Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 22, Ayat: 38-41)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال الفخر الرازى اعلم أنه - تعالى - لما بين ما يلزم فى الحج ومناسكه وما فيه من منافع الدنيا والآخرة ، وما كان من صد الكفار عنه ، أتبع ذلك ببيان ما يزيل الصد . ويؤمن معه التمكن من الحج فقال - تعالى - { إِنَّ ٱللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ … } . ومفعول " يدافع " محذوف . وجاء التعبير بقوله - تعالى - { يُدَافِعُ } بصيغة المفاعلة ، للمبالغة فى الدفاع والدفع ، أو للدلالة على أن ذلك حاصر للمؤمنين كلما حصل من الكافرين عدوان عليهم . أى إن الله - تعالى - بفضله وكرمه يدافع عن المؤمنين أعداءهم وخصومهم ، فيرد كيدهم فى نحورهم . وصح أن يكون { يُدَافِعُ } بمعنى يدفع ، ويؤيده قراءة ابن كثير وأبى عمرو . أى أن الله - تعالى - يدفع السوء عن عباده المؤمنين الصادقين ، ويجعل العاقبة لهم على أعداءهم . فالجملة الكريمة بشارة للمؤمنين ، وتقوية لعزائمهم حتى يقبلوا على ما شرعه الله لهم من جهاد أعدائهم ، بثبات لا تردد معه ، وبأمل عظيم فى نصر الله وتأييده . وقوله - سبحانه - { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ } تعليل لوعده - سبحانه - للمؤمنين بالدفاع عنهم ، وبجعل العاقبة لهم . والخوان هو الشديد الخيانة ، والكفور هو المبالغ فى كفره وجحوده ، فاللفظان كلاهما صيغة مبالغة . قال الآلوسى وصيغة المبالغة فيهما لبيان أن المشركين كذلك ، لا للتقييد المشعر بمحبة الخائن والكافر … أى إن الله - تعالى - يدافع عن المؤمنين لمحبته لهم ، ويبغض هؤلاء الكافرين الذين بلغوا فى الخيانة والكفر اقصى الدركات . وأوثر التعبير بقوله - تعالى - { لاَ يُحِبُّ } على قوله يبغض أو يكره ، للإِشعار بأن المؤمنين هم أحباء الله - تعالى - ، وللتعريض بهؤلاء الكافرين الذين تجاوزوا كل حد فى كراهيتهم لأهل الحق . ثم رخص - سبحانه - للمؤمنين بأن يقاتلوا فى سبيله فقال { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ … } . وقوله - تعالى - { أُذِنَ } فعل ماض مبنى للمجهول مأخوذ من الإِذن بمعنى الإِباحة والرخصة . والمقصود إباحة مشروعية القتال ، وقد قالوا بأن هذه الآيات أول ما نزل في شأن مشروعية القتال . أخرج الإِمام أحمد والترمذى عن ابن عباس قال لما خرج النبى - صلى الله عليه وسلم - من مكة قال أبو بكر أخرجوا نبيهم ليهلكن ، فنزلت هذه الآيات . وقرأ ابن كثير وابن عامر وحمزة والكسائي { أُذِنَ } بالبناء الفاعل . والمأذون لهم فيه هو القتال ، وهو محذوف فى قوة المذكور بدليل قوله { يُقَاتَلُونَ } والباء فى قوله { بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ } للسببية . أى أذن الله - تعالى - للمؤمنين ، ورخص لهم ، بأن يقاتلوا أعداءهم الذين ظلموهم ، وآذوهم ، واعتدوا عليه ، بعد أن صبر هؤلاء المؤمنون على أذى أعدائهم صبرا طويلا . قال الآلوسى والمراد بالموصول أصحاب النبى - صلى الله عليه وسلم - الذين فى مكة ، فقد نقل الواحدى وغيره ، أن المشركين كانوا يؤذونهم ، وكانوا يأتون النبى - صلى الله عليه وسلم - بين مضروب ومشجوج ويتظلمون إليه فيقول لهم اصبروا فإنى لم أومر بالقتال حتى هاجر - صلى الله عليه وسلم - فنزلت هذه الآية ، وهى أول آية نزلت فى القتال بعد ما نهى عنه فى نيف وسبعين آية . وقوله - تعالى - { وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ } وعد منه - سبحانه - للمؤمنين بالنصر وحض لهم على الإِقدام على الجهاد فى سبيله بدون تردد أو وهن . أى وإن الله - تعالى - لقادر على أن ينصر عباده المؤمنين . وعلى أن يمكن لهم فى الأرض ، وعلى أن يجعلهم الوارثين لأعدائهم الكافرين . قال الإِمام ابن كثير ما ملخصه قوله { وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ } أى هو قادر على نصر عباده المؤمنين من غير قتال ، ولكنه يريد من عباده أن يبلوا جهدهم فى طاعته ، كما قال - تعالى - { فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرْبَ ٱلرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّواْ ٱلْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَآءُ اللَّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَاْ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ … } وإنما شرع - سبحانه - الجهاد فى الوقت الأليق به ، لأنهم لما كانوا بمكة ، كان المشركون أكثر عددا . فلو أمر المسملون بالقتال لشق ذلك عليهم … فلما استقروا بالمدينة . وصارت لهم دار إسلام ، ومعقلا يلجأون إليه شرع الله جهاد الأعداء ، فكانت هذه الآية أول ما نزل فى ذلك … وقوله - سبحانه - { ٱلَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ … } بيان لبعض الأسباب التى من أجلها شرع الله الجهاد فى سبيله . أى إن الله - تعالى - لقدير على نصر المؤمنين الذين أخرجهم الكافرون من ديارهم بغير حق ، وبغير أى سبب من الأسباب ، سوى أنهم كانوا يقولون ربنا الله - تعالى - وحده ، ولن نعبد من دونه إلها آخر . أى ليس هناك ما يوجب إخراجهم - فى زعم المشركين - سوى قولهم ربنا الله . ثم حرض - سبحانه - المؤمنين على القتال فى سبيله ، بأن بين لهم أن هذا القتال يقتضيه نظام هذا العالم وصلاحه ، فقال - تعالى - { وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا ٱسمُ ٱللَّهِ كَثِيراً } . والمراد بالدفع إذن الله المؤمنين فى قتال المشركين . والمراد بقوله { بَعْضَهُمْ } الكافرون . وبقوله { بِبَعْضٍ } المؤمنون . والصوامع جمع صومعة ، وهى بناء مرتفع يتخذه الرهبان معابد لهم . والبيع جمع بيعة - بكسر الباء - وهى كنائس النصارى التى لا تختص بالرهبان . والصلوات أماكن العبادة لليهود . أى ولولا أن الله - تعالى - أباح للمؤمنين قتال المشركين ، لعاث المشركون فى الأرض فسادا ، ولهدموا فى زمن موسى وعيسى أماكن العبادة الخاصة بأتباعهما ، ولهدموا فى زمن الرسول - صلى الله عليه وسلم - المساجد التى تقام فيها الصلاة . قال القرطبى قوله - تعالى - { وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ … } أى ولولا ما شرعه الله - تعالى - للأنبياء والمؤمنين من قتال الأعداء لاستولى أهل الشرك . وعطلوا ما بناه أهل الديانات من مواضع العبادات ولكنه دفع بأن أوجب القتال ليتفرغ أهل الدين للعبادة . فالجهاد أمر متقدم فى الأمم . وبه صلحت الشرائع ، واجتمعت المتعبدات ، فكأنه قال أذن فى القتال فليقاتل المؤمنون . ثم قوى هذا الأمر فى القتال بقوله { وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ … } الآية أى لولا الجهاد والقتال لتغلب أهل الباطل على أهل الحق فى كل أمة … فالآية الكريمة تفيد أن الله - تعالى - قد شرع القتال لإِعلاء الحق وإزهاق الباطل ، ولولا ذلك لاختل هذا العالم ، وانتشر فيه الفساد . والتعبير بقوله - تعالى - { لَّهُدِّمَتْ } بالتشديد للإِشعار بأن عدم مشروعية القتال ، يؤدى إلى فساد ذريع ، وإلى تحطيم شديد لأماكن العبادة والطاعة لله - عز وجل - . وقدم الصوامع والبيع والصلوات على المساجد ، باعتبار أنها أقدم منها فى الوجود ، أو للانتقال من الشريف إلى الأشرف . ثم ساق - سبحانه - بأسلوب مؤكد سنة من سننه التى لا تتخلف فقال { وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } . أى والله لينصرن - سبحانه - من ينصر دينه وأولياءه ، لأنه - تعالى - هو القوى على كل فعل يريده ، العزيز الذى لا يغالبه مغالب ، ولا ينازعه منازع . وقد أنجز - سبحانه - وعده وسنته ، فسلط عباده المؤمنين من المهاجرين والأنصار ، على أعدائه ، فأذلوا الشرك والمشركين وحطموا دولتى الأكاسرة والقياصرة ، وأورثهم أرضهم وديارهم . ثم وصف - سبحانه - هؤلاء المؤمنين الذين وعدهم بنصره بأكرم الصفات ليميزهم عن غيرهم فقال { ٱلَّذِينَ إِنْ مَّكَّنَّاهُمْ فِي ٱلأَرْضِ أَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتَوُاْ ٱلزَّكَـاةَ وَأَمَرُواْ بِٱلْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ ٱلأُمُورِ } . أى ولينصرن الله - تعالى - هؤلاء المؤمنين الصادقين الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق ، والذين من صفاتهم أنهم إذا ما مكنا لهم فى الأرض ، ونصرناهم على أعدائهم ، شكروا لنا ما أكرمناهم به ، فأقاموا الصلاة فى مواقيتها بخشوع وإخلاص ، وقدموا زكاة أموالهم للمحتاجين ، وأمروا غيرهم بالمعروف ونهوه عن المنكر ، ولله - تعالى - وحده عاقبة الأمور ومردها ومرجعها فى الآخرة ، فيجازى كل إنسان بما يستحقه من ثواب أو عقاب . فالآية الكريمة تبين أن أولى الناس بنصر الله ، هم هؤلاء المؤمنون الصادقون ، الذين أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر … وشبيه بهذه الآية الكريمة قوله - تعالى - { إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ ٱلأَشْهَادُ } وقوله - تعالى - { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ … } وبعد أن أذن الله - تعالى - لنبيه - صلى الله عليه وسلم - وللمؤمنين فى القتال ، وبشرهم بالنصر … أتبع ذلك بتسليته - صلى الله عليه وسلم - عما أصابه من حزن بسبب تكذيب المشركين له ووبخ - سبحانه - أولئك المشركين على عدم اعتبارهم بمن سبقهم فقال - تعالى - { وَإِن يُكَذِّبُوكَ … } .