Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 25, Ayat: 41-44)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال الإِمام ابن كثير - رحمه الله - يخبر - تعالى - عن استهزاء المشركين بالرسول صلى الله عليه وسلم إذا رأوه ، كما قال - تعالى - { وَإِذَا رَآكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهَـٰذَا ٱلَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ … } يعنونه بالعيب والنقص … ومن عجب أن هؤلاء المشركين الذين كانوا يستهزئون بالرسول صلى الله عليه وسلم بعد بعثته إليهم ، هم أنفسهم الذين كانوا يلقبونه قبل بعثته بالصادق الأمين ، وما حملهم على هذا الكذب والجحود إلا الحسد والعناد . وقوله - تعالى - { أَهَـٰذَا ٱلَّذِي بَعَثَ ٱللَّهُ رَسُولاً } مقول لقول محذوف وعائد الموصول محذوف - أيضا - . أى كلما وقعت أبصار أعدائك عليك - أيها الرسول الكريم - سخروا منك ، واستنكروا نبوتك ، وقالوا على سبيل الاستبعاد والتهكم أهذا هو الإِنسان الذى بعثه الله - تعالى - ليكون رسولا إلينا . وقولهم هذا الذى حكاه القرآن عنهم ، يدل على أنهم بلغوا أقصى درجات الجهالة وسوء الأدب . ثم يشير القرآن إلى كذبهم فيما قالوه ، لأنهم مع إظهارهم للسخرية منه صلى الله عليه وسلم كانوا فى واقع أمرهم ، وحقيقة حالهم يعترفون له بقوة الحجة ، وهذا ما حكاه القرآن عنهم فى قوله { إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلاَ أَن صَبْرَنَا عَلَيْهَا } . أى أنهم كانوا يقولون فيما بينهم إن هذا الرسول كاد أن يصرفنا بقوة حجته عن عبادة آلهتنا . لولا أننا قاومنا هذا الشعور وثبتنا على عبادة أصنامنا . قال الآلوسى قوله { إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا } أى يصرفنا عن عبادتها صرفا كليا بحيث يبعدنا عنها لا عن عبادتها فقط . لولا أن صبرنا عليها واستمسكنا بعبادتها … وهذا اعتراف منهم بأنه صلى الله عليه وسلم قد بلغ من الاجتهاد فى الدعوة إلى التوحيد … ما شارفوا معه أن يتركوا دينهم لولا فرط جهالاتهم ولجاجهم وغاية عنادهم . وقوله - تعالى - { وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ ٱلْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً } تهديد لهم على سوء أدبهم ، وعلى جحودهم للحق بعد أن تبين لهم . أى وسوف يعلم هؤلاء الكافرون حين يرون العذاب ماثلا أمام أعينهم ، من أبعد طريقا عن الحق ، أهم أم المؤمنون . فالجملة الكريمة وعيد شديد لهم على استهزائهم بالرسول الكريم الذى جاءهم ليخرجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإِيمان . ثم يهملهم القرآن ويتركهم فى طغيانهم يعمهون ويلتفت بالخطاب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ليسرى عن نفسه ، وليسليه عما لحقه منهم . وليبين له حقيقة حالهم فيقول { أَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً … } . والاستفهام فى قوله - سبحانه - { أَرَأَيْتَ } للتعجب من شناعة أحوالهم ، ومن قبح تفكيرهم . والمراد بـ { هَوَاهُ } ما يستحسنه من تصرفات حتى ولو كانت فى نهاية القبح والسخف . قال ابن عباس كان الرجل فى الجاهلية يعبد الحجر الأبيض زمانا ، فإذا رأى غيره أحسن منه عبد الثانى وترك الأول . والمعنى انظر وتأمل - أيها الرسول الكريم - فى أحوال هؤلاء الكافرين بإنك لن ترى جهالة كجهالتهم ، لأنهم إذا أحسن لهم هواهم شيئا اتخذوه إلها لهم . مهما كان قبح تصرفهم . وانحطاط تفكيرهم . فهل مثل هؤلاء يصلحون لأن تهتم بأمرهم ، أو تحزن لاستهزائهم ؟ كلا إنهم لا يصلحون لذلك ، وعليك أن تمضى فى طريقك فأنت لا تقدر على حفظهم أو كفالتهم أو هدايتهم ، وإنما نحن الذين نقدر على ذلك ، وسنتصرف معهم بما تقتضيه حكمتنا ومشيئتنا . فقوله - تعالى - { أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً } استئناف مسوق لاستبعاد كونه صلى الله عليه وسلم وكيلا أو حفيظا لهذا الذى اتخذ إلهه هواه ، والاستفهام للنفى والإِنكار . أى إنك - أيها الرسول الكريم - لا قدرة لك على حفظه من الوقوع فى الكفر والضلال . ثم أضاف - سبحانه - إلى توبيخهم السابق توبيخا أشد وأنكى فقال - تعالى - { أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ … } . و " أم " هنا هى المنقطعة ، وهى تجمع فى معناها بين الإِضراب الانتقالى ، والاستفهام الإِنكارى . أى بل أتحسب أن أكثر هؤلاء الكافرين يسمعون ما ترشدهم إليه سماع تدبر وتعقل ، أو يعقلون ما تأمرهم به أو تنههم عنه بافنتاح بصيرة ، وباستعداد لقبول الحق … كلا إنهم ليسوا كذلك ، لاستيلاء الجحود والحسد على قلوبهم . وقال - سبحانه - { أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ … } لأن هناك قلة منهم كانت تعرف الحق معرفة حقيقية ، ولكن المكابرة والمعاندة ومتابعة الهوى … حالت بينها وبين الدخول فيه ، واتباع ما جاء به النبى صلى الله عليه وسلم . وقوله - سبحانه - { إِنْ هُمْ إِلاَّ كَٱلأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً } ذم لهم على عدم انتفاعهم بالهداية التى أرسلها الله - تعالى - إليهم . أى هؤلاء المشركون ليسوا إلى كالأنعام فى عدم الانتفاع بما يقرع قلوبهم وأسماعهم من توجيهات حكيمة ، بل هم أضل سبيلا من الأنعام لأن الأنعام تناقد لصاحبها الذى يحسن إليها ، أما هؤلاء فقد قابلوا نعم الله بالكفر والجحود . قال صاحب الكشاف فإن قلت ما معنى ذكر الأكثر ؟ قلت كان فيهم من لا يصده عن الإِسلام إلا داء واحد ، وهو حب الرياسة ، وكفى به داء عضالا . فإن قلت كيف جُعِلوا أضل من الأنعام ؟ قلت لأن الأنعام تناقد لأربابها التى تعلفها وتتعهدها ، وتعرف من يحسن إليها ممن يسىء إليها ، وتطلب ما ينفعها وتتجنب ما يضرها ، وتهتدى لمراعيها ومشاربها ، وهؤلاء لا ينقادون لربهم ، ولا يعرفون إحسانه إليهم ، من إساءة الشيطان الذى هو عدوهم ، ولا يطلبون الثواب الذى هو أعظم المنافع ، ولا يتقون العقاب الذى هو أشد المضار والمهالك … وهكذا نرى الآيات الكريمة تصف هؤلاء المستهزئين برسولهم صلى الله عليه وسلم بأوصاف تهبط بهم عن درجة الأنعام ، وتتوعدهم بما يستحقونه من عذاب مهين . ثم تنتقل السورة بعد ذلك إلى الحديث عن مظاهر قدرة الله - تعالى - وعن جانب من الآلاء التى أنعم بها على عباده ، فإن من شأن هذه النعم المبثوثة فى هذا الكون ، أن تهدى المتفكر فيها إلى منشئها وواهبها وإلى وجوب إخلاص العبادة له ، قال - تعالى - { أَلَمْ تَرَ … } .