Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 160-175)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال ابن كثير - رحمه الله - ولوط هو ابن هاران بن آزر ، وهو ابن أخى إبراهيم ، وكان قد آمن مع إبراهيم ، وهاجر معه إلى أرض الشام ، فبعثه الله إلى أهل سدوم وما حولها من القرى ، يدعوهم إلى الله - تعالى - وبأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ، وهو إتيان الذكور دون الإِناث ، وهذا شىء لم يكن بنو آدم تعهده ولا تألفه ، ولا يخطر ببالهم ، حتى صنع ذلك أهل سدوم - وهى قرية بوادى الأردن - عليهم لعائن الله . ولقد بدأ لوط - عليه السلام - دعوته لقومه يأمرهم بتقوى الله ، وبإخبارهم بأنه رسول أمين من الله - تعالى - إليهم ، وبأنه لا يسألهم أجرا على دعوته لهم إلى الحق والفضيلة . ثم نهاهم عن أبرز الرذائل التى ، كانت متفشية فيهم فقال { أَتَأْتُونَ ٱلذُّكْرَانَ مِنَ ٱلْعَالَمِينَ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ } . والاستفهام للإِنكار والتقريع والذكران جمع ذكر وهو ضد الأنثى . والعادون جمع عاد . يقال عدا فلان فى الأمر يعدو ، إذا تجاوز الحد فى الظلم . أى قال لوط لقومه أبلغ بكم انحطاط الفطرة ، وانتكاس الطبيعة ، أنكم تأتون الذكور الفاحشة ، وتتركون نساءكم اللائى أحلهن الله - تعالى - لكم ، وجعلهن الطريق الطبيعى للنسل وعمارة الكون . إنكم بهذا الفعل القبيح الذميم ، تكونون قد تعديتم حدود الله - تعالى - وتجاوزتم ما أحله الله لكم ، إلى ما حرمه عليكم . وقد ردوا عليه بما يدل على شذوذهم وعلى انتكاس فطرتهم ، فقد قالوا له على سبيل التهديد والوعيد { لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يٰلُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُخْرَجِينَ } . أى قالوا له متوعدين لئن لم تسكت يا لوط عن نهيك إيانا عما نحن فيه ، لتكونن من المخرجين من قريتنا إخراجا تاما ، ولنطردنك خارج ديارنا . وهكذا النفوس عندما تنحدر فى الرذيلة وتنغمس فى المنكر ، تعادى من يدعوها إلى الفضيلة وإلى الطهر والعفاف . وقد رد لوط - عليه السلام - على سفاهتهم وسوء أدبهم { قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِّنَ ٱلْقَالِينَ } . والقالين جمع قال . يقال قليت فلانا أقليه - كرميته أرميه - إذا كرهته كرها شديدا . أى قال لهم لوط موبخا ومؤنبا إنى لعملكم القبيح الذى ترتكبونه مع الذكور ، من المبغضين له أشد البغض ، المنكرين له أشد الإِنكار . ثم توجه إلى ربه - تعالى - بقوله . { رَبِّ نَّجِنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ } أى نجنى يا رب ، ونج أهلى المؤمنين معى ، مما يعمل هؤلاء الأشرار من منكر لم يسبقهم إليه أحد فأجاب الله - تعالى - دعاءه فقال { فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عَجُوزاً فِي ٱلْغَابِرِينَ } . والمراد بهذه العجوز ، امرأته وكانت كافرة وراضية عن فعل قومها . والغابرين جمع غابر وهو الباقى بعد غيره . يقال غبر الشىء يغبر غبورا . إذا بقى . وقوله { إِلاَّ عَجُوزاً } استثناء من أهله . أى فاستجبنا للوط دعاءه ، فأنجيناه وأهله المؤمنين جميعا ، إلا امرأته العجوز فإننا لم ننجها بل بقيت مع المهلكين لخبثها وعدم إيمانها . { ثُمَّ دَمَّرْنَا ٱلآخَرِينَ } أى ثم أهلكنا قوم لوط المصرين على كفرهم وعلى إتيانهم المنكر ، تدميرا شديدا ، فإنا جعلنا أعلى قريتهم سافلها ، وأبدناهم عن آخرهم . { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم } بعد ذلك الإِهلاك { مَّطَراً } عجيبا أمره فقد كان نوعا من الحجارة ، كما جاء فى آية أخرى فى قوله - تعالى - { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنْضُودٍ } وقوله - سبحانه - { فَسَآءَ مَطَرُ ٱلْمُنذَرِينَ } بيان لسوء مصيرهم . أى دمرنا هؤلاء القوم ، وأمطرنا عليهم مطرا من الحجارة زيادة فى إهانتهم ، فساءت عاقبتهم ، وتحقق ما أنذرناهم به من دمار . ثم ختم - سحبانه - قصة لوط - عليه السلام - مع قومه ، بمثل ما ختم به القصص السابقة فقال { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ } . ثم جاءت فى نهاية هذه القصص ، قصة شعيب - عليه السلام - مع قومه . فقال - تعالى - { كَذَّبَ أَصْحَابُ … } .