Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 1-8)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

افتتحت السورة الكريمة بلفظ { طه } ، وهذا اللفظ أظهر الأقوال فيه أنه من الحروف المقطعة التى افتتحت بها بعض سور القرآن الكريم . وقد بينا بشىء من التفصيل عند تفسيرنا لسور البقرة ، وآل عمران ، والأعراف ، ويونس … آراء العلماء فى المقصود بهذه الحروف . وقلنا ما خلاصته لعل أقرب الأقوال إلى الصواب ، أن هذه الحروف المقطعة قد وردت فى افتتاح بعض سور القرآن الكريم ، على سبيل الإيقاظ والتنبيه والتعجيز لمن عارضوا فى كون القرآن من عند الله - تعالى - ، أو فى كونه معجزة للنبى - صلى الله عليه وسلم - دالة على صدقه فيما يبلغه عن ربه . وقيل إن هذا اللفظ بمعنى يا رجل فى لغة بعض قبائل العرب … وقيل إنه اسم للرسول - صلى الله عليه وسلم - أو للسورة … إلى غير ذلك من الأقوال التى رأينا أن نضرب عنها صفحا لضعفها . وقوله - سبحانه - { مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ } . استئناف مسوق لتسلية الرسول - صلى الله عليه وسلم - عما أصابه من المشركين ، والشقاء يأتى فى اللغة بمعنى التعب والعناء ، ومنه المثل القائل " أشقى من رائض مهر " أى أتعب . ومنه قول ابى الطيب المتنبى @ ذو العقل يشقى فى النعيم بعقله وأخو الجهالة فى الشقاوة ينعم @@ أى ما أنزلنا عليك القرآن - أيها الرسول الكريم - لكى تتعب وتجهد نفسك هما وغما بسبب إعراض المشركين عن دعوتك ، كما قال - تعالى - { فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَسَفاً } وإنما أنزلناه إليك لتسعد بنزوله ، ولتبلغ آياته ، ثم بعد ذلك من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ، فأنت عليك البلاغ ونحن علينا الحساب . ومنهم من يرى أن المقصود بالآية النهى عن المغالاة فى العبادة ، فقد أثر عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قام الليل حتى تورمت قدماه فيكون المعنى ما أنزلنا عليك القرآن لكى تهلك نفسك بالعبادة ، وتذيقها ألوان المشقة والتعب ، فإن الله - تعالى - يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ، وما جعل عليكم فى الدين من حرج . ومنهم من يرى أن الآية مسوقة للرد على المشركين ، الذين قالوا ما أنزل هذا القرآن على محمد - صلى الله عليه وسلم - إلا ليشقى ، فيكون المراد بالشقاء ما هو ضد السعادة . قال القرطبى ما ملخصه " وأصل الشقاء فى اللغة العناء والتعب ، أى ما أنزلنا عليك القرآن لتتعب ، بسبب فرط تأسفك عليهم وعلى كفرهم … أى ما عليك إلا أن تبلغ وتنذر … وروى أن أبا جهل والنضر بن الحارث قالا للنبى - صلى الله عليه وسلم - إنك لتشقى لأنك تركت دين آبائك ، فأريد الرد على ذلك بأن دين الإسلام ، وهذا القرآن هو السلم إلى نيل كل فوز ، والسبب فى درك كل سعادة ، وما فيه الكفرة هو الشقاوة بعينها . وروى أنه - عليه الصلاة والسلام - صلى بالليل حتى اسمندّت قدماه - أى تورمت - فقال له جبريل أبق على نفسك فإن لها عليك حقا ، أى ما أنزلنا عليك القرآن لتنهك نفسك فى العبادة ، وتذيقها المشقة الفادحة ، وما بعثت إلا بالحنيفية السمحة … ويبدو لنا أن الآية الكريمة وإن كانت تتسع لهذه المعانى الثلاثة ، إلا أن المعنى الأول أظهرها ، وأقربها إلى سياق الآيات الكريمة ، فإن قوله - تعالى - بعد ذلك { إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ } بيان للحكمة التى من أجلها أنزل الله - تعالى - هذا القرآن . أى ما أنزلنا عليك يا محمد هذا القرآن لتتعب من فرط تأسفك على كفر الكافرين ، وإنما أنزلناه من أجل أن يكون { تَذْكِرَةً } أى موعظة تلين لها قلوب من يخشى عقابنا ، ويخاف عذابنا ، ويرجو ثوابنا . وما دام الأمر كذلك فامض فى طريقك ، وبلغ رسالة ربك ، ثم بعد ذلك لا تتعب نفسك بسبب كفر الكافرين ، فإنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء . وخص - سبحانه - التذكرة بمن يخشى دون غيره ، لأن الخائف من عذاب الله - تعالى - هو وحده الذى ينتفع بهدايات القرآن الكريم وآدابه وتوجيهاته وأحكامه ووعده ووعيده … كما قال - تعالى - { فَذَكِّرْ بِٱلْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ } وكما قال - سبحانه - { إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا } أى الساعة . ثم بين - سبحانه - مصدر القرآن الذى أنزله - تعالى - للسعادة لا للشقاء فقال { تَنزِيلاً مِّمَّنْ خَلَق ٱلأَرْضَ وَٱلسَّمَاوَاتِ ٱلْعُلَى } . وقوله { تَنزِيلاً } منصوب بفعل مضمر دل عليه قوله { مَآ أَنَزَلْنَا … } . أى نزل هذا القرآن تنزيلا ممن خلق الأرض التى تعيشون عليها ، وممن خلق السماوات العلى ، أى المرتفعة . جمع العليا ككبرى وكبر ، وصغرى وصغر . ثم مدح - سبحانه - ذاته بقوله { ٱلرَّحْمَـٰنُ عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱسْتَوَىٰ } أى الرحمن - عز وجل - استوى على عرش ملكه استواء يليق بذاته بلا كيف أو تشبيه ، أو تمثيل . قال الإمام مالك الاستواء غير مجهول ، والكيف غير معقول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة . وقد ذكر لفظ العرش فى إحدى وعشرين آية من آيات القرآن الكريم . قال بعض العلماء " أما الاستواء على العرش فذهب سلف الأمة - ومنهم الأئمة الأربعة - إلى أنه صفة لله - تعالى - بلا كيف ولا انحصار ولا تشبيه ولا تمثيل ؟ لاستحالة اتصافه - تعالى - بصفات المحدثين ، ولوجوب تنزيهه - تعالى - عما لا يليق به { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } وأنه يجب الإيمان بها كما وردت ، وتفويض العلم بحقيقتها إليه - تعالى - . … ثم أكد - سبحانه - شمول ملكه وقدرته فقال { لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } من كائنات وموجودات ملكا وتصرفا وإيحاء وإماتة ، وله { مَا بَيْنَهُمَا } من مخلوقات لا يعلمها إلا هو وله { مَا تَحْتَ ٱلثَّرَىٰ } والثرى هو التراب الندى . يقال ثريت الأرض - كرضيت - إذا نديت ولانت بعد أن كانت جدباء يابسة . والمقصود وله - سبحانه - بجانب ما فى السماوات وما فى الأرض وما بينهما ، ما وراء الثرى وهو تخوم الأرض وطبقاتها إلى نهايتها . وخص - سبحانه - ما تحت الثرى بالذكر ، مع أنه داخل فى قوله { وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } لزيادة التقرير ، ولتأكيد شمول ملكيته - سبحانه - لكل شىء . وقوله - سبحانه - { وَإِن تَجْهَرْ بِٱلْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ وَأَخْفَى } بيان لشمول علمه بكل شىء ، بعد بيان شمول قدرته . والجهر بالقول رفع الصوت به . والسر ما حدث به الإنسان غيره بصورة خفية . وأخفى أفعل تفضيل وتنكيره للمبالغة فى الخفاء . والمعنى وإن تجهر - أيها الرسول - بالقول فى دعائك أو فى مخاطبتك لربك ، فربك - عز وجل - غنى عن ذلك ، فإنه يعلم ما يحدث به الإنسان غيره سرا ، ويعلم أيضا ما هو أخفى من ذلك وهو ما يحدث به الإنسان نفسه دون أن يطلع عليه أحد من الخلق . قال - تعالى - { وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ أَوِ ٱجْهَرُواْ بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ } وقال - سبحانه - { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ } ومنهم من يرى أن لفظ { أَخْفَى } فعل ماض . فيكون المعنى وإن تجهر بالقول فى ذكر أو دعاء فلا تجهد نفسك بذلك فإنه - تعالى - يعلم السر الذى يكون بين اثنين ، ويعلم ما أخفاه - سبحانه - عن عباده من غيوب لا يعلمها إلا هو ، ويعلم ما سيفعله الإنسان من أعمال فى المستقبل ، قبل أن يعلم هذا الإنسان أنه سيفعلها . قال الجمل وقوله { أَخْفَى } جوزوا فيه وجهين أحدهما أنه أفعل تفضيل . أى وأخفى من السر . والثانى أنه فعل ماض . أى وأخفى الله من عباده غيبه ، كقوله { وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً } ثم أثنى - سبحانه - على ذاته بما هو أهل له فقال { ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ } . أى هو الله - تعالى - وحده الذى يجب أن يخلص الخلق له العبادة والطاعة ولا أحد غيره يستحق ذلك ، وهو صاحب الأسماء { ٱلْحُسْنَىٰ } أى الفضلى والعظمى ، لدلالتها على معانى التقديس والتمجيد والتعظيم والنهاية فى السمو والكمال . وفى الحديث الصحيح عن النبى - صلى الله عليه وسلم - " إن لله تسعة وتسعين اسماً ، من أحصاها دخل الجنة " . قال - تعالى - { وَللَّهِ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ فَٱدْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِيۤ أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } وقال - سبحانه - { قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ ٱلأَسْمَآءَ ٱلْحُسْنَىٰ … } ثم ساقت السورة الكريمة بشىء من التفصيل جانبا من قصة موسى ، التى تعتبر أكثر قصص الأنبياء ورودا فى القرآن الكريم ، حيث جاء الحديث عنها فى سور البقرة ، والمائدة ، والأعراف ، ويونس ، والإسراء ، والكهف ، والشعراء ، والقصص . وقد بدأت السورة حديثها عن قصة موسى ببيان اختيار الله - تعالى - له لحمل رسالته ، وتبليغ دعوته قال - تعالى - { وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ … } .