Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 25, Ayat: 55-62)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الضمير فى قوله - تعالى - { وَيَعْبُدُونَ … } يعود على الكافرين ، الذين عموا وصموا عن الحق . أى أن هؤلاء الكافرين يتركون عبادة الله - تعالى - الواحد القهار ، ويعبدون من دونه آلهة لا تنفعهم عبادتها إن عبدوها ، ولا تضرهم شيئا من الضرر إن تركوا عبادتها . وقوله - سبحانه - { وَكَانَ ٱلْكَافِرُ عَلَىٰ رَبِّهِ ظَهِيراً } بيان لما وصل إليه هؤلاء الكافرون من حمق وجهالة وجحود . فالمراد بالكافر جنسه . والظهير المعين . يقال ظاهر فلان فلانا إذا أعانه وساعده . وظهير بمعنى مظاهر . أى وكان هؤلاء الكافرون مظاهرين ومعاونين للشيطان وحزبه ، على الإِشراك بالله - تعالى - الذى خلقهم ، وعلى عبادة غيره - سبحانه - . ويصح أن يكون الكلام على حذف مضاف . أى وكان الكافر على حرب دين ربه ، ورسول ربه ، مظاهرا للشيطان على ذلك . وقال - سبحانه - { عَلَىٰ رَبِّهِ ظَهِيراً } لتفظيع جريمة هذا الكافر وتبشيعها ، حيث صوره - سبحانه - بصورة من يعاون على مخاربة خالقه ورازقه ومربيه وواهبه الحياة . ثم بين - سبحانه - الوظيفة التى من أجلها أرسل رسوله فقال { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً } . أى وما أرسلناك - أيها الرسول الكريم - إلى الناس جميعا ، إلا لتبشرهم بثواب الله - تعالى - ورضوانه إذا أخلصوا له العبادة والطاعة ، ولتنذرهم بعقابه وغضبه ، إن هم استمروا على كفرهم وشركهم ، فبلغ رسالتنا - أيها الرسول - ومن شاء بعد ذلك فليؤمن ومن شاء فليكفر . و { قُلْ } لهم على سبيل النصح والإِرشاد ودفع التهمة عن نفسك { مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ } أى ما أسألكم على هذا التبليغ والتبشير والإِنذار من أجر ، إن أجرى إلا على الله - تعالى - وحده . وقوله - سبحانه - { إِلاَّ مَن شَآءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلاً } استثناء منقطع . أى لا أسألكم على تبليغى لرسالة ربى أجرا منكم ، لكن من شاء منكم أن يتخذ إلى مرضاة ربه سبيلا ، عن طريق الصدقة والإِحسان إلى الغير ، فأنا لا أمنعه من ذلك . قال الآلوسى ما ملخصه قوله { إِلاَّ مَن شَآءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبِّهِ } أى إلى رحمته ورضوانه { سَبِيلاً } أى طريقا . والاستثناء عند الجمهور منقطع ، أى لكن من شاء أن يتخذ إلى ربه - سبحانه - سبيلا ، أى بالإِنفاق القائم مقام الأجر ، كالصدقة فى سبيل الله ، فليفعل . وذهب البعض إلى أنه متصل . وفى الكلام مضاف مقدر ، أى إلا فعل من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا بالإِيمان والطاعة حسبما أدعو إليهما ، أى فهذا أجرى . وفى ذلك قلع كلى لشائبة الطمع ، وإظهار لغاية الشفقة عليهم ، حيث جعل ذلك - مع كون نفعه عائدا عليهم - عائدا إليه صلى الله عليه وسلم فى صورة الأجر . وعلى كلا الرأيين فالآية الكريمة تدل دلالة واضحة على أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يطلب أجرا من الناس على دعوته ، ولا يمنعهم من إنفاق جزء من أموالهم فى وجه الخير ، وأنه صلى الله عليه وسلم يعتبر إيمانهم بالحق الذى جاء به ، هو بمثابة الأجر له ، حيث إن الدال على الخير كفاعله . ولقد حكى القرآن الكريم فى كثير من آياته ، أن جميع الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - ما سألوا الناس أجرا على دعوتهم إياهم إلى عبادة الله - تعالى - وطاعته . ومن هذه الآيات قوله - سبحانه - حكاية عن نوح وهود وصالح ولوط وشعيب - { وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَىٰ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } ثم أمر - سبحانه - نبيه صلى الله عليه وسلم بالاجتهاد فى تبليغ رسالته وبالتوكل عليه وحده ، فقال - تعالى - { وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱلْحَيِّ ٱلَّذِي لاَ يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ … } . أى سر فى طريقك - أيها الرسول الكريم - لتبليغ دعوتنا ، ولا تلتفت إلى دنيا الناس وأموالهم . وتوكل توكلا تاما على الله - تعالى - فهو الحى الباقى الذى لا يموت ، أما غيره فإنه ميت وزائل . { وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ } أى ونزه ربك عن كل نقص ، وأكثر من التقرب إليه بصالح الأعمال . { وَكَفَىٰ بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ } ما ظهر منها وما بطن ، وما بدا منها وما استتر { خَبِيراً } أى عليما بها علما تاما ، لا يعزب عنه - سبحانه - مثقال ذرة منها . { ٱلَّذِي خَلَقَ } بقدرته التى لا يعجزها شىء { ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا } من هواء وأجرام لا يعلمها إلا هو - سبحانه - . { فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ } من أيامه التى لا يعلم مقدار زمانها إلا هو - عز وجل - { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ } استواء واستعلاء يليق بذاته ، بلا كيف أو تشبيه أو تمثيل ، كما قال الإِمام مالك - رحمه الله - الكيف غير معقول ، والاستواء غير مجهول ، والإِيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة . ولفظ " ثم " فى قوله { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ } لا يدل على الترتيب الزمنى وإنما يدل على بعد الرتبة ، رتبة الاستواء والاستعلاء والتملك . وقوله { ٱلرَّحْمَـٰنُ } أى هو الرحمن . أى صاحب الرحمة العظيمة الدائمة بعباده . والفاء فى قوله - تعالى - { فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً } هى الفصيحة . والجار والمجرور صلة " اسأل " وعدى الفعل " اسأل " بالباء لتضمنه معنى الاعتناء ، والضمير يعود إلى ما سبق ذكره من صفات الله - تعالى - ، ومن عظيم قدرته ورحمته . والمعنى لقد بينا لك مظاهر قدرتنا ووحدانيتا ، فإن شئت الزيادة فى هذا الشأن أو غيره ، فسأل قاصدا بسؤالك ربك الخبير بأحوال كل شىء خبرة مطلقة ، يستوى معها ما ظهر من أمور الناس وما خفى منها . قال الإِمام ابن جرير وقوله - تعالى - { فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً } يقول فاسأل يا محمد بالرحمن خبيرا بخلقه ، فإنه خالق كل شىء ولا يخفى عليه ما خلق ، فعن ابن جريج قوله { فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً } . قال يقول - سبحانه - لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم إذا أخبرتك شيئا فاعلم أنه كلما أخبرتك فأنا الخبير . والخبير فى قوله { فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً } منصوب على الحال من الهاء التى فى قوله { بِهِ } . ثم أخبر - سبحانه - عن جهالات المشركين وسخافاتهم فقال { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱسْجُدُواْ لِلرَّحْمَـٰنِ قَالُواْ وَمَا ٱلرَّحْمَـٰنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُوراً } . أى وإذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنون معه لهؤلاء المشركين اجعلوا سجودكم وخضوعكم للرحمن وحده ، { قَالُواْ } على سبيل التجاهل وسوء الأدب والجحود { وَمَا ٱلرَّحْمَـٰنُ } . أى وما الرحمن الذى تأمروننا بالسجود له { أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا } أى أنسجد لما تأمرنا بالسجود له من غير أن نعرفه ، ومن غير أن نؤمن به . { وَزَادَهُمْ نُفُوراً } أى وزادهم الأمر بالسجود نفورا عن الإِيمان وعن السجود لله الواحد القهار . فالآية الكريمة تحكى ما جبل عليه أولئك المشركون من استهتار وتطاول وسوء أدب ، عندما يدعوهم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى إخلاص العبادة لله - عز وجل ، وإلى السجود للرحمن الذى تعاظمت رحماته ، وتكاثرت آلاؤه . ولقد بلغ من تطاول بعضهم أنهم كانوا يقولون ما نعرف الرحمن إلا ذاك الذى باليمامة ، يعنون به مسيلمة الكذاب . ثم رد - سبحانه - على تطاولهم وجهلهم بما يدل على عظيم قدرته - عز وجل - وعلى جلال شأنه - تعالى - فقال { تَبَارَكَ ٱلَّذِي جَعَلَ فِي ٱلسَّمَآءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُّنِيراً } . والبروج جمع برج ، وهى فى اللغة القصور العالية الشامخة ، ويدل لذلك قوله - تعالى - { أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ ٱلْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ } والمراد بها هنا المنازل الخاصة بالكواكب السيارة ، ومداراتها الفلكية الهائلة ، وعددها اثنا عشر منزلا ، هى الحمل ، والثور ، والجوزاء ، والسرطان ، والأسد ، والسنبلة ، والميزان ، والعقرب ، والقوس ، والجدى ، والدلو ، والحوت . وسميت بالبروج . لأنها بالنسبة لهذه الكواكب كالمنازل لساكنيها . والسراج الشمس ، كما قال - تعالى - { أَلَمْ تَرَوْاْ كَيْفَ خَلَقَ ٱللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً وَجَعَلَ ٱلْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ ٱلشَّمْسَ سِرَاجاً } أى جل شأن الله - تعالى - وتكاثرت آلاؤه ونعمه ، فهو - سبحانه - الذى جعل فى السماء " بروجا " أى منازل للكواكب السيارة و " جعل فيها " أى فى السماء " سراجا " وهو الشمس " وجعل فيها " - أيضا - " قمرا منيرا " أى قمرا يسطع نوره على الأرض المظلمة ، فيبعث فيها النور الهادى اللطيف . ثم تنتقل السورة الكريمة إلى الحديث عن نعمة أخرى فتقول { وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً } . والخلفة . كل شىء يجىء بعد شىء آخر غيره . ومنخ خلفة النبات . أى الورق الذى يخرج منه بعد أن تساقط الورق السابق عليه . أى وهو - سبحانه - الذى جعل الليل والنهار متعاقبين . بحيث يخلف كل واحد منهما الآخر بنظام دقيق ، ليكونا مناسبين " لمن أراد أن يذكر " . أى يتعظ ويعتبر ويتذكر أن الله - تعالى - لم يجعلهما على هذه الهيئة عبثا فيتدارك ما فاته من تقصير وتفريط فى حقوق الله - عز وجل - " أو أراد شكورا " . أى وجعلهما كذلك لمن أراد أن يزداد من شكر الله على نعمه التى لا تحصى ، والتى من أعظمها وجود الليل والنهار على هذه الهيئة الحكيمة ، التى تدل على وحدانية الله - تعالى - وعظيم قدرته ، وسعة رحمته . وبعد هذا الحديث المتنوع عن شبهات المشركين والرد عليها ، وعن مظاهر قدرة الله ونعمه على عباده ، وعن الذين إذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن … بعد كل ذلك جاء الحديث عن عباد الرحمن ، أصحاب المناقب الحميدة ، والصفات الكريمة ، والمزايا التى جعلتهم يتشرفون بالانتساب إلى خالقهم جاء قوله - تعالى - { وَعِبَادُ … } .