Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 112-118)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أى قال الله - تعالى - لهم بعد أن زجرهم وأمرهم أن يسكتوا سكوت هوان وذلة كم عدد السنين التى لبثتموها فى دنياكم التى تريدون الرجوع إليها ؟ ولا شك أن الله - تعالى - يعلم مقدار الزمن الذى لبثوه ، ولكنه سألهم ليبين لهم قصر أيام الدنيا ، بالنسبة لما هم فيه من عذاب مقيم ، وليزيد فى حسرتهم وتوبيخهم . وهنا يقولون فى يأس وذلة { لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } وهو جواب يدل على استصغارهم للمدة التى لبثوها فى الدنيا . بجانب ما هم فيه من عذاب . وقوله - تعالى - { فَسْئَلِ ٱلْعَآدِّينَ } يشعر بذهولهم عن التحقق من مقدار المدة التى لبثوها فى الدنيا . أى فاسأل المتمكنين من معرفة المدة التى مكثناها فى الدنيا . فيرد الله - تعالى - عليهم بقوله { قَالَ إِن لَّبِثْتُمْ } أى ما لبثتم فى الدنيا ، { إِلاَّ قَلِيلاً } أى إلا وقتا قليلا { لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } شيئا من العلم لأدركتم أن ما لبثتموه فى الدنيا ، هو قليل جدا بالنسبة إلى مكثكم فى النار بسبب إصراركم على كفركم فى حياتكم الدنيا ، فجواب لو محذوف ، لدلالة الكلام عليه . ولا يتعارض قولهم هنا { لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْم } مع آيات أخرى ذكرت بأنهم { يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً } وبأنهم { مَا لَبِثُواْ غَيْرَ سَاعَةٍ } كما فى قوله - تعالى - { وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يُقْسِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُواْ غَيْرَ سَاعَةٍ … } لأن كل فريق منهم قد أخبر بما تبادر إلى ذهنه ، فبعضهم قال لبثنا عشرا ، وبعضهم قال لبثنا يوما أو بعض يوم ، وبعضهم أقسم بأنه ما لبث فى الدنيا غير ساعة . وهذا يدل على أن أهوال العذاب ، قد أنستهم ما كانوا فيه فى الدنيا من متاع ، وما انغمسوا فيه من شهوات … والاستفهام فى قوله - تعالى - { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً … } للإنكار والنفى ، والحسبان هنا بمعنى الظن . والفاء معطوفة على محذوف مقدر . والعبث اللعب وما لا فائدة فيه من قول أو فعل . أى أغرتكم الدنيا ، وغفلتم عن مصيركم ، فحسبتم أنما خلقناكم عبثا لا لحكمة تقتضيها إرادتنا من خلقكم ، وحسبتم كذلك { أَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ } يوم القيامة للحساب والجزاء . إن جزاء هذا الحسبان الباطل ، هو هذا المصير المهين الذى تصطلون بناره اليوم . ثم نزه - سبحانه - ذاته عن أن يكون قد خلقهم عبثا فقال { فَتَعَالَى ٱللَّهُ ٱلْمَلِكُ ٱلْحَقُّ … } . أى فتعاظم وتقدس عن كل ما لا يليق بجلاله وكماله ، الله الملك الحق ، فهو - عز وجل - منزه عن أن يخلق الناس بدون حكمة أو غرض صحيح . { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } فإن كل ما عداه مخلوق له ، وهو - سبحانه - { رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْكَرِيمِ } . ثم هدد - سبحانه - كل من يعبد غيره أشد تهديد فقال { وَمَن يَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـهَا آخَرَ } أى ومن يدع مع الله - تعالى - آلها آخر فى عبادته أو مناجاته أو أقواله ، أو أفعاله … { لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ } أى لا دليل له على هذه العبادة ، وليس لهذه الجملة الكريمة مفهوم مخالفة ، بل هى صفة مطابقة للواقع ، لأن كل عابد لغير الله ، لا دليل له على هذه العبادة إطلاقاً ، إذ العبادة لا تكون إلا لله - تعالى - وحده . فذكر هذه الجملة لإقرار الواقع وتأكيده ، لا لإخراج المفهوم عن حكم المنطوق . وقوله { فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلْكَافِرُونَ } تهديد شديد لمن يدعو مع الله - تعالى - إلها آخر . أى من يفعل ذلك فسيلقى الحساب الشديد ، والجزاء الرادع ، من عند ربه - عز وجل - ، لأن عدالته قد اقتضت أن الكافرين به لا ينالون الفلاح ، وإنما ينالون الخزى والخسران . ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة بقوله { وَقُل رَّبِّ ٱغْفِرْ وَٱرْحَمْ وَأنتَ خَيْرُ ٱلرَّاحِمِينَ } أى وقل - أيها الرسول الكريم - مناجيا ربك رب اغفر للمؤمنين ذنوبهم ، وارحم العصاة منهم ، وأنت يا مولانا خير من يرحم ، وخير من يغفر . قال الآلوسى " وفى تخصيص هذا الدعاء بالذكر ما يدل على أهمية ما فيه ، وقد علم النبى صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن يقول نحوه فى صلاته . فقد أخرج الشيخان عن أبى بكر - رضى الله عنه - قال يا رسول الله ، علمنى دعاء أدعو به فى صلاتى . فقال له قل " اللهم إنى ظلمت نفسى ظلما كثيرا ، وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ، فاغفر لى مغفرة من عندك ، وارحمنى إنك أنت الغفور الرحيم " .