Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 26, Ayat: 141-159)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قد وردت قصة صالح مع قومه فى سور أخرى منها الأعراف ، وهود ، والنمل ، والقمر … وثمود اسم للقبيلة التى أرسل إليها صالح - عليه السلام - والثمد الماء القليل … وكانوا يعبدون الأصنام ، فأرسل الله - تعالى - واحد منهم - هو صالح - لكى يأمرهم بعبادة الله وحده . وما زالت مساكنهم تعرف إلى الآن بمدائن صالح ، فى المنطقة التى بين المدينة المنورة والشام ، وقد مر النبى صلى الله عليه وسلم على ديارهم وهو متوجه إلى غزوة تبوك … وقد نصح صالح قومه ، بما نصح به هود ونوح قومهما من قبله ، فقد أمرهم بتقوى الله وصارحهم بصدقه معهم ، وبتعففه عن تعاطى الأجر على نصحه لهم . ثم وعظهم بما يرقق القلوب ، وبما يحمل العقلاء على شرك الله - تعالى - على نعمه فقال لهم { أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَآ آمِنِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ … } . والاستفهام للإِنكار . والطلع اسم من الطلوع وهو الظهور ، وأصله ثمر النخل فى أول ما يطلع ، وهو بعد التلقيح يسمى خلالا - بفتح الخاء - ثم يصير بسرا ، فرطبا ، فتمرا . والهضيم اليانع والنضيج ، أو الرطب اللين اللذيذ الذى تداخل بعضه فى بعض وهو وصف للطلع الذى قصد به الثمار الناضجة الطيبة لصيرورته إليها . والمعنى أتظنون أنكم متروكون بدون حساب أو سؤال من خالقكم - عز وجل - وأنتم تتقلبون فى نعمه التى منها ما أنتم فيه من بساتين وأنهار وزروع كثيرة متنوعة . إن كنتم تظنون ذلك ، فأقلعوا عن هذا الظن ، واعتقدوا بأنكم أنتم وما بين أيديكم من نعم ، إلى زوال ، وعليكم أن تخلصوا لخالقكم العبادة والشكر لكى يزيدكم من فضله … فأنت ترى أن - صالحا - عليه السلام قد استعمل مع قومه أرق ألوان الوعظ ، لكى يوقظ قلوبهم الغافلة ، نحو طاعة الله - تعالى - وشكره ، وقد استعمل فى وعظه لفت أنظارهم إلى ما يتقلبون فيه من نعم تشمل البساتين والعيون ، والزروع المتعددة ، والنخيل الجيدة الطلع ، اللذيذة الطعم ، حتى لكأن ثمرها لجودته ولينه ، لا يحتاج إلى هضم فى البطون . ثم ذكرهم بنعمة أخرى ، وكرر عليهم الأمر بتقوى الله فقال { وَتَنْحِتُونَ مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتاً فَارِهِينَ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } . وقوله { وَتَنْحِتُونَ } معطوف على { أَتُتْرَكُونَ } فهو داخل فى حيز الإِنكار عليهم ، لعدم شكرهم لله - تعالى - والنحت البرى . يقال نحت فلان الحجر نحتا إذا براه وأعده للبناء . و { فَارِهِينَ } أى ماهرين حاذقين فى نحتها . من فره - ككرم - فراهة . إذا برع فى فعل الشىء ، وعرف غوامضه ودقائقه . قال القرطبى وقرأ ابن كثير وابو عمرو { فَارِهِينَ } بغير ألف فى الفاء . وهى بمعنى واحد . . وفرق بينهما قوم فقالوا { فَارِهِينَ } أى حاذقين فى تحتها … وفرهين - بغير ألف - أى أشرين بطرين فرهين … أى وأنهاكم - أيضا - عن انهماككم فى نحت الحجارة من الجبال بمهارة وبراعة ، لكى تبنوا بها بيوتا وقصورا بقصد الأشر والبطر ، لا يقصد الإِصلاح والشكر لله - فمحل النهى إنما هو قصد الأشر والبطر فى البناء وفى النحت . ثم نهاهم عن طاعة المفسدين فى الأرض بعد أن أمرهم بتقوى الله فقال { وَلاَ تُطِيعُوۤاْ أَمْرَ ٱلْمُسْرِفِينَ ٱلَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ } . أى اجعلوا طاعتكم لله - تعالى - وحده ، ولى بصفتى رسوله إليكم ، واتركوا طاعة زعمائكم وكبرائكم المسرفين فى إصرارهم على الكفر والجحود والذين من صفاتهم أنهم يفسدون فى الأرض فسادا لا يخالطه إصلاح . قال الآلوسى قوله { وَلاَ تُطِيعُوۤاْ أَمْرَ ٱلْمُسْرِفِينَ … } كأنه عنى بالخطاب جمهور قومه . وبالمسرفين كبراءهم فى الكفر والإِضلال . وكانوا تسعة رهط … والإِسراف تجاوز الحد فى كل أمر … والمراد به هنا زيادة الفساد … والمراد بالأرض أرض ثمود . وقيل الأرض كلها . ولما كان قوله { يُفْسِدُونَ } لا ينافى إصلاحهم أحيانا أردفه بقوله - تعالى - { وَلاَ يُصْلِحُونَ } لبيان كمال إفسادهم . وأنه لم يخالطه إصلاح أصلا . ولكن هذا النصح الحكيم من صالح لقومه ، لم يقابل منهم بأذن صاغية ، بل قابلوه بالتطاول والاستهتار وإنكار رسالته { قَالُوۤاْ إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ ٱلْمُسَحَّرِينَ مَآ أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } . أى قال قوم صالح له أنت لست إلا من الذين غلب عليهم السحر ، وأثر فى عقولهم ، فصاروا يتكلمون بكلام المجانين . وما أنت - أيضا - إلا بشر مثلنا تأكل الطعام كما نأكل . وتشرب الشراب كما نشرب … فإن كنت رسولا حقا فأتنا بعلامة ومعجزة تدل على صدقك فى دعواك الرسالة وكأنهم - لجهلهم وانطماس بصائرهم - يرون أن البشرية تتنافى مع النبوة والرسالة ، وتضرع صالح - عليه السلام - إلى ربه - عز وجل - أن يمنحه معجزة لعلها تكون سببا فى هداية قومه ، وأجاب الله - تعالى - تضرعه ، فقال - سبحانه - { قَالَ هَـٰذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوۤءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ } . قال ابن كثير ثم إنهم اقترحوا عليه آية يأتيهم بها ، ليعلموا صدقه بما جاءهم به من ربهم ، فطلبوا منه أن يخرج لهم الآن من صخرة عندهم ناقة عُشرَاء من صفتها كذا وكذا . فعند ذلك أخذ عليهم صالح العهود والمواثيق ، لئن أجابهم إلى ما سألوا ليؤمنن به ، فأنعموا بذلك - أى قالوا نعم - فقام نبى الله صالح فصلى ، ثم دعا ربه أن يجيبهم على سؤالهم ، فانفطرت تلك الصخرة التى أشاروا إليها . عن ناقة عشراء . على الصفة التى وصفوها . فآمن بعضهم وكفر أكثرهم " . والمعنى قال لهم صالح - عليه السلام - بعد أن طلبوا منه معجزة تدل على صدقه هذه ناقة { لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ } أى لها نصيب معين من الماء ، ولكم نصيب آخر منه ، وليس لكم أن تشربوا منه فى يوم شربها . وليس لها أن تشرب منه فى يوم شربكم ، واحذروا أن تمسوها بسوء - كضرب أو قتل - فيأخذكم عذاب يوم عظيم . ووصف اليوم بالعظم لعظم ما يحل فيه من عذاب ينزل بهم إذا مسوها بسوء ولكن قومه لم يفوا بعهودهم { فَعَقَرُوهَا } أى فعقروا الناقة التى هى معجزة نبيهم . وأسند العقر إليهم جميعا . مع أن الذى عقرها بعضهم ، لأن العقر كان برضاهم جميعا ، كما يرشد إليه قوله - تعالى - فى آية أخرى { فَنَادَوْاْ صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَىٰ فَعَقَرَ } وقوله { فَأَصْبَحُواْ نَادِمِينَ } بيان لما ترتب على عقرهم لها . وندمهم إنما كان سبب خوفهم من وقوع العذاب عليهم بسبب ذلك ، ولم يكن بسبب إيمانهم وتوبتهم . أو أن ندمهم جاء فى غير أوانه ، كما يشعر بذلك قوله - تعالى { فَأَخَذَهُمُ ٱلْعَذَابُ } أى أن العذاب نزل بهم فى أعقاب عقرهم لها ، بدون تراخ أو إمهال ، وكان عذابهم أن أخذتهم الرجفة وتبعتها الصيحة التى صاحها بهم جبريل فأصبحوا فى ديارهم جاثمين ، ثم يجىء التعقيب السابق { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ } . ثم جاءت بعد ذلك قصة لوط . مع قومه ، فقال - تعالى - { كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ ٱلْمُرْسَلِينَ … } .