Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 25, Ayat: 35-40)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - تعالى - { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ … } كلام مستأنف لزيادة تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولترهيب المشركين وحضهم على الاتعاظ والاعتبار واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم حتى لا يعرضوا أنفسهم للهلاك والدمار الذى نزل بأمثالهم من السابقين . أى وبالله لقد آتينا موسى - عليه السلام - " الكتاب " أى التوارة لتكون هداية لقومه { وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيراً } . أى وجعلنا معه - بفضلنا وحكمتنا - أخاه هارون لكى يكون عونا له وعضدا فى تبليغ ما أمرناه بتبليغه . { فَقُلْنَا ٱذْهَبَآ إِلَى ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيراً } والتدمير أشد الإِهلاك . وأصله كسر الشىء على وجه لا يمكن إصلاحه ، وفى الكلام حذف يعرف من السياق . والمعنى فقلنا لهما اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا ، وهم فرعون وقومه ، فذهبا إليهم ودعواهم إلى الإِيمان ، فأعرضوا عنهما وكذبوهما ، وتمادوا فى طغيانهم ، فكانت عاقبة ذلك أن دمرناهم تدميرا عجيبا ، بأن أغرقهم الله جميعا ، أمام موسى و من معه . فقوله - تعالى - { فَدَمَّرْنَاهُمْ … } معطوف على مقدر ، أى فذهبا إليهم فكذبوهما فدمرناهم تدميرا . ثم حكى - سبحانه - ما جرى لقوم نوح فقال { وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُواْ ٱلرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ … } . والمراد بالرسل نوح ومن قبله ، أو نوح وحده ، وعبر عنه بالرسل ، لأن تكذيبهم له يعتبر تكذيبا لجميع الرسل ، لأن رسالتهم واحدة فى أصولها . { وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً } أى بعد أن أغرقناهم بسبب كفرهم ، جعلنا إغراقهم أو قصتهم عبرة وعظة للناس الذين يعتبرون ويتعظون . والتعبير بـ " آية " بصيغة التنكير ، يشير إلى عظم هذه الآية وشهرتها ، ولا شك أن الطوفان الذى أغرق الله - تعالى - به قوم نوح من الآيات التى لا تنسى . وقوله - سبحانه - { وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَاباً أَلِيماً } بيان لسوء مصير كل ظالم يضع الأمور فى غير مواضعها . أى وهيأنا وأعددنا للظالمين عذابا أليما موجعا ، بسبب ظلمهم وكفرهم ، وعلى رأس هؤلاء الظالمين قوم نوح ، الذين كفروا به وسخروا منه … ثم ذكر - سبحانه - بضع من جاء بعد قوم نوح فقال { وَعَاداً وَثَمُودَاْ } أى ودمرنا وأهلكنا قوم عاد بسبب تكذيبهم لنبيهم هود - عليه السلام - ، كما أهلكنا قوم ثمود بسبب تكذيبهم لنبيهم صالح - عليه السلام - . وقوله - تعالى - { وَأَصْحَابَ ٱلرَّسِّ } معطوف على ما قبله . أى وأهلكنا أصحاب الرس . كما أهلكنا من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود . والرس فى لغة العرب البئر التى لم تبن بالحجارة ، وقيل البئر مطلقا ، ومنه قول الشاعر @ وهم سائرون إلى أرضهم فياليتهم يحفرون الرساسا @@ أى فياليتهم يحفرون الآبار . وللمفسرين فى حقيقة أصحاب الرس أقوال فمنهم من قال إنهم من بقايا قبيلة ثمود ، بعث الله إليهم نبيا فكذبوه ورَسُّوه فى تلك البئر أى ألقوا به فيها ، فأهلكهم الله - تعالى - . وقيل هم قومه كانوا يعبدون الأصنام ، فأرسل الله إليهم شعيبا - عليه السلام - فكذبوه فبينما هم حول الرس - أى البئر - فانهارت بهم ، وخسف الله - تعالى - بهم الأرض . وقيل الرس بئر بأنطاكية ، قتل أهلها حبيبا النجار وألقوه فيها … واختار ابن جرير - رحمه الله - أن أصحاب الرس هم أصحاب الأخدود ، الذين ذكروا فى سورة البروج . وقد ذكر بعض المفسرين فى شأنهم روايات ، رأينا أن نضرب عنها صفحا لضعفها ونكارتها . واسم الإِشارة فى قوله - تعالى - { وَقُرُوناً بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيراً } يعود إلى عاد وثمود وأصحاب الرس ، والقرون جمع قرن . والمراد به هنا الجيل من الناس الذين اقترنوا فى الوجود فى زمان واحد من الأزمنة . أى وأهلكنا قرونا كثيرة بين قوم عاد وثمود وأصحاب الرس . لأن تلك القرون سارت على شاكلة أمثالهم من الكافرين والفاسقين . وقوله - تعالى - { وَكُلاًّ ضَرَبْنَا لَهُ ٱلأَمْثَالَ … } بيان لمظهر من مظاهر رحمة الله - تعالى - حيث إنه - سبحانه - لا يهلك الأمم إلا بعد أن يسوق لها ما يرشدها ، فتأبى إلا السير فى طريق الغى والعصيان . و " كلا " منصوب بفعل مضمر يدل عليه ما بعده . فإن ضرب المثل فى معنى التذكير والتحذير ، والتنوين عوض عن المضاف إليه . أى وأنذرنا كل فريق من القرون الماضية المكذبة ، وضربنا له الأمثال الحكيمة الكفيلة بإرشاده إلى طريق الحق ، ولكنه استحب العمى على الهدى ، والضلالة على الهداية ، فكانت عاقبته كما قال - تعالى - بعد ذلك { وَكُلاًّ تَبَّرْنَا تَتْبِيراً } . أى وكل قرن من هؤلاء المكذبين أهلكناه إهلاكا لا قيام له منه ، وأصل التتبير التفتيت . وكل شىء فتته وكسرته فقد تبرته . ومنه التبر لفتات الذهب والفضة . والمراد به هنا التمزيق والإِهلاك الشديد الذى يستأصل من نزل به . ثم وبخ - سبحانه - مشركى مكة على عدم اعتبارهم واتعاظهم بما يرون من آثار فقال - تعالى - { وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِيۤ أُمْطِرَتْ مَطَرَ ٱلسَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُواْ يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ نُشُوراً } . والمراد بالقرية هنا قرية سدوم التى هى أكبر قرى قوم لوط ، والتى جعل الله - تعالى - عاليها سافلها . والمراد بما أمطرت به الحجارة التى أنزلها الله - تعالى - عليها ، كما قال - تعالى - { فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ } والسوء - بفتح السين وتشديدها - مصدر ساءه . أى فعل به ما يكره . والسوء - بالضم والتشديد - اسم منه . والاستفهام فى قوله - تعالى - { أَفَلَمْ يَكُونُواْ يَرَوْنَهَا } للتقريع والتوبيخ على عدم الاعتبار بما يرونه من أمور تدعو كل عاقل إلى التدبر والتفكر والاتعاظ . أى أقسم لك - أيها الرسول الكريم - أن هؤلاء الذين اتخذوا القرآن مهجورا ، كانوا وما زالوا يمرون مصبحين وبالليل على قرية قوم لوط ، التى دمرناها تدميرا ، بسبب فسوق أهلها وفجورهم ، وكانوا يرون ما حل بها من خراب … ولكنهم لكفرهم بك والبعث والحساب ، لم يتأثروا بما رأوا ، ولم يعتبروا بما شاهدوا ، وسيندمون يوم القيامة على كفرهم ولكن لن ينفعهم الندم . وصدر - سبحانه - الآية الكريمة بلام القسم وقد ، لتأكيد رؤيتهم لتلك القرية التى أمطرت مطر السوء . والمراد برؤيتها ، رؤية ما حل بها من خراب ودمار كما قال - تعالى - { وَإِنَّكُمْ لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُّصْبِحِينَ وَبِٱلْليْلِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } وقوله - سحانه - { بَلْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ نُشُوراً } بيان للسبب الذى جعلهم لا يعتبرون ولا يتعظون . أى أنهم كانوا يرون عاقبة أهل تلك القرية التى جعلنا عاليها سافلها ، ولكن تكذيبهم بالبعث والنشور ، والثواب والعقاب يوم القيامة ، حال بينهم وبين الاعتبار والاتعاظ والإِيمان بالحق ، وجعلهم يمرون بما يدعو إلى التدبر والتفكر ، ولكنهم لعدم توقعهم للقاء الله ، ولعدم إيمانهم بالجزاء يوم القيامة قست قلوبهم وانطمست بصائرهم ، وصاروا كما قال - تعالى - { وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِٱللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ } وبعد هذا العرض لأحوال بعض الأمم الماضية ، عادت السورة الكريمة إلى بيان ما كان المشركون يقولونه عند رؤيتهم للنبى صلى الله عليه وسلم وإلى بيان سوء عاقبتهم ، وفرط جهالاتهم ، قال - تعالى - { وَإِذَا رَأَوْكَ إِن … } .