Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 26, Ayat: 52-68)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - سبحانه - { وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِيۤ … } معطوف على كلام مقدر يفهم من سياق القصة . والتقدير وبعد أن انتصر موسى على السحرة نصرا جعلهم يخرون ساجدين لله - تعالى - وبعد أن مكث موسى فى مصر حينا من الدهر ، يدعو فرعون وقومه إلى إخلاص العبادة لله - تعالى - فلم يستجيبوا له … بعد كل ذلك { وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِيۤ } أى سر ببنى إسرائيل ليلا إلى جهة البحر وعبر - سبحانه - عنهم بعبادى . تلطفا بهم بعد أن ظلوا تحت ظلم فرعون مدة طويلة . وقوله - { إِنَّكُم مّتَّبِعُونَ } تعليل للأمر بالإِسراء . أى سر بهم ليلا إلى جهة البحر ، لأن فرعون سيتبعكم بجنوده ، وسأقضى قضائى فيه وفى جنده . والفاء فى قوله - تعالى - { فَأَرْسَلَ فِرْعَونُ فِي ٱلْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ } هى الفصيحة ، والحاشرين جمع حاشر والمراد بهم الذين يحشرون الناس ويجمعونهم فى مكان معين ، لأمر من الأمور الهامة . قالوا جمعوا له جيشا كبيرا يتكون من مئات الآلاف من الجنود . أى وعلم فرعون بخروج موسى ومعه بنو إسرائيل . فأرسل جنوده ليجمعوا له الناس من المدائن المتعددة فى مملكته . وبعد أن اكتمل عددهم ، أخذ فى التهوين من شأن موسى ومن معه فقال { إِنَّ هَـٰؤُلاۤءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ } . والشرذمة الطائفة القليلة من الناس - وخصها بعضهم بالأخساء والسفلة منهم . ومنه قولهم هذا ثوب شرذام ، وثياب شراذم ، أى رديئة متقطعة . أى إن هؤلاء الذين خرجوا بدون إذنى وإذنكم ، لطائفة قليلة من الناس الذين هم بمنزلة العبيد والخدم لى ولكم . { وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَآئِظُونَ } أى وإنهم بجانب قلتهم ، وخروجهم بدون إذننا ، يأتون بأقوال وأفعال تغيظنا وتغضبنا ، على رأسها اقتراحهم علينا أن نترك ديننا . { وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ } أى متيقظون لمكائدهم ، ومحتاطون لمكرهم ، وممسكون بزمام الأمور حتى لا يؤثر فينا خداعهم . يقال حذر فلان حذرا - من باب تعب - بمعنى استعد للأمر وتأهب له بيقظة … وكلام فرعون هذا - الذى حكاه القرآن عنه - يوحى بهلعه وخوفه مما فعله موسى - عليه السلام - إلا أنه أراد أن يستر هذا الهلع والجزع بالتهوين من شأنه ومن شأن الذين خرجوا معه وبتحريض قومه على اللحاق بهم وتأديبهم ، وبالظهور بمظهر المستعد هو وقومه لمجابهة الأخطار والتمرد بكل قوة وحزم . قال صاحب الكشاف والمعنى أنهم - أى موسى ومن معه - لقلتهم لا يبالى بهم ، ولا يتوقع غلبتهم وعلوهم ، ولكنهم يفعلون أفعالا تغيظنا ، ونحن قوم من عادتنا التيقظ والحذر واستعمال الحزم فى الأمور ، فإذا خرج علينا خارج سارعنا إلى حسم فساده ، وهذه معاذير اعتذر بها إلى أهل المدائن لئلا يظن به ما يكسر من قهره وسلطانه ، وقرىء حذرون . … والحذر اليقظ . والحاذر الذى يجدد حذره . ثم حكى - سبحانه - بعد ذلك ما اقتضته إرادته ومشيئته فى فرعون وقومه فقال { فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } أى فأخرجناهم بقدرتنا وإرادتنا من { جَنَّاتٍ } . أى بساتين كانوا يعيشون فيها { وَعُيُونٍ } عذبة الماء كانوا يشربون منها . { وَكُنُوزٍ } أى وأموال كانت تحت أيديهم { وَمَقَامٍ كَرِيمٍ } أى ومساكن حسنة جميلة كانوا يقيمون فيها . أى أخرجناهم من كل ذلك بقدرتنا ومشيئتنا ، ليلقوا مصيرهم المحتوم وهو الغرق ، بسبب إصرارهم على كفرهم وطغيانهم . وقوله { كَذَلِكَ } خبر لمبتدأ محذوف . أى الأمر كذلك . وقوله { وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } أى وأورثنا تلك الجنات والعيون والكنوز والمنازل الحسنة لبنى إسرائيل . قال الجمل وقوله { وَأَوْرَثْنَاهَا } أى الجنات والعيون والكنوز لبنى إسرائيل ، وذلك أن الله - عز وجل - رد بنى إسرائيل إلى مصر بعد هلاك فرعون وقومه ، فأعطاهم جميع ما كان لفرعون وقومه من الأموال والمساكن الحسنة … والظاهر أن هذه الجملة اعتراضية ، وأن قوله - بعد ذلك - { فَأَتْبَعُوهُم } معطوف على قوله - تعالى - { فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } … لأن إعطاء البساتين وما بعدها لبنى إسرائيل ، كان بعد هلاك فرعون وقومه . ومن العلماء من يرى أن بنى إسرائيل لم يعودوا لمصر بعد هلاك فرعون وقومه ، وأن الضمير فى قوله - تعالى - { وَأَوْرَثْنَاهَا } لا يعود إلى الجنات والعيون التى أخرج الله - تعالى - منها فرعون وقومه . فيقول ولا يعرف أن بنى إسرائيل عادوا إلى مصر بعد خروجهم إلى الأرض المقدسة ، وورثوا ملك مصر وكنوز فرعون ومقامه ، لذلك يقول المفسرون إنهم ورثوا مثل ما كان لفرعون وملئه . فهى وراثة لنوع ما كانوا فيه من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم " . وقيل المراد بالوراثة هنا وراثة ما استعاره بنو إسرائيل من حلى آل فرعون عند خروجهم من مصر مع موسى - عليه السلام - . ويبدو لنا أنه لا مانع من عودة الضمير فى قوله - تعالى { وَأَوْرَثْنَاهَا } إلى الجنات والعيون والكنوز التى أخرج الله - تعالى - منها فرعون وقومه ، بأن عاد موسى ومن معه إلى مصر - لفترة معينة - بعد هلاك فرعون وملئه ، ثم خرجوا منها بعد ذلك مواصلين سيرهم إلى الأرض المقدسة ، التى أمرهم موسى - عليه السلام - بدخولها . ولعل مما يؤيد ما نرجحه قوله - تعالى - { وَأَوْرَثْنَا ٱلْقَوْمَ ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ ٱلأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ ٱلْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ } وقوله - سبحانه - { وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ ٱلْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي ٱلأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَحْذَرُونَ } ثم بين - سبحانه - بعد ذلك ما حدث من فرعون وقومه ، وما قاله بنو إسرائيل عندما شاهدوهم ، فقال - تعالى - { فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ } . أى أخرجنا فرعون وقومه من أموالهم ومساكنهم … فساروا مسرعين خلف موسى ومن معه ، { فَأَتْبَعُوهُم } أى فلحقوا بهم { مُّشْرِقِينَ } أى فى وقت شروق الشمس يقال أشرق فلان إذا دخل فى وقت الشروق ، كأصبح إذا دخل فى وقت الصباح . { فَلَمَّا تَرَاءَى ٱلْجَمْعَانِ } أى تقاربا بحيث يرى كل فريق خصمه . { قَالَ } بنو إسرائيل لنبيهم موسى - عليه السلام - والخوف يملأ نفوسهم { إِنَّا لَمُدْرَكُونَ } أى سيدركنا بعد قليل فرعون وجنوده ، ولا قدرة لنا … على قتالهم … وهنا رد عليهم موسى - عليه السلام - بثقة وثبات بقوله { كَلاَّ } أى كلا لن يدركوكم ، فاثبتوا ولا تجزعوا { إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ } . بهذا الجزم والتأكيد رد موسى على بنى إسرائيل ، وهو رد يدل على قوة إيمانه ، وثبات يقينه ، وثقته التى لا حدود لها فى نصر الله - تعالى - له ، وفى هدايته إياه إلى طريق الفوز والفلاح . ولم يطل انتظار موسى لنصر الله - تعالى - بل جاءه سريعا متمثلا فى قوله - سبحانه - { فَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْبَحْرَ } أى البحر الأحمر - على أرجح الأقوال - وهو الذى كان يسمى ببحر القلزم . فضربه { فَٱنفَلَقَ } إلى اثنى عشر طريقا { فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ } أى قسم منه { كَٱلطَّوْدِ ٱلْعَظِيمِ } أى كالجبل الشامخ الكبير . وسار موسى ومن معه فى الطريق اليابس بين أمواج البحر - بقدرة الله - تعالى - ، { وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ ٱلآخَرِينَ } أى وقربنا - بقدرتنا وحكمتنا - هنالك القوم الآخرين وهم فرعون وجنوده . أى قربناهم من موسى وقومه فدخلوا وراءهم فى الطريق الذى سلكوه بين أمواج البحر ، فماذا كانت النتيجة ؟ كانت النتيجة أن خرج موسى ومن معه سالمين ، أما فرعون وجنوده فقد انطبق عليهم البحر فأغرقهم أجمعين . وصدق الله إذ يقول { وَأَنجَيْنَا } - أى بقدرتنا ورحمتنا - { مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ } من الغرق ومن لحاق فرعون بهم . { ثُمَّ أَغْرَقْنَا ٱلآخَرِينَ } وهم فرعون وجنوده . ثم ختم - سبحانه - هذه القصة - كما ختم غيرها - بقوله { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ } . أى إن فى ذلك الذى قصصناه عليك - أيها الرسول الكريم - من قصة موسى وفرعون ، { لآيَةً } عظيمة تدعو إلى إخلاص العبادة والطاعة لنا ، ومع ذلك فلم يؤمن بما جاء به نبينا موسى ، إلا عدد قليل ، { وَإِنَّ رَبَّكَ } - أيها الرسول الكريم - { لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ } . أى الغالب المنتقم من أعدائه { ٱلرَّحِيمُ } أى الواسع الرحمة بأوليائه ، حيث جعل العاقبة لهم . وهكذا ساق لنا - سبحانه - هنا جانبا من قصة موسى - عليه السلام - بهذا الأسلوب البديع ، لتكون عبرة وعظة لقوم يؤمنون . ثم ساق - سبحانه - بعد ذلك جانبا من قصة إبراهيم - عليه السلام - فقال - تعالى - { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ … } .