Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 63-64)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال ابن جرير " وكان سبب أخذ الميثاق عليهم فيما ذكره ابن زيد ، ما حدثنى به يونس بن عبد الأعلى ، قال أخبرنا ابن وهب ، قال ابن زيد لما رجع موسى من عند ربه بالألواح قال لقومه بنى إسرائيل إن هذه الألواح فيها كتاب الله ، وأمره الذى أمركم به ونهيه الذى نهاكم عنه . فقالوا ومن يأخذ بقولك أنت ، لا والله حتى نرى الله جهرة ، حتى يطلع الله علينا فيقول " هذا كتابى فخذه " فما له لا يكلمنا كما كلمك أنت يا موسى قال فجاءت غضبة من الله ، فجاءتهم صاعقة فصعقتهم فماتوا جميعاً ، قال ثم أحياهم الله بعد موتهم فقال لهم موسى خذوا كتاب الله . فقالوا لا . قال أى شىء أصابكم ؟ قالوا متنا جميعاً ، ثم حيينا قال خذوا كتاب الله . قالوا لا . فبعث الله ملائكة فنتقت الجبل فوقهم ، فقيل لهم أتعرفون هذا ؟ قالوا نعم ، هذا الطور . قال خذوا الكتاب وإلا طرحناه عليكم ، قال فأخذوا بالميثاق . قال ولو كانوا أخذوه أول مرة لأخذوه بغير ميثاق " . ومعنى الآيتين الكريمتين واذكروا - يا بنى إسرائيل - لتعتبروا وتنتفعوا وقت أن أخذنا عليكم جميعاً العهد بأن تعبدوا الله وحده ، وتتبعوا ما جاءكم به رسله ، وتعملوا بما فى التوراة ، واذكروا كذلك وقت أن رفعنا فوق أسلافكم الطور تهديداً لهم بالعقوبة إذا لم يطيعوا أوامر الله ، وليشهدوا آية من آيات الله الدالة على قدرته ، وقلنا لكم جميعاً . خذوا ما آتيناكم فى كتابكم من تكاليف بجد وعزم واجتهاد ، واذكروا ما فيه وتدبروه وسيروا على هديه لتتقوا الهلاك فى الدنيا والعذاب فى الآخرة ، ولكن الذى حصل منكم جميعاً أنكم أعرضتم عن العمل بما أخذ عليكم ، فتركتم تعاليم كتابكم وآذيتم أنبياءكم ، ولوا أن الله - تعالى - رأف بكم ، ووفقكم للتوبة ، وعفا عن زلاتكم ، لكنتم من الهالكين فى دنياكم وآخرتكم . وقوله تعالى { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ } تذكير لبنى إسرائيل بنعمة من أمثال النعم الواردة فى الآيات السابقة ، لأن أخذ الميثاق عليهم ليعملوا بما فى التوراة من الأمور العائد عليهم نفعها . وقوله تعالى { وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ ٱلطُّورَ } أى أعليناه ، وجعلناه فوق رءوسكم كالمظلة . والطور اسم للجبل الذى ناجى عليه موسى ربه - تعالى - كان بنو إسرائيل بأسفله فرفع فوق رءوسهم . وقوله تعالى { خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ } مقول لقول محذوف ، دل عليه المعنى ، والتقدير وقلنا لهم خذوا ما آتيناكم بقوة ، أى تمسكوا به ، واعملوا بما فيه يجد ونشاط ، وتقبلوه واجتنبوا نواهيه ، واعملوا ما جاء به بدون تردد . والمراد " بما آتيناكم " التوراة التى أنزلها الله تعالى على موسى لتكون هدى ونوراً لهم . وقوله تعالى { وَٱذْكُرُواْ مَا فِيهِ } أى احفظوه وتدبروه وتدارسوه ، وامتثلوا أوامره ، واجتنبوا نواهيه ، واعملوا بكل ما جاء فيه بلا تعطيل لشىء منه . قال الإِمام القرطبى " وهذا هو المقصود من الكتب ، العمل بمقتضاها لا تلاوتها باللسان - فحسب - ، فقد روى النسائى عن أبى سعيد الخدرى - رضى الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إن من الشر الناس رجلا فاسقاً يقرأ القرآن ، لا يرعوى إلى شىء منه " . و " لعل " فى قوله تعالى { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } إما للتعليل ، فيكون المعنى خذوا الكتاب بجد وعزم ، واعملوا بما فيه بصدق وطاعة ، لتتقوا الهلاك فى عاجلتكم وآجلتكم ، وإما للترجى ، وهو منصرف إلى المخاطبين ، فيكون المعنى خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه ولا تنسوه ، وأنتم ترجون أن تكونوا من طائفة المتقين . وقوله تعالى { ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِّن بَعْدِ ذٰلِكَ } بيان لنقضهم وإعراضهم عن العمل بالميثاق الذى أخذ عليهم ، ونبذوه خلف ظهورهم . والمشار إليه بقوله تعالى { ذٰلِكَ } أخذ الميثاق عليهم ، وقبول ما أوتوه من الكتاب ، والمعنى ثم أعرضتم وانصرفتم عن طاعتى بعد أخذ الميثاق عليكم ، ومشاهدتكم للآيات التى تستكين لها القلوب لأن قلوبكم كالحجارة أو أشد قسوة . وقوله تعالى { فَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُم مِّنَ ٱلْخَاسِرِينَ } تصريح بما حباهم به - سبحانه - من رأفة بهم ، وقبول لتوبتهم ، وعفو عن خطيئاتهم ، فكأنه - سبحانه - يقول لهم إنكم بإعراضكم عن طاعتى ، ونقضكم لعهدى ، وإهمالكم العمل بكتابى ، وعدم تأثركم بآياتى ونذرى ، قد استحققتم غضبى وعذابى ، ولكن حال دون حلولهما بكم . فضلى الذى تدارككم ورحمتى التى وسعتكم ، ولطفى وإمهالى لكم ، ولولا ذلك لكنتم من الخاسرين فى دنياكم وآخرتكم ، بسبب ما اجترحتم من نقض ميثاقكم . وبذلك تكون الآيتان قد ذكرتا بنى إسرائيل المعاصرين للعهد النبوى بما كان من أسلافهم من جحود النعمة ، ونقض للعهد ، وفى هذا التذكير تحذير لهم من السير على طريقتهم ، ودعوة لهم إلى الدخول فى الإِسلام واتباع محمد صلى الله عليه وسلم . ثم ذكرهم - سبحانه - بسوء عاقبة الذين اعتدوا منهم فى السبت ، وحذرهم من أن بنهجوا نهجهم فقال - تعالى - { وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ ٱلَّذِينَ ٱعْتَدَواْ مِنْكُمْ … وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ } .