Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 62-62)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ففى هذه الآية الكريمة حدثنا القرآن عن أربع فرق من الناس أما الفرقة الأولى فهى فرقة الذين آمنوا ، والمراد بهم الذين آمنوا بالنبى صلى الله عليه وسلم ، وصدقوه . وابتدأ القرآن بهم للإِشعار بأن دين الإِسلام دين قائم على أساس أن الفوز برضا الله لا ينال إلا بالإِيمان الصادق والعمل الصالح ، ولا فضل لأمة على أمة إلا بذلك ، كما قال - تعالى - { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَاكُمْ } وأما الفرقة الثانية فهى فرقة الذين هادوا ، أى صاروا يهوداً ، يقال هاد وتهود ، أى دخل فى اليهودية ، وسمواً يهوداً نسبة إلى يهوذا أكبر أولاد يعقوب - بقلب الذال دالا فى التعريب - أو سمواً يهودا حين تابوا من عبادة العجل ، من هاد يهود هودا بمعنى تاب . ومنه { إِنَّا هُدْنَـآ إِلَيْكَ } أى تينا . والفرقة الثالثة هى فرقة النصارى ، جمع نصران بمعنى نصرانى ، كندامى وندمان والياء فى نصرانى للمبالغة ، وهم قوم عيسى - عليه السلام - قيل سمواً بذلك لأنهم كانوا أنصاراً له ، وقيل إن هذا الاسم مأخوذ من الناصرة وهى القرية التى كان عيسى - عليه السلام - قد نزلها . وأما الفرقة الرابعة فهى فرقة الصابئين جمع صابئ ، وهو الخارج من دين إلى دين ، يقال صباً الظلف والناب والنجم - كمنع وكرم - إذا طلع . والمراد بهم الخارجون من الدين الحق إلى الدين الباطل ، وهم قوم يعبدون الكواكب أو الملائكة ، ويزعمون أنهم على دين صابئ بن شيث بن آدم . وذكر القرآن الصابئة فى هذا المقام وهم من أبعد الأمم ضلالا . لينبه على أن الإِيمان الصحيح والعمل الصالح يرفعان صاحبهما إلى مرتقى الفلاح . حتى ولو سبق له أنه بلغ فى الكفر والفجور أقصى غاياته . والإِيمان المشار إليه فى قوله - تعالى - { مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } . الخ ، يفسره بعض العلماء بالنسبة لليهود والنصارى بمعنى صدور الإِيمان منهم على النحو الذى قرره الدين الحق ، فمن لم تبلغه منهم دعوة الإِسلام ، وكان ينتمى إلى دين صحيح فى أصله بحيث يؤمن بالله واليوم الآخر ويقدم العمل الصالح على الوجه الذى يرشده إليه دينه ، فله أجره على ذلك عند ربه . أما الذين بلغتهم دعوة الإِسلام من تلك الفرق ولكنهم لم يقبلوها فإنهم لا يكونون ناجين من عذاب الله مهما ادعوا بأنهم يؤمنون بغيرها ، لأن الشريعة الإِسلامية قد نسخت ما قبلها والرسول صلى الله عليه وسلم يقول " لو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعى " . ويفسرونه - أى الإِيمان - بالنسبة للمؤمنين المشار إليهم بقوله تعالى { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ … } على أنه بمعنى الثبات والدوام والإِذعان ، وبذلك ينتظم عطف قوله - تعالى - { وَعَمِلَ صَالِحاً } على قوله { آمَنَ } مع مشاركة هؤلاء المؤمنين لتلك الفرق الثلاث فيما يترتب على الإِيمان والعمل الصالح من ثواب جزيل ، وعاقبة حميدة . وبعض العلماء يرى أن معنى { مَنْ آمَنَ } أى من أحدث من هذه الفرق إيماناً بالنبى صلى الله عليه وسلم وبما جاء من عند ربه ، قالوا لأن مقتضى المقام هو الترغيب فى دين الإِسلام ، وأما بيان من مضى على دين آخر قبل نسخه فلا ملابسة له بالمقام ، فضلا عن أن الصابئين ليس لهم دين تجوز رعايته فى وقت من الأوقات . ثم بين - سبحانه - عاقبتهم فقال { فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } . الأجر الجزاء على العمل ، وسمى الله ما يعطيه للمؤمن العامل أجراً على سبيل التفضل منه . وقال { عِندَ رَبِّهِمْ } ليدل على عظم الثواب ، لأن ما يكون عند الله من الجزاء على العمل لا يكون إلا عظيماًً ، ولأن المجازى لهم هو ربهم المنعوت بصفات الكرم والرحمة وسعة العطاء . والمعنى إن هؤلاء الذين آمنوا بالله عن تصديق وإذعان ، وقدموا العمل الصالح الذى ينفعهم يوم لقائه ، هؤلاء لهم أجرهم العظيم عند ربهم ، ولا يفزعون من هول يوم القيامة كما يفزع الكافرون ، ولا يفوتهم نعيم ، فيحزنون عليه كما يحزن المقصرون . ثم واصل القرآن حديثه مع بنى إسرائيل ، فذكرهم بنعمة شمول الله إياهم برحمته وفضله رغم توليهم عن طاعته ونقضهم لميثاقه فقال تعالى { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ … لَكُنْتُم مِّنَ ٱلْخَاسِرِينَ } .