Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 1-2)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
افتتحت سورة الحج بهذا النداء الموجه من الخالق - عز وجل - إلى الناس جميعاً ، يأمرهم فيه بامتثال أمره ، وباجتناب نهيه ، حتى يفوزوا برضاه يوم القيامة . وقوله - سبحانه - { إِنَّ زَلْزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ } تعليل للأمر بالتقوى . قال القرطبى الزلزلة شدة الحركة ، ومنه قوله - تعالى - { … وَزُلْزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ … } وأصل الكلمة من زل فلان عن الموضع ، أى زال عنه وتحرك ، وزلزل الله قدمه ، أى حركها وهذه اللفظة تستعمل فى تهويل الشىء " . وقال الآلوسى " والزلزلة التحريك الشديد ، والإِزعاج العنيف ، بطريق التكرير ، بحيث يزيل الأشياء من مقارها ، ويخرجها من مراكزها . وإضافتها إلى الساعة ، من إضافة المصدر إلى فاعله ، لكن على سبيل المجاز فى النسبة كما فى قوله - تعالى - { بَلْ مَكْرُ ٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ } لأن المحرك حقيقة هو الله - تعالى - ، والمفعول الأرض أو الناس ، أو من إضافته إلى المفعول ، لكن على إجرائه مجرى المفعول به اتساعاً كما فى قوله " يا سارق الليلة أهل الدار … " . والمعنى يأيها الناس اتقوا ربكم إتقاء تاماً ، بأن تصونوا أنفسكم عن كل ما لا يرضيه ، وبأن تسارعوا إلى فعل ما يحبه ، لأن ما يحدث فى هذا الكون عند قيام الساعة ، شىء عظيم ، ترتجف لهوله القلوب ، وتخشع له النفوس . وقال - سبحانه - { إِنَّ زَلْزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ } بصيغة الإِجمال والإِبهام لهذا الشىء العظيم ، لزيادة التهويل والتخويف . ثم فصل - سبحانه - هذا الشىء العظيم تفصيلاً يزيد فى وجل القلوب فقال { يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ … } . والضمير فى " ترونها " ، يعود إلى الزلزلة لأنها هى المتحدث عنها والظرف " يوم " منصوب بالفعل تذهل ، والرؤية بصرية لأنهم يرون ذلك بأعينهم . والذهول الذهاب عن الأمر والانشغال عنه مع دهشة وحيرة وخوف ، ومنه قول عبد الله ابن رواحة - رضى الله عنه - @ ضربا يُزيل الهامَ عن مَقِيله ويُذْهِل الخليلَ عن خليله @@ أى أن هذه الزلزلة من مظاهر شدتها ورهبتها ، أنكم ترون الأم بسببها تنسى وتترك وليدها الذى ألقمته ثديها . وكأنها لا تراه ولا تحس به من شدة الفزع . قال صاحب الكشاف " فإن قلت لم قيل { مُرْضِعَةٍ } دون مرضع ؟ قلت المرضعة التى هى فى حال الإِرضاع ملقمة ثديها الصبى ، والمرضع التى من شأنها أن ترضع وإن لم تباشر الإِرضاع فى حال وصفها به ، فقيل مرضعة ، ليدل على أن ذلك الهول إذا فوجئت به هذه ، وقد ألقمت الرضيع ثديها نزعته عن فيه لما يلحقها من الدهشة { عَمَّآ أَرْضَعَتْ } عن إرضاعها أو عن الذى أرضعته وهو الطفل . … " . وقوله - سبحانه - { وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا } بيان لحالة ثانية تدل على شدة الزلزلة وعلى عنف آثارها . أى وترونها - أيضاً - تجعل كل حامل تضع حملها قبل تمامه من شدة الفزع . ثم بين - سبحانه - حالة ثالثة لللآثار التى تدل على شدة هذه الزلزلة فقال { وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَـٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٌ } . أى وترى - أيها المخاطب - الناس فى هذا الوقت العصيب ، هيئتهم كهيئة السكارى من قوة الرعب والفزع . وما هم على الحقيقة بسكارى ، لأنهم لم يشربوا ما يسكرهم ولكن عذاب الله شديد . أى ولكن شدة عذابه - سبحانه - هى التى جعلتهم بهذه الحالة التى تشبه حالة السكارى فى الذهول والاضطراب . وقد أشار صاحب الكشاف إلى هذا المعنى فقال " وتراهم سكارى على التشبيه ، وما هم بسكارى على التحقيق ، ولكن ما رهقهم من خوف عذاب الله ، هو الذى أذهب عقولهم ، وطير تمييزهم ، وردهم فى نحو حال من يذهب السكر بعقله وتمييزه … " . وقد علق صاحب الانتصاف على عبارة صاحب الكشاف هذه فقال قال أحمد والعلماء يقولون إن من أدلة المجاز صدق نقيضه ، كقولك زيد حمار ، إذا وصفته بالبلادة ، ثم يصدق أن تقول وما هو بحمار ، فتنفى عنه الحقيقة ، فكذلك الآية ، بعد أن أثبت السكر المجازى نفى الحقيقة أبلغ نفى مؤكد بالباء ، والسر فى تأكيده التنبيه على أن هذا السكر الذى هو بهم فى تلك الحالة ليس من المعهود فى شىء ، وإنما هو أمر لم يعهدوا مثله من قبل . والاستدراك بقوله { وَلَـٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٌ } راجع إلى قوله { وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ } وكأنه تعليل لإِثبات السكر المجازى ، فكأنه قيل إذا لم يكونوا سكارى من الخمر فما هذا السكر الغريب وما سببه ؟ فقال شدة عذاب الله - تعالى - " . هذا ، وقد اختلف العلماء فى وقت هذه الزلزلة المذكورة هنا ، فمنهم من يرى أنها تكون فى آخر عمر الدنيا ، وأول أحوال الساعة ومنهم من يرى أنها تكون يوم القيامة ، بعد خروج الناس من قبروهم للحساب . وقد وفى هذه المسألة حقها الإِمام ابن كثير فقال ما ملخصه " قال قائلون هذه الزلزلة كائنة فى آخر عمر الدنيا . وأول أحوال الساعة . وقال آخرون بل ذلك هول وفزع وزلزال وبلبال ، كائن يوم القيامة فى العرصات ، بعد القيام من القبور . ثم ساق - رحمه الله - سبعة أحاديث استدل بها أصحاب الرأى الثانى . ومن هذه الأحاديث ما رواه الشيخان عن أبى سعيد الخدرى قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " يقول الله - تعالى - يوم القيامة يا آدم . فيقول لبيك ربنا وسعديك . فيُنَادَى بصوت إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثاً إلى النار ، قال يا رب ، وما بعث النار ؟ قال من كل ألف - أراه قال - تسعمائة وتسعة وتسعين ، فحينئذ تضع الحامل حملها ويشيب الوليد ، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد " . فشق ذلك على الناس حتى تغيرت وجوههم . فقال - صلى الله عليه وسلم - " مِن يأجوج ومأجوج تسعمائة وتسعة وتسعين ومنكم واحد ، ثم أنتم فى الناس كالشعرة البيضاء فى الثور الأسود ، وإنى لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة - فكبرنا - ثم قال ثلث أهل الجنة - فكبرنا - ثم قال شطر أهل الجنة فكبرنا " " . وعلى الرأى الأول تكون الزلزلة بمعناها الحقيقى ، بأن تتزلزل الأرض وتضطرب ، ويعقبها طلوع الشمس من مغربها ، ثم تقوم الساعة . وعلى الرأى الثانى تكون الزلزلة المقصود بها شدة الخوف والفزع ، كما فى قوله - تعالى - فى شأن المؤمنين بعد أن أحاطت بهم جيوش الأحزاب { هُنَالِكَ ٱبْتُلِيَ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالاً شَدِيداً } فالمقصود أصيبوا بالفزع والخوف ، وليس المقصود أن الأرض تحركت واضطربت من تحتهم . وبعد هذا الافتتاح الذى يغرس الخوف فى النفوس ، ويحملها على تقوى الله وخشيته ، ساقت السورة حال نوع من الناس يجادل بالباطل ، ويتبع خطوات الشيطان ، فقال - تعالى - { وَمِنَ ٱلنَّاسِ … } .