Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 43-51)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ قَالَ لَهُمْ مُّوسَىٰ } أى للسحرة بعد أن أعدوا عدتهم لمنازلته ، ومن خلفهم فرعون وقومه يشجعونهم على الفوز قال لهم { أَلْقُواْ مَآ أَنتُمْ مُّلْقُونَ } من السحر ، فسوف ترون عاقبة منازلتكم له . وأسلوب الآية الكريمة يشعر بعدم مبالاة موسى - عليه السلام - بهم أو بتلك الحشود التى من ورائهم ، فهو مطمئن إلى نصر الله - سبحانه - له . { فَأَلْقَوْاْ حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُواْ } أى عند إلقائهم لتلك الحبال والعصى { بِعِزَّةِ فِرْعَونَ } أى بقوته وجبروته وسطوته { إِنَّا لَنَحْنُ ٱلْغَالِبُونَ } لا موسى - عليه السلام - ولم تفصل السورة هنا ما فصلته سورة الأعراف من أنهم حين ألقوا حبالهم وعصيهم { سَحَرُوۤاْ أَعْيُنَ ٱلنَّاسِ وَٱسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَآءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ } أو ما وضحته سورة طه من أنهم حين ألقوا حبالهم { أَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ } ولعل السر فى عدم التفصيل هنا ، أن السورة الكريمة تسوق الأحداث متتابعة تتابعا سريعا ، تربط معها قلب القارىء وعقله بما ستسفر عنه هذه الأحداث من ظهر الحق ، ومن دحور الباطل . ولذا جاء التعقيب السريع بما فعله موسى - عليه السلام - فقال - تعالى - { فَأَلْقَىٰ مُوسَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ } أى تبتلع بسرعة ، وتأخذ بقسوة { مَا يَأْفِكُونَ } أى ما فعلوه وما يفعلونه من السحر ، الذي يقلبون به حقائق الأشياء عن طريق التمويه والتخييل . ورأى السحرة بأعينهم ومعهم الحشود من خلفهم ، رأوا ما أجراه الله - تعالى - على يد موسى - عليه السلام - رأوا كل ذلك فذهلوا وبهروا وأيقنوا أن ما جاء به موسى ليس سحرا وإنما هو شىء آخر فوق طاقة البشر ، ولو كان سحرا لعرفوه فهم رجاله ، وأيضا لو كان سحرا لبقيت حبالهم وعصيهم على الأرض ، ولكنها ابتلعتها عصا موسى - عليه السلام - عندئذ لم يتمالكوا أنفسهم ، بل فعلوا ما حكاه القرآن عنهم فى قوله - سبحانه - { فَأُلْقِيَ ٱلسَّحَرَةُ سَاجِدِينَ } أى فخروا ساجدين على وجوههم بدون تردد ، وهم يقولن { آمَنَّا بِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ رَبِّ مُوسَىٰ وَهَارُونَ } . وهكذا بعد أن شاهد السحرة الحق يتلألأ أمام أبصارهم . لم يملكوا إلا أن ينطقوا به على رءوس الأشهاد ، وتحولوا من قوم يلتمسون الأجر من فرعون قائلين { أَإِنَّ لَنَا لأَجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ ٱلْغَالِبِينَ } إلى قوم آخرين هجروا الدنيا . ومغانمها ، واستهانوا بالتهديد والوعيد ، ونطقوا بكلمة الحق فى وجه من كانوا يقسمون بعزته إنا لنحن الغالبون . وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول فى حديثه الذى رواه الشيخان " ما من قلب إلاَّ وهو بين إصبعين من أصابع الرحمن ، إنْ شاء أقامه ، وإنْ شاء أزاغه " . ثم يحكى - سبحانه - بعد ذلك موقف فرعون وقد رأى ما حطمه وزلزله فقال - تعالى - { قَالَ } أى فرعون للسحرة { آمَنتُمْ لَهُ } أى لموسى { قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ } بالإِيمان به . … { إِنَّهُ } أى موسى - عليه السلام - { لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِي عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحْرَ } أى فأنتم متواطئون معه على هذه اللعبة { فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } ما أنزله بكم من عذاب . { لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ } أى لأقطعن من كل واحد منكم يده اليمنى مع رجله اليسرى . { وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ } أى فى جذوع النخل - كما جاء فى آية أخرى - والمتأمل فى قول فرعون - كما حكاه القرآن عنه يرى فيه الطغيان والكفر ، فهو يستنكر على السحرة إيمانهم بدون إذن . ويرى فيه الكذب الباطل الذى قصد من ورائه تشكيك قومه فى صدق موسى وفى نبوته فهو يقول لهم { إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِي عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحْرَ } . ويرى فيه بعد هذا التلبيس على قومه ، التهديد الغليظ - شأن الطغاة فى كل زمان ومكان - فهو يقول للسحرة الذين صاروا مؤمنين { فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ } أى بدون استثناء لواحد منهم . ولم يتلفت السحرة إلى هذا التهديد والوعيد بعد أن استقر الإِيمان فى قلوبهم ، بل قالوا - كما حكى القرآن عنهم - { لاَ ضَيْرَ } مصدر ضاره الأمر يضوره ويضيره ضيرا ، أى ضره وألحق به الأذى . أى قالوا - بكل ثبات وعدم مبالاة بوعيده - لا ضرر علينا من عقابك فسنتحمله صابرين فى سبيل الحق الذى آمنا به . { إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ } أى راجعون إليه ، فيجازينا على صبرنا . { إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَآ } التى وقعنا فيها قبل الإيمان ، كعبادة فرعون وكتعاطى السحر { أَن كُنَّآ } أى لأن كنا { أَوَّلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } بالحق بعد أن جاءنا . ثم ختم - سبحانه - هذه القصة ببيان ما أمر به نبيه موسى - عليه السلام - وما حل بفرعون وقومه من هلاك بسبب كفرهم وبغيهم ، فقال - تعالى - { وَأَوْحَيْنَآ … } .