Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 25, Ayat: 30-34)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - سبحانه - { وَقَالَ ٱلرَّسُولُ … } معطوف على قوله - تعالى - قبل ذلك { وَقَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ … } وما بينهما اعتراض مسوق لاستعظام قبح ما قالوه ولبيان ما يحل بهم بسببه من عذاب . أى وقال الرسول محمد صلى الله عليه وسلم متضرعا وشاكيا لربه " يارب إن قومي " الذين أرسلتنى إليهم قد " اتخذوا هذا القرآن " المشتمل على ما يهديهم إلى الرشد وعلى ما يسعدهم فى دنياهم وآخرتهم ، قد اتخذوه " مهجورا " أى متروكا فقد تركوا تصديقه ، وتركوا العمل به وتركوا ، التأثر بوعيده … من الهَجْر - بفتح الهاء بمعنى الترك ، أو المعنى قد اتخذوا هذا القرآن مادة لسخريتهم وتهكمهم ، من الهُجْر - بضم الهاء - بمعنى الهذيان والقول الباطل ، ومنه قوله - تعالى - { مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِراً تَهْجُرُونَ } وقد اشتملت هذه الآية الكريمة على التخويف العظيم لمن يهجر القرآن الكريم . فلم يحفظه أو لم يحفظ شيئا منه ، ولم يعمل بما فيه من حلال وحرام ، وأوامر ونواه … قال بعض العلماء هجر القرآن أنواع أحدها هجر سماعة وقراءته . وثانيها هجر العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه … وثالثها هجر تحكيمه والتحاكم إليه فى أصول الدين وفروعه … ورابعها هجر تدبره وتفهمه … وكل هذا دخل فى هذه الآية ، وإن كان بعض الهجر أهون من بعض . وقوله - سبحانه - { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ ٱلْمُجْرِمِينَ … } تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم عما أصابه من قومه ، وتصريح بأن ما أصابه قد أصاب الرسل من قبله ، والبلية إذا عمت هانت . أى كما جعلنا قومك - أيها الرسول الكريم - يعادونك ويكذبونك ، جعلنا لكل نبى سابق عليك عدوا من المجرمين ، فاصبر - أيها الرسول - كما صبر إخوانك السابقون . وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ } ثم شفع - سبحانه - هذه التسلية بوعد كريم منه - عز وجل - لنبيه صلى الله عليه وسلم فقال { وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً } . أى وكفى ربك - أيها الرسول الكريم - هاديا يهدى عباده إلى ما تقتضيه حكمته ومشيئته ، وكفى به - سبحانه - نصيرا لمن يريد أن ينصره على كل من عاداه . ثم حكى - سبحانه - بعد ذلك - وللمرة الخامسة - بعض شبهاتهم وأباطيلهم فقال { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً … } . أى وقال الذين كفروا بالحق الذى جاءهم به الرسول صلى الله عليه وسلم هلا نزل هذا القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم جملة واحدة ، دون أن ينزل مفرقا كما نراه ونسمعه . وقولهم هذا دليل على سوء أدبهم فقد طلبوا مالا يعنيهم . واقترحوا شيئا لا مدخل لهم فيه ولا علم عندهم بحكمته ، ولذا در سبحانه عليهم بقوله { كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ } والكاف بمعنى مثل ، والجار والمجرور نعت لمصدر محذوف مع عامله . وقوله { لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ } تعليل للعامل المحذوف . فالجملة الكريمة استئناف مسوق للرد عليهم ، ولبيان بعض الحكم فى نزول القرآن مفرقا . وقوله - سبحانه - { وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً } معطوف على الفعل المحذوف . والتنكير فى " ترتيلا " للتفخيم والتعظيم . وأصل الترتيل ، عدم التلاصق . يقال ، ثغر مرتل . أى مفلج الأسنان غير متلاصقها . أى نزلناه مفرقا ، ورتلناه ترتيلا بديعا ، بأن قرأناه عليك بلسان جبريل شيئا فشيئا ، على تؤدة وتمهل ، وجعلنا بعضه ينزل فى إثر بعض . قال صاحب الكشاف ما ملخصه وقوله " كذلك " جواب لهم ، أى كذلك أنزلناه مفرقا ، والحكمة فيه أن نقوى بتفريقه فؤادك حتى تعيه وتحفظه … فإن قلت ذلك فى كذلك يجب أن يكون إشارة إلى شىء تقدمه ، والذى تقدمه هو إنزاله جملة واحدة فكيف فسرته بكذلك أنزلناه مفرقا ؟ . قلت لأن قولهم لولا أنزل عليه القرآن جملة ، معناه لماذا أنزل مفرقا ، والدليل على فساد هذا الاعتراض أنهم عجزوا عن أن يأتوا بنجم واحد من نجومه … فكأنهم قدروا على تفاريقه حتى يقدروا على جملته . وقوله - سبحانه - { وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِٱلْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً } أى سر أيها الرسول الكريم فى طريقك ، وبلغ ما أنزلناه إليك ، ولا تلتفت إلى مقترحات المشركين وأباطيلهم ، فإنهم لا يأتونك بمثل ، أى بكلام عجيب هو مثل فى التهافت والفساد للطعن فى نبوتك " إلا جئناك " فى مقابلته بالجواب " الحق " الثابت الصادق الذى يزهق باطلهم ، وبما هو أحسن تفسيرا وبيانا من مثلهم وشبهاتهم . والاستثناء مفرغ من عموم الأحوال . أى ولا يأتونك فى حال من الأحوال بمثل للطعن فى نبوتك ، إلا جئناك وسلحناك بما يزهق أمثالهم وشبههم ، فسر فى طريقك - أيها الرسول الكريم - فإنك على الحق المبين . فأنت ترى أن هذه الآيات الكريمة من أعظم الآيات لتشجيع النبى صلى الله عليه وسلم على تبليغ دعوته ، بدون اكتراث بما يثيره المشركون حوله من شبهات . ثم بين - سبحانه - سوء مصيرهم بسبب أقوالهم الباطلة ، وأفعالهم القبيحة ، فقال - تعالى - { ٱلَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ } أى يحشرون ماشين على وجوههم أو يسحبون عليها إلى جهنم ، بسبب كفرهم وعنادهم . { أُوْلَـٰئِكَ } الذين نفعل بهم ذلك { شَرٌّ مَّكَاناً } أى منزلا ومكانا ومصيرا لهم هو جهنم وأولئك - أيضا - هم أضل الناس طريقا عن طريق الحق والرشاد ، ولذا كانت طريقهم لا توصلهم إلا إلى النار وبئس القرار . قال الإِمام ابن كثير وفى الصحيح عن أنس أن رجلا سأل النبى صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة ؟ فقال إن الذى أمشاه على رجليه قادر على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة . ثم انتقلت السورة الكريمة إلى الحديث عن أحوال الأقوام السابقين الذين كذبوا أنبياءهم ، فكانت عاقبتهم الإِهلاك والتدمير فقال - تعالى - { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى … } .