Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 60-62)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
واسم الإِشارة ذلك ، فى قوله - تعالى - { ذٰلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ } . يعود إلى ما ذكره - سبحانه - قبل ذلك من أن الملك له يوم القيامة ، ومن الرزق الحسن الذى منحه للمهاجرين فى سبيله ثم قتلوا أو ماتوا . والعقاب مأخوذ من التعاقب ، وهو مجىء الشىء بعد غيره . والمراد به هنا مجازاة الظالم بمثل ظلمه . قال القرطبى قال مقاتل نزلت هذه الآية فى قوم من مشركى مكة . لقوا قوما من المسلمين لليلتين بقيتا من المحرم فقالوا إن أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - يكرهون القتال فى الشهر الحرام فاحملوا عليهم فناشدهم المسلمون أن لا يقاتلوهم فى الشهر الحرام . فأبى المشركون إلا القتال ، فحملوا عليهم فثبت المسلمون ونصرهم الله على المشركين ، وحصل فى أنفس المسلمين شىء من القتال فى الشهر الحرام ، فأنزل الله الآية . فمعنى { وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ } أى من جازى الظالم بمثل ما ظلمه ، فسمى جزاء العقوبة عقوبة لاستواء الفعلين فى الصورة فهى مثل { جَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } وقوله { ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ } أى أن الظالم المبتدئ بالظلم عاد مرة أخرى فبغى على المظلوم وآذاه . وقوله { لَيَنصُرَنَّهُ ٱللَّهُ } وعد مؤكد منه - سبحانه - بنصرة المظلوم ، والجملة جواب قسم محذوف . أى والله لينصرن - سبحانه - المظلوم على الظالم فى الحال أو المآل . قوله { إِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ } تعليل للنصرة ، وبيان بأن المظلوم عندما ترك العفو عن الظالم ، لا يؤاخذه - سبحانه - على ذلك ، ما دام لم يتجاوز فى رد العدوان الحدود المشروعة ، وهى الانتصار على القصاص بالمثل . أى إن الله - تعالى - لكثير العفو عن عباده ، وكثير المغفرة لذنوبهم وخطاياهم . ثم بين - سبحانه - أن نصره للمظلوم مرجعه إلى شمول قدرته على كل شىء ، فقال - تعالى - { ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ يُولِجُ ٱللَّيْلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱللَّيْلِ } . ومعنى يولج يدخل . يقال ولج فلان منزله ، إذا دخله . أى ذلك الذين فعلناه من نصرة المبغى عليه على الباغى ، كائن بسبب أن قدرتنا لا يعجزها شىء ، ومن مظاهر ذلك أننا ندخل جزءا من الليل فى النهار فيقصر الليل ويزيد النهار ، وندخل جزءا من النهار فى الليل فيحصل العكس . وأنتم ترون ذلك بأعينكم ، وتشاهدون كيف يسيران بهذا النظام البديع . { وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } أى وأن الله - تعالى - سميع لكل المسموعات ، بصير لك المبصرات ، لا يخفى عليه شىء فى الأرض ولا فى السماء . وقوله - سبحانه - { ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ ٱلْبَاطِلُ … } بيان لحقيته - عز وجل - للعبادة والطاعة والخضوع التام . واسم الإِشارة يعود إلى ما وصف به نفسه قبل ذلك من صفات القدرة الباهرة والعلم التام . أى ذلك الذى تراه - أيها العاقل - فى هذا الكون من مخلوقات ، ومن نصر للمظلوم ، ومن إدخال الليل فى النهار وإدخال النهار فى الليل ، سببه أن الله - تعالى - هو الإله الحق الذى يجب أن تعنو له الوجوه . وأن ما عداه من معبودات آلهة باطلة ما أنزل الله بها من سلطان . { وَأَنَّ ٱللَّهَ } - تعالى - وحده { هُوَ ٱلْعَلِيُّ } أى العالى على جميع الكائنات بقدرته ، وكل شىء دونه { ٱلْكَبِيرُ } أى العظيم الذى لا يدانيه فى عظمته أحد . فأنت ترى أن هذه الآيات الكريمة ، قد وصفت الله - تعالى - بما هو أهل له من صفات الجلال والكمال . ثم ساق - سبحانه - بعد ذلك ما يدل على سعة فضله ورحمته بعباده فقال { أَلَمْ تَرَ أَنَّ … } .