Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 27, Ayat: 54-58)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قصة لوط - عليه السلام - قد ذكرت فى سور متعددة منها الأعراف ، وهود ، والحجر … وهنا تتعرض السورة الكريمة ، لإِبراز ما كان عليه أولئك القوم من فجور ، وما هددوا به نبيهم . قال ابن كثير - رحمه الله - ولوط هو ابن هاران بن آزر ، وهو ابن أخى إبراهيم - عليه السلام - وكان لوط قد آمن مع إبراهيم ، وهاجر معه إلى أرض الشام ، فبعثه الله - تعالى - إلى أهل " سدوم " ، وما حولها من القرى ، يدعوهم إلى عبادة الله وحده ، وينهاهم عما يرتكبونه من المآثم والمحارم والفواحش التى اخترعوها ، دون أن يسبقهم إليها أحد من بنى آدم … وقوله - تعالى - { وَلُوطاً … } منصوب بفعل مضمر محذوف ، والتقدير واذكر - أيها العاقل - وقت أن أرسلنا لوطا إلى قومه . فقال لهم على سبيل الزجر والتوبيخ { أَتَأْتُونَ ٱلْفَاحِشَةَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ } أى أتأتون الفاحشة التى لم يسبقكم إليها أحد ، وهى إتيان الذكور دون الإِناث ، وأنتم تبصرون بأعينكم أنها تتنافى مع الفطرة السوية حتى بالنسبة للحيوان الأعجم فأنتم ترون وتشاهدون أن الذكر من الحيوان لا يأتى الذكر ، وإنما يأتى الأنثى ، حيث يتأتى عن طريقها التوالد والتناسل وعمارة الكون . فقوله - سبحانه - { وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ } جملة حالية المقصود بها زيادة تبكيتهم وتوبيخهم ، لأنهم يشاهدون تنزه الحيوان عنها ، كما يعلمون سوء عاقبتها ، وسوء عاقبة الذين خالفوا أنبيائهم من قبلهم . وقوله - سبحانه - { أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ ٱلنِّسَآءِ … } تأكيد للإِنكار السابق ، وتوضيح للفاحشة التى كانوا يأتونها . والإِتيان كناية عن الاستمتاع والجماع ، مأخوذ من أتى المرأة إذا جامعها . أى أئنكم - أيها الممسوخون فى فطرتكم وطبائعكم - لتصبون شهوتكم التى ركبها الله - تعالى - فيكم فى الرجال دون النساء اللاتى جعلهن الله - تعالى - محل شهوتكم ومتعتكم . قال الآلوسى والجملة الكريمة تثنية للإِنكار وبيان لما يأتونه من الفاحشة بطريق التصريح بعد الإِبهام وتحلية الجملة بحرفى التأكيد ، للإِيذان بأن مضمونها مما لا يصدق وقوعه أحد ، لكمال شناعته ، وإيراد المفعول بعنوان الرجولية دون الذكورية ، لزيادة التقبيح والتوبيخ . وقوله - تعالى - { بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ } إضراب عن الإِنكار إلى الإِخبار عن الأسباب التى جعلتهم يرتكبون هذه القبائح ، وهى أنهم قوم دينهم الجهل والسفاهة والمجون وانطماس البصيرة . وقد حكى القرآن أن لوطا قد قال لهم فى سورة الأعراف { بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ } وقال لهم فى سورة الشعراء { بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ } وقال لهم هنا { بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ } ومجموع الآيات يدل على أنهم كانوا مصابين بفساد العقل ، وانحراف الفطرة ، وتجاوز كل الحدود التى ترتضيها النفوس الكريمة . ثم حكى القرآن بعد ذلك جوابهم السيىء على نبيهم فقال { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ أَخْرِجُوۤاْ آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ … } . والفاء للتفريع ، والاستثناء مفرغ من أعم الأشياء . أى هكذا نصح لوط قومه وزجرهم ، فما كان جوابهم شيئا من الأشياء سوى قول بعضهم لبعض أخرجوا لوطا والمؤمنين من قريتكم التى يساكنونكم فيها . وفى التعبير بقولهم { مِّن قَرْيَتِكُمْ } إشارة إلى غرورهم وتكبرهم فكأنهم يعتبرون لوطا وأهله المؤمنين دخلاء عليهم ، ولا مكان لهم بين هؤلاء المجرمين لأن القرية - وهى سدوم - هى قريتهم وحدهم ، دون لوط وأهله . وقوله - تعالى - حكاية عنهم { إِنَّهمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ } تعليل للإِخراج ، وبيان لسببه ، أى أخرجوهم من قريتكم لأنهم أناس يتنزهون عن الفعل الذى نفعله ، وينفرون من الشهوة التى نشتهيها وهى إتيان الرجال … وما أعجب العقول عندما تنتكس ، والنفوس عندما ترتكس ، إنها تأبى أن يبقى معها الأطهار ، بل تحرض على طردهم ، ليبقى معها الممسوخون والمنحرفون الذين انحطت طباعهم ، وزين لهم الشيطان سوء أعمالهم فرأوه حسنا . ورحم الله صاحب الكشاف فقد قال وقولهم { إِنَّهمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ } سخرية بهم وبتطهرهم من الفواحش ، وافتخارا بما كانوا فيه من القذارة ، كما يقول الفسقة لبعض الصلحاء إذا وعظهم أبعدوا عنا هذا المتقشف وأريحونا من هذا المتزهد . ثم بين - سبحانه - ما آل إليه أمر الفريقين فقال { فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ ٱمْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ ٱلْغَابِرِينَ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَسَآءَ مَطَرُ ٱلْمُنذَرِينَ } . والغابر الباقى . يقال غبر الشىء يغبر غبورا . إذا بقى . أى فكانت عاقبة تلك المحاورة التى دارت بين لوط وقومه ، أن أنجينا لوطا وأهله الذين آمنوا معه ، { ٱمْرَأَتَهُ } فإننا لم ننجها لخبثها وعدم إيمانها ، فبقيت مع القوم الكافرين ، حيث قدرنا عليها ذلك بسبب كفرها وممالأتها لقومها . { وَأَمْطَرْنَا } على هؤلاء المجرمين { مَّطَراً } عظيما هائلا عجيبا أمره وهو حجارة من سجيل دمرتهم تدميرا { فَسَآءَ مَطَرُ ٱلْمُنذَرِينَ } أى فبئس العذاب عذابهم . وهكذا تكون عاقبة كل من آثر الكفر على الإِيمان ، والرذيلة على الفضيلة . وبعد هذا الحديث المتنوع عن قصص بعض الأنبياء ، ساق - سبحانه - ما يدل على وحدانيته ، وكمال قدرته ، وسعة فضله على عباده ، فقال - تعالى - { قُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ … } .