Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 63-66)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
والاستفهام فى قوله { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَتُصْبِحُ ٱلأَرْضُ مُخْضَرَّةً … } للتقرير . وقوله { مُخْضَرَّةً } أى ذات خضرة بسبب النبات الذى ينبته الله فيها بعد نزول المطر عليها . والمعنى لقد رأيت ببصرك وعلمت ببصيرتك أيها المخاطب أن الله - تعالى - قد أنزل من السماء ماء ، فتصير الأرض بسببه ذات خضرة ، وفى ذلك أعظم الأدلة على كمال قدرته ، وعظيم رحمته بعباده . وقال - سبحانه - { فَتُصْبِحُ } بصيغة المضارع ، لاستحضار صورة الاخضرار ، الذى اتصف به الأرض بعد نزول المطر عليها ، وصيغة الماضى لا تفيد دوام استحضارها ، لأن الفعل الماضى يفيد انقطاع الشىء . ولم ينصب هذا الفعل المضارع فى جواب الاستفهام ، لأن الاستفهام تقريرى فهو فى معنى الخبر ، والخبر لا جواب له ، فكأنه قيل لقد رأيت ، ولأن السببية هنا غير متحققة ، إذ الرؤية لا يتسبب عنها اخضرار الأرض ، وإنما اخضرارها يكون بسبب نزول المطر . وقد أشار صاحب الكشاف إلى ذلك فقال فإن قلت هلا قيل فأصبحت ؟ ولم صرف إلى لفظ المضارع ؟ . قلت لنكتة فيه وهى إفادة بقاء أثر المطر زمانا بعد زمان ، كما تقول أنعم علىَّ فلان عام كذا ، فأروح وأغدوا شاكرا له . ولو قلت فرحت وغدوت لم يقع ذلك الموقع . فإن قلت فما له رفع ولم ينصب جوابا للاستفهام ؟ . قلت لو نصب لأعطى ما هو عكس الغرض ، لأن معناه إثبات الاخضرار فينقلب بالنصب إلى نفى الاخضرار . مثاله أن تقول لصاحبك ألم تر أنى أنعمت عليك فتشكر . إن نصبته فأنت ناف لشكره . شاك تفريطه فيه ، وإن رفعته فأنت مثبت للشكر وهذا وأمثاله مما يجب أن يرغب له من استم بالعلم فى علم الإِعراب وتوقير أهله . وقال بعض العلماء ما ملخصه فإن قيل كيف قال فتصبح مع أن اخضرار الأرض قد يتأخر عن صبيحة المطر . فالجواب أن تصبح هنا بمعنى تصير ، والعرب تقول فلان أصبح غنيا ، أى صار غنيا ، أو أن الفاء للتعقيب ، وتعقيب كل شىء بحسبه ، كقوله - تعالى - { ثُمَّ خَلَقْنَا ٱلنُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا ٱلْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا ٱلْمُضْغَةَ عِظَاماً … } مع أن بين كل شيئين أربعين يوما ، كما جاء فى الحديث الصحيح … ثم ختم - سبحانه - الآية بقوله { إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ } أى إن الله - تعالى - لطيف بعباده . ومن مظاهر لطفه بهم ، إنزاله المطر على الأرض للانتفاع بما تنبته من كل زوج بهيج ، وهو - تعالى - خبير بأحوال عباده ، لا يعزب عن عمله مثقال ذرة من هذه الأحوال . فإنه - سبحانه - { لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } خلقا وملكا وتصرفا { وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ ٱلْغَنِيُّ } عن كل ما سواه { ٱلْحَمِيدُ } أى المستوجب للحمد من كل خلقه . وقوله - تعالى - { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلأَرْضِ وَٱلْفُلْكَ تَجْرِي فِي ٱلْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ ٱلسَّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى ٱلأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ … } بيان لألوان أخرى من الغم التى أنعم بها على بنى آدم . أى لقد علمت - أيضا - أيها العاقل ، أن الله - تعالى - سخر لكم يا بنى آدم - ما فى الأرض من دواب وشجر وأنهار ، وغير ذلك مما تحتاجونه لحياتكم ، وسخر لمنفعتكم السفن التى تجرى فى البحر بتقديره وإرادته وإذنه . وهو - سبحانه - الذى يمسك السماء ويمنعها من أن تقع على الأرض ، فتهلك من فيها ، ولو شاء لأذن لها فى الوقوع فسقطت على الأرض فأهلكت من عليها . قال الجمل وقوله { إِلاَّ بِإِذْنِهِ } الظاهر أنه استثناء مفرغ من أعم الأحوال ، وهو لا يقع إلا فى الكلام الموجب إلا أن قوله { وَيُمْسِكُ ٱلسَّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى ٱلأَرْضِ } فى قوة النفى . أى لا يتركها تقع فى حالة من الأحوال إلى فى حالة كونها ملتبسة بمشيئة الله - تعالى - ، فالباء للملابسة . وقوله - سبحانه - { إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ } أى لكثير الرأفة والرحمة بهم ، ومن علامات ذلك أنه سخر لهم ما فى الأرض وسخر لهم الفلك ، وأمسك السماء عنهم ، ولم يسقطها عليهم . وشبيه بهذه الاية قوله - تعالى - { إِنَّ ٱللَّهَ يُمْسِكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ أَن تَزُولاَ وَلَئِن زَالَتَآ إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً } ثم ختم - سبحانه - هذه النعم بما هو أجلها وأعظمها فقال { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَحْيَاكُمْ } أى بعد أن كنتم أمواتا فى بطون أمهاتكم ، وقبل أن ينفخ بقدرته الروح فيكم . { ثُمَّ يُمِيتُكُمْ } أى بعد انقضاء آجالكم فى هذه الحياة { ثُمَّ يُحْيِيكُمْ } أى عند البعث والحساب . { إِنَّ ٱلإِنْسَانَ لَكَفُورٌ } أى لكثير الجحود والكفران لنعم ربه التى لا تحصى . فأنت ترى أن هذه الآيات الكريمة قد ذكرت أنواعا متعددة من الأدلة على قدرته - سبحانه - ، كما ذكرت ألوانا من نعمه على عباده ، ومن ذلك إنزال الماء من السماء فتصبح الأرض مخضرة بعد أن كانت يابسة . وتسخير ما فى الأرض للإِنسان ، وتسخير الفلك لخدمته ومنفعته ، وإمساك السماء أن تقع على الأرض إلا بمشيئته - تعالى - وإيجادنا من العدم بقدرته ورحمته . وبعد أن عرضت السورة الكريمة دلائل قدرة الله - تعالى - ورحمته بعباده أتبعت ذلك ببيان أنه - سبحانه - قد جعل لكم أمة شرعة ومنهاجا ، وأمرت النبى - صلى الله عليه وسلم - أن يمضى فى طريقة لتبليغ رسالة الله - تعالى - دون أن يلتفت إلى ممارات المشركين له ، وأن يفوض الحكم فيهم إليه - سبحانه - فهو العليم بكل شىء ، فقال - تعالى - { لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا … } .