعالى - . والفاء فى قوله تعالى { فَٱنفَجَرَتْ مِنْهُ ٱثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً } كسابقتها للعطف على محذوف تقديره فضرب فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً ، وقد حذفت هذه الجملة المقدرة لوضوح المعنى . وكانت العيون اثنتى عشرة عيناً لأن بنى إسرائيل كانوا اثنى عشر سبطاً ، والاسباط فى بنى إسرائيل كالقبائل فى العرب . وهم ذرية أبناء يعقوب - عليه السلام - الاثنى عشر ، ففى انفجار الماء من اثنتى عشرة عيناً إكمال للنعمة عليهم ، حتى لا يقع بينهم تنازع وتشاجر وقال - سبحانه - { فَٱنفَجَرَتْ } . وقال فى سورة الأعراف { فَٱنبَجَسَتْ } والانبجاس خروج الماء بقلة . والانفجار خروجه بكثرة ، ولا تنافى بينهما فى الواقع لأنه ابنجس أولا . ثم انفجر ثانياً ، وكذا العيون يظهر الماء منها قليلا ثم يكثر لدوام خروجه . وقوله تعالى { قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ } إرشاد وتنبيه إلى حكمة الانقسام إلى اثنتى عشرة عيناً أى قد عرف كل سبط من أسباط بنى إسرائيل مكان شربه ، فلا يتعداه إلى غيره ، وفى ذلك ما فيه من استقرار أمورهم ، واطمئنان نفوسهم ، وعدم تعدى بعضهم على بعض . وقوله تعالى { كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ ٱللَّهِ } مقول لقول محذوف تقديره وقلنا لهم كلوا واشربوا من رزق الله . وقد جمع - سبحانه - بين الأكل والشرب - وإن كان الحديث عن الشراب - لأنه قد تقدمه إنزال المن والسلوى ، وقد قيل هنالك { كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ } فلما أتبع ذلك بنعمة تفجير الماء لهم اجتمعت المنتان . وقوله تعالى { وَلاَ تَعْثَوْاْ فى ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ } تحذير لهم من البطر والغرور واستعمال النعمة فى غير ما وضعت له ، بعد أن أذن لهم فى التمتع بالطيبات ، لأن النعمة عندما تكثر قد تنسى العبد حقوق خالقه فيهجر الشريعة ، ويعيث فى الأرض فساداً . قال تعالى { كَلاَّ إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ . أَن رَّآهُ ٱسْتَغْنَىٰ } والمعنى ولا تسعوا فى الأرض مفسدين ، وتقابلوا النعم بالعصيان فتسلب عنكم . قال ابن جرير - رحمه الله - وأصل العثا شدة الإِفساد بل هو أشد الإِفساد ، يقال منه عثى فلان فى الأرض إذا تجاوز الحد فى الإِفساد إلى غايته ، يعثى ، عثاً مقصوراً ، ويقال للجماعة يعثون … وبذلك تكون الآية الكريمة قد ذكرت بنى إسرائيل بنعمة جليلة ، ونصحتهم بأن يعملوا على شكرها وحذرتهم عاقبة الإِفساد فى الأرض وجحودهم النعمة واستبدالهم الذى هو أدنى بالذى هو خير ثم ذكرهم - سبحانه - بما كان منهم من جحود النعمة واستخفافهم بها وإيثارهم - بسوء اختيارهم - ما هو أدنى على ما هو خير ، فقال تعالى { وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَىٰ لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ ٱلأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا … } .