Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 123-140)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قد وردت قصة هود مع قومه فى سور شتى منها سورة الأعراف ، وهود ، والأحقاف … وينتهى نسب هود - عليه السلام - إلى نوح - عليهما السلام - . وقومه هم قبيلة عاد - نسبة إلى أبيهم الذى كان يسمى بهذا الاسم - وكانت مساكنهم بالأحقاف باليمن - والأحقاف جمع حقف وهو الرمل الكثير المائل - . وكانوا يعبدون الأصنام ، فأرسل الله - تعالى - نبيهم هودا لينهاهم عن ذلك ، وليأمرهم بعبادة الله وحده . وبشكره - سبحانه - على ما وهبهم من قوة وغنى . وقد افتتح هود نصحه لقومه ، بحضهم على تقوى الله وإخلاص العبادة له وبيان أنه أمين فى تبليغ رسالة الله - تعالى - إليهم ، فهو لا يكذب عليهم ولا يخدعهم ، وببيان أنه لا يسألهم أجرا على نصحه لهم ، وإنما يلتمس الأجر من الله - تعالى - وحده . وقد سلك فى ذلك المسلك الذى اتبعه جده - عليه السلام - مع قومه ، وسار عليه الأنبياء من بعده . ثم استنكر هود - عليه السلام - ما كان عليه قومه من ترف وطغيان فقال لهم { أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ } . والريع بكسر الراء - جمع ريعة . وهو المكان المرتفع من الأرض أو الجبل المرتفع … وقيل المراد به أبراج الحمام كانوا يبنونها للهو واللعب والأكثرون على أن المراد به المكان المرتفع ومنه ريع النبات ، وهو ارتفاعه بالزيادة . أى أتبنون - على سبيل اللهو واللعب - فى كل مكان مرتفع ، بناء يعتبر آية وعلامة على عبثكم وترفكم ، وغروركم . { وَتَتَّخِذُونَ } أى وتعملون { مَصَانِعَ } أى قصورا ضخمة متينة ، أو حياضا تجمعون فيها مياه الأمطار … { لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ } أى عاملين عمل من يرجو الخلود فى هذه الحياة الفانية { وَإِذَا بَطَشْتُمْ } أى وإذا أردتم السطو والظلم والبغى على غيركم { بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ } . أى أخذتموه بعنف وقهر وتسلط دون أن تعرف الرحمة إلى قلوبكم سبيلا . فأنت ترى أن هودا - عليه السلام - قد استنكر على قومه تطاولهم فى البنيان بقصد التباهى والعبث والتفاخر ، لا بقصد النفع العام لهم ولغيرهم . كما استنكر عليهم انصرافهم عن العمل الصالح الذى ينفعهم فى آخرتهم وانهماكهم فى التكاثر من شئون دنياهم حتى لكأنهم مخلدون فيها ، كما استنكر عليهم - كذلك - قسوة قلوبهم ، وتحجر مشاعرهم ، وإنزالهم الضربات القاصمة بغيرهم بدون رأفة أو شفقة . وبعد نهيه إياهم عن تلك الرذائل ، أمرهم بتقوى الله وطاعته وشكره على نعمه فقال { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَٱتَّقُواْ ٱلَّذِيۤ أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } . أى اتركوا هذه الرذائل ، واتقوا الله وأطيعون فى كل ما آمركم به . أو أنهاكم عنه ، واتقوا الله - تعالى - الذى أمدكم بألوان لا تحصى من النعم ، فقد أمدكم بالأنعام - وهى الإِبل والبقر والغنم - التى هى أعز أموالكم ، وأمدكم بالأولاد ليكونوا قوة لكم ، وأمدكم بالبساتين العامرة بالثمار ، وبالعيون التى تنتفعون بمائها العذب . ثم ختم إرشاده لهم ، ببيان أنه حريص على مصلحتهم ، وأنه يخشى عليهم إذا لم يستجيبوا لدعوته أن ينزل بهم عذاب عظيم فى يوم تشتد أهواله ولا تنفعهم فيه أموالهم ولا أولادهم . وبذلك نرى أن هودا - عليه السلام - قد جمع فى نصحه لقومه بين الترهيب والترغيب ، وبين الإِنذار والتبشير ، وبين التعفف عن دنياهم ، والحرص على مصلحتهم . ولكن هذه النصائح الحكيمة ، لم يستقبلها قومه استقبالا حسنا ، ولم تجد منهم قبولا ، بل كان ردهم عليه - كما حكى القرآن عنهم - { قَالُواْ سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِّنَ ٱلْوَاعِظِينَ } . أى قال قوم هود له بعد أن وعظهم ونصحهم قالوا له بكل استهتار وسوء أدب يا هود يستوى عندنا وعظك وعدمه ، ولا يعنينا أن تكون ممن يجيدون الوعظ أو من غيرهم ممن لا يحسنون الوعظ والإِرشاد . قال صاحب الكشاف فإن قيل " أوعظت أو لم تعظ " كان أخصر . والمعنى واحد . قلت ليس المعنى بواحد وبينهما فرق ، لأن المراد سواء علينا أفعلت هذا الفعل الذى هو الوعظ ، أم لم تكن أصلا من أهله ومباشريه ، فهو أبلغ فى قلة اعتدادهم بوعظه ، من قولك أم لم تعظ . ثم أضافوا إلى قولهم هذا قولا آخر لا يقل عن سابقه فى الغرور وانطماس البصيرة فقالوا { إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ خُلُقُ ٱلأَوَّلِينَ } أى ما هذا الذى تنهانا عنه من التطاول فى البنيان ، ومن اتخاذ المصانع … إلا خلق آبائنا الأولين ، ومنهجهم فى الحياة ، ونحن على آثارهم نسير وعلى منهجهم نمشى . قال القرطبى ما ملخصه قرأ أكثر القراء { إِلاَّ خُلُقُ ٱلأَوَّلِينَ } - بضم الخاء واللام - أى عادتهم ودينهم ومذهبهم وما جرى عليه أمرهم … وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائى إلا خلق الأولين - بفتح الخاء وإسكان اللام - أى ما هذا الذى جئتنا به يا هود إلا اختلاق الأولين وكذبهم ، والعرب تقول حدثنا فلان بأحاديث الخلق ، أى بالخرافات والأحاديث المفتعلة … وعلى كلتا القراءاتين فالآية الكريمة تصور ما كانوا عليه من تحجر وجهالة تصويرا بليغا . ثم انتقلوا بعد ذلك إلى غرور أشد واشنع فقالوا { وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } . أى هذه حالنا التى ارتضيناها لحياتنا ، وما نحن بمعذبين على هذه الأعمال التى نعملها . وهكذا رد قوم هود على نبيهم - عليه السلام - بهذا الرد السيىء الذى يدل على استهتارهم وجفائهم وجمودهم على باطلهم . ولذا جاءت نهايتهم الأليمة بسرعة وحسم ، قال - تعالى - { فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ } . أى أصر قوم هود على باطلهم وغرورهم فأهلكناهم { بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى ٱلْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ } أهكلهم الله - تعالى - دون أن تنفعهم أموالهم ، أو قوتهم التى كانوا يدلون بها ويقولون { مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً } وختم - سبحانه - قصتهم بما ختم به قصة نوح مع قومه من قبلهم ، فقال - تعالى - { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ } . ثم ساق - سبحانه - بعد ذلك قصة صالح مع قومه ، فقال - تعالى - { كَذَّبَتْ ثَمُودُ ٱلْمُرْسَلِينَ … } .