Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 3-4)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
و { مِنَ } فى قوله { وَمِنَ ٱلنَّاسِ } للتبعيض . وقوله { يُجَادِلُ } من الجدال بمعنى المفاوضة على سبيل المنازعة والمخاصمة والمغالبة ، مأخوذ من جدلت الحبل . أى أحكمت فتله ، كأن المتجادلين يحاول كل واحد منهما أن يقوى رأيه ، ويضعف رأى صاحبه . والمراد بالمجادلة فى الله المجادلة فى ذاته وصفاته وتشريعاته . وقوله { بِغَيْرِ عِلْمٍ } حال من الفاعل فى يجادل . وهى حال موضحة لما تشعر به المجادلة هنا من الجهل والعناد . أى ومن الناس قوم استولى عليهم الجهل والعناد ، لأنهم يجادلون وينازعون فى ذات الله وصفاته ، وفى وحيه وفى أحكامه بغير مستند من علم عقلى أو نقلى ، وبغير دليل أو ما يشبه الدليل . وقوله - سبحانه - { وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ } معطوف على ما قبله . والمريد والمتمرد البالغ أقصى الغاية فى الشر والفساد ، يقال مرد فلان على كذا - من باب نصر وظرف - إذا عتا وتجبر واستمر على ذلك . وأصل المادة للملاسة والتجرد ، ومنه قولهم شجرة مرداء أى ملساء لا ورق لها . وغلام أمرد . أى لم ينبت فى ذقنه شعر … أى يجادل فى ذات الله وصفاته بغير علم يعلمه ، ويتبع فى جداله وتطاوله وعناده ، كل شيطان عاد عن الخير ، متجرد للفساد ، لا يعرف الحق أو الصلاح ، ولا هما يعرفانه ، وإنما هو خالص للشر والغى والمنكر من القول والفعل . وتقييد الجدال بكونه بغير علم ، يفهم منه أن الجدال بعلم لإِحقاق الحق وإبطال الباطل ، سائغ محمود ، ولذا قال الإِمام الفخر الرازى " هذه الآية بمفهومها تدل على جواز المجادلة الحقة ، لأن تخصيص المجادلة مع عدم العلم بالدلائل ، يدل على أن المجادلة مع العلم جائزة " ، فالمجادلة الباطلة هى المرادة من قوله - تعالى - { مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً … } والمجادلة الحقة هى المرادة من قوله { وَجَادِلْهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ … } ثم بين - سبحانه - سوء عاقبة هذا المجادل بالباطل ، والمتبع لكل شيطان مريد ، فقال { كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلاَّهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ } . أى كتب على هذا الشيطان ، وقضى عليه " أنه من تولاه " أى اتخذه وليا وقدوة له " فأنه يضله " أى فشأن هذا الشيطان أن يضل تابعه عن كل خير " ويهديه إلى عذاب السعير " أى وأن شأن هذا الشيطان - أيضا - أن يهدى متبعه إلى طريق النار المستعرة ، وفى التعبير بقوله { وَيَهْدِيهِ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ } تهكم بمن يتبع هذا الشيطان ، إذ سمى - سبحانه - قيادة الشيطان لأتباعه هداية … وقد ذكر كثير من المفسرين أن هاتين الآيتين نزلتا فى شأن النضر بن الحارث أو العاص بن وائل ، أو أبى جهل . . وكانوا يجادلون النبى - صلى الله عليه وسلم - بالباطل . ومن المعروف أن نزول هاتين الآيتين فى شأن هؤلاء الأشخاص ، لا يمنع من عمومهما فى شأن كل من كان على شاكلة هؤلاء الأشقياء ، إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب . ولذا قال صاحب الكشاف " وهى عامة فى كل من تعاطى الجدال فيما يجوز على الله وما لا يجوز ، من الصفات والأفعال . ولا يرجع إلى علم . ولا يعض فيه بضرس قاطع ، وليس فيه اتباع البرهان ، ولا نزول على النصفة ، فهو يخبط خبط عشواء ، غير فارق بين الحق والباطل " . ثم ساق - سبحانه - أهم القضايا التى جادل فيها المشركون بغير علم ، واتبعوا فى جدالهم خطوات الشيطان ، وهى قضية البعث ، وأقام الأدلة على صحتها ، وعلى أن البعث حق وواقع فقال - تعالى - { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ … } .