Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 21, Ayat: 59-65)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أى وحين رجع القوم من عيدهم ورأوا ما حل بأصنامهم " قالوا " على سبيل التفجع والإِنكار " من فعل هذا " الفعل الشنيع " بآلهتنا " التى نعظمها " إنه " أى هذا الفاعل " لمن الظالمين " لهذه الآلهة . لإِقدامه على إهانتها وهى الجديرة بالتعظيم - فى زعمهم - ، ولمن الظالمين لنفسه حيث سيعرضها للعقوبة منا . { قَالُواْ } أى بعضهم وهم الذين سمعوا من إبراهيم قوله { وَتَٱللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ مُدْبِرِينَ } { سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ } والمراد بالذكر هنا الذكر بالسوء والذم . أى سمعنا فتى يذكرهم بالنقص والذم والتهديد بالكيد ، وهذا الفتى يقال له إبراهيم ، ولعله هو الذى فعل بهم ما فعل . وهنا تشاوروا فيما بينهم وقالوا . إذا كان الأمر كذلك { فَأْتُواْ بِهِ } وأحضروه { عَلَىٰ أَعْيُنِ ٱلنَّاسِ } أى أمام أعينهم ليتمكنوا من رؤيته على أتم وجه { لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ } مساءلتنا له . ومواجهتنا إياه بالعقوبة التى يستحقها على فعله هذا ، أو يشهدون عليه بأنه هو الذى حطم الأصنام . قال ابن كثير وكان هذا هو المقصود الأكبر لإِبراهيم ، أن يتبين فى هذا المحفل العظيم ، كثرة جهلهم ، وقلة عقلهم ، فى عبادة هذه الأصنام ، التى لا تدفع عن نفسها ضرا ، ولا تملك لها نصرا … " . وجاءوا بإبراهيم - عليه السلام - وقالوا له على سبيل الاستنكار والتهديد " أأنت فعلت هذا " التكسير والتحطيم " بآلهتنا " التى نعبدها " يا إبراهيم " ؟ وهنا يرد عليهم إبراهيم - عليه السلام - بتهكم ظاهر ، واستهزاء واضح فيقول { بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَـٰذَا } يعنى الذى تركه بدون تحطيم ، فإن كنتم لم تصدقوا قولى { فَاسْأَلُوهُمْ } عمن فعل بهم ذلك { إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ } أى إن كانوا ممن يتمكن من النطق أجابوكم وأخبروكم عمن فعل بهم ما فعل . فأنت ترى أن إبراهيم - عليه السلام - لم يقصد بقوله هذا الإِخبار بأن كبير الأصنام هو الذى حطمها ، أو سؤالهم للأصنام عمن حطمها ، وإنما الذى يقصده هو الاستهزاء بهم ، والسخرية بأفكارهم ، فكأنه يقول لهم إن هذه التماثيل التى تعبدونها من دون الله . لا تدرى إن كنت أنا الذى حطمتها أم هذا الصنم الكبير ، وأنتم تعرفون أنى قد بقيت قريبا منها بعد أن وليتم عنها مدبرين ، وإذا كان الأمر كذلك فانظروا من الذى حطمها إن كانت لكم عقول تعقل ؟ قال صاحب الكشاف هذا - أى قول إبراهيم لهم بل فعله كبيرهم هذا - من معاريض الكلام ، ولطائف هذا النوع لا يتغلغل فيها إلا أذهان الخاصة من علماء المعانى . والقول فيه أن قصد إبراهيم - عليه السلام - لم يكن إلى أن ينسب الفعل الصادر عنه إلى الصنم ، وإنما قصد تقريره لنفسه ، وإثباته لها على أسلوب تعريضى ، يبلغ فيه غرضه من إلزامهم الحجة وتبكيتهم . وهذا كما لو قال لك صاحبك ، وقد كتبت كتابا بخط رشيق - وأنت شهير بحسن الخط - أأنت كتبت هذا ؟ وصاحبك أمى لا يحسن الخط ، ولا يقدر إلى على خربشة فاسدة - أى كتابة رديئة - فقلت له بل كتبته أنت ، كان قصدك بهذا الجواب ، تقرير أن هذه الكتابة لك . مع الاستهزاء به … وهذا التفسير للآية الكريمة من أن إبراهيم - عليه السلام - قد قال لقومه ما قال على سبيل الاستهزاء بهم ، هو الذى تطمئن إليه قلوبنا ، وقد تركنا أقوالا أخرى للمفسرين فى معنى الآية ، نظرا لضعف هذه الأقوال بالنسبة لهذا القول . وقوله - سبحانه - { فَرَجَعُوۤاْ إِلَىٰ أَنفُسِهِمْ فَقَالُوۤاْ إِنَّكُمْ أَنتُمُ ٱلظَّالِمُونَ } بيان للأثر الذى أحدثه رد إبراهيم - عليه السلام - . أى أنهم بعد أن قال لهم إبراهيم { بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَـٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ } ، أخذوا فى التفكر والتدبر ، فرجعوا إلى أنفسهم باللوم ، وقال بعضهم لبعض إنكم أنتم الظالمون ، حيث عبدتم مالا يستطيع الدفاع عن نفسه أو حيث تركتم آلهتكم بدون حراسة . ولكن هذا الأثر ، وهذا اللوم لأنفسهم ، لم يلبث إلا قليلا حتى تبدد ، بسبب استيلاء العناد والجحود عليهم ، فقد صور القرآن حالهم بعد ذلك فقال { ثُمَّ نُكِسُواْ عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَـٰؤُلاۤءِ يَنطِقُونَ } . وقوله { نُكِسُواْ } فعل مبنى للمجهول من النكس ، وهو قلب الشىء من حال إلى حال ، وأصله قلب الشىء بحيث يصير أعلاه أسفله . أى ثم انقلبوا من لومهم لأنفسهم لعبادتهم لما لا يقدر على دفع الأذى عنه ، إلى التصميم على كفرهم وضلالهم ، فقالوا لإِبراهيم على سبيل التهديد لقد علمت أن هذه الأصنام لا تنطق ، فكيف تأمرنا بسؤالها ؟ إن أمرك هذا لنا لهو دليل على أنك تسخر بعقولنا ، ونحن لن نقبل ذلك ، وسننزل بك العقاب الذى تستحقه . وقد شبه القرآن الكريم عودتهم إلى باطلهم وعنادهم ، بعد رجوعهم إلى أنفسهم باللوم ، شبه ذلك بالانتكاس ، لأنهم بمجرد أى خطرت لهم الفكرة السليمة ، أطفأوها بالتصميم على الكفر والضلال ، فكان مثلهم كمثل من انتكس على رأسه بعد أن كان ماشيا على قدميه ، فياله من تصوير بديع لحالة من يعود إلى الظلام ، بعد أن يتبين له النور . والجملة الكريمة { لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَـٰؤُلاۤءِ يَنطِقُونَ } جواب لقسم محذوف ، معمول لقول محذوف ، والتقدير ثم نكسوا على رءوسهم قائلين والله لقد علمت ما هؤلاء ينطقون . ولم يملك إبراهيم إزاء انتكاسهم على رءوسهم ، إلا أن يوبخهم بعنف وضيق ، - وهو الحليم الأواه المنيب - وقد قابلوا تأنيبه لهم بتوعده بالعذاب الشديد ، ولكن الله - تعالى - نجاه من مكرهم ، قال - تعالى - { قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ … } .