Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 27, Ayat: 27-35)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - سبحانه - { قَالَ سَنَنظُرُ … } حكاية لما قاله سليمان - عليه السلام - فى رده على الهدهد ، الذى قال له فى تبرير عذره { أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ … } إلخ . والفعل " ننظر " من النظر بمعنى التأمل فى الأمور ، والتدبر فى أحوالها ، والسين للتأكيد . أى قال سليمان للهدهد بعد أن استمع إلى حجته سننظر - أيها الهدهد - فى أقوالك ، ونرى أكنت صادقاً فيها ، أم أنت من الكاذبين . وهكذا نرى نبى الله سليمان - وهو العاقل الحكيم - لا يتسرع فى تصديق الهدهد أو تكذيبه ، ولا يخرجه النبأ العظيم الذى جاءه به الهدهد ، عن اتزانه ووقاره ، وإنما يبنى أحكامه على ما سيسفر عنه تحققه من صدق خبره أو كذبه . وهذا هو اللائق بشأن النبى الكريم سليمان ، الذى آتاه الله - تعالى - النبوة والملك والحكمة . قال القرطبى " وقوله { سَنَنظُرُ } من النظر الذى هو التأمل والتصفح . { أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ } أى فى مقالتك . و { كُنتَ } بمعنى أنت وقال { سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ } ولم يقل سننظر فى أمرك ، لأن الهدهد لما صرح بفخر العلم فى قوله { أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ } صرح له سليمان بقوله سننظر أصدقت أم كذبت ، فكان ذلك كفاء لما قاله " . وقوله - تعالى - { ٱذْهَب بِّكِتَابِي هَـٰذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَٱنْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ } بيان لما أمر به سليمان - عليه السلام - الهدهد ، بعد أن قال له سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين . أى خذ - أيها الهدهد - كتابى هذا . فاذهب به إلى هؤلاء القوم من أهل سبأ ، { ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ } أى ثم انصرف عنهم إلى مكان قريب منهم { فَٱنْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ } أى فتأمل ماذا يقول بعضهم لبعض ، وبماذا يراجع بعضهم بعضاً ، ثم أخبرنى بذلك . قال ابن كثير وذلك أن سليمان - عليه السلام - كتب كتاباً إلى بلقيس وقومها ، وأعطاه لذلك الهدهد فحمله … وذهب به إلى بلادهم ، فجاء فى قصر بقليس . إلى الخلوة التى كانت تختلى فيها بنفسها ، فألقاه إليها من كوة هنالك بين يديها . ثم تولى ناحية أدبا ، فتحريت مما رأت . وهالها ذلك ، ثم عمدت إلى الكتاب فأخذته ، ففتحت ختمه وقرأته … " . وقال صاحب الكشاف " فإن قلت لم قال فألقه إليهم . على لفظ الجمع ؟ قلت لأنه قال { وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ } فقال فألقهِ إلى الذين هذا دينهم ، اهتماماً منه بأمر الدين ، واشتغالاً به عن غيره . وبنى الخطاب فى الكتاب على لفظ الجمع لذلك " . ثم بين - سبحانه - ما فعلته ملكة سبأ ، بعد أن جاءها كتاب سليمان - عليه السلام - ، فقال - تعالى - { قَالَتْ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ إِنِّيۤ أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ أَلاَّ تَعْلُواْ عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ } . أى قالت لحاشيتها بعد أن قرأت الكتاب وفهمت ما فيه { يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ } - أى يا أيها الأشراف من قومى { إِنِّيۤ أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ } . وصفته بالكرم لاشتماله على الكلام الحكيم ، والأسلوب البديع ، والتوجيه الحسن ، ولجمال هيئته ، وعجيب أمره . ثم أفصحت عن مصدره فقالت { إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ } وعن مضمونه فقالت { وَإِنَّهُ بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } وفى ذلك إشارة إلى وصفه بالكرم ، حيث اشتمل على اسم الله - تعالى - وعلى بعض صفاته ، وعلى ترك التكبر ، وعلى الدخول فى الدين الحق ، كما يدل عليه قوله - تعالى - { أَلاَّ تَعْلُواْ عَلَيَّ } أى ألا تتكبروا على كما يفعل الملوك الجبابرة { وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ } منقادين طائعين لشريعة الله - وحده ، التى توجب عليكم إخلاص العبادة له ، دون أحد سواه ، إذ هو - سبحانه - الخالق لكل شىء ، وكل معبود سواه فهو باطل . فالكتاب - مع إيجازه - متضمن لفنون البلاغة . ولمظاهر القوة الحكيمة العادلة ، التى اتبعها سليمان فى رسالته إلى ملكة سبأ وقومها . وبعد أن بلغت حاشيتها بمصدر الكتاب ومضمونه ، استأنفت حديثها فقالت { يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَفْتُونِي فِيۤ أَمْرِي } والفتوى الجواب على المستفتى فيما سأل عنه ، والمراد بها هنا المشورة وإبداء الرأى . أى قالت يأيها الأشراف والقادة من قومى ، أشيروا على ماذا سأفعل فى أمر هذا الكتاب الذى جاءنى من سليمان ، والذى يطلب منا فيه ما سمعتم ؟ ثم أضافت إلى ذلك قولها { مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ } أى أنتم تعلمون أنى لا أقطع أمراً يتعلق بشئون المملكة إلا بعد استشارتكم ، وأخذ رأيكم . وفى قولها هذا دليل على حسن سياستها ، ورجاحة عقلها ، حيث جمعت رءوس مملكتها ، واستشارتهم فى أمرها ، وأعلمتهم أن هذه عادة مطردة عندها . وبذلك طابت نفوسهم ، وزادت ثقتهم فيها . فقد قالوا لها { قَالُواْ نَحْنُ أُوْلُو قُوَّةٍ } أى أصحاب قوة فى الأجساد ، { وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ } أى وأصحاب بلاء شديد فى القتال . { وَٱلأَمْرُ إِلَيْكِ } أى موكول إلى رأيك ، وإلى ما تطمئن إليه نفسك من قرار . { فَٱنظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ } فتأملى وتفكرى فيما تأمريننا به بالنسبة لهذا الكتاب ، فنحن سنطيعك فى كل ما تطلبينه منا . وهنا يحكى لنا القرآن الكريم ما كانت عليه تلك المرأة من دهاء وكياسة ، وإيثار للسلم على الحرب ، واللين على الشدة ، فقال - تعالى - { قَالَتْ إِنَّ ٱلْمُلُوكَ } من شأنهم أنهم { إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً } من القرى . أو مدينة من المدن ، بعد تغلبهم على أهلها عن طريق الحرب والقتال … { أَفْسَدُوهَا } أى أشاعا فيها الفساد والخراب والدمار . وفوق كل ذلك { وَجَعَلُوۤاْ أَعِزَّةَ أَهْلِهَآ أَذِلَّةً } أى أهانوا أشرافها ورؤساءها ، وجعلوهم أذلة بعد أن كانوا أعزة . ليكونوا عبرة لغيرهم . { وَكَذٰلِكَ يَفْعَلُونَ } أى وهذه هى عادتهم التى يفعلونها عند دخولهم قرية من القرى ، عن طريق القهر والقسر والقتال . والمقصود من قولها هذا التلويح لقومها بأن السلم أجدى من الحرب ، وأن الملاينة مع سليمان - عليه السلام - أفضل من المجابهة والمواجهة بالقوة . ثم صرحت لهم بما ستفعله معه فقالت { وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ ٱلْمُرْسَلُونَ } . وقوله { فَنَاظِرَةٌ } معطوف على { مُرْسِلَةٌ } وهو من الانتظار بمعنى الترقب . أى وإنى قد قررت أن أرسل إلى سليمان وجنوده هدية ثمينة تليق بالملوك أصحاب الجاه والقوة والسلطان ، وإنى لمنتظرة ماذا سيقول سليمان لرسلى عندما يرى تلك الهدية . وماذا سيفعل معهم . قال ابن عباس قالت لقومها إن قبل الهدية فهو ملك فقاتلوه ، وإن لم يقبلها فهو نبى فاتبعوه . وقال قتادة رحمها الله ورضى عنها ما كان أعقلها فى إسلامها وفى شركها ! ! لقد علمت أن الهدية تقع موقعا من الناس . ثم حكى - سبحانه - بعد ذلك ما كان من سليمان عندما رأى الهدية ، فقال - تعالى - { فَلَمَّا جَآءَ سُلَيْمَانَ … } .