Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 28, Ayat: 1-6)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
سورة القصص من السور التى افتتحت ببعض الحروف الهجائية . وقد رجحنا أن هذه الحروف ، قد افتتحت بها بعض سور القرآن الكريم ، للإِيقاظ والتنبيه للذين تحداهم القرآن الكريم . فكأن الله - تعالى - يقول لهؤلاء المعارضين فى أن القرآن من عند الله - تعالى - هاكم القرآن ترونه مؤلفا من حروف هى من جنس الحروف الهجائية ، ومنظوما من كلام هو من جنس ما تؤلفون منه كلامكم . فإن كنتم فى شك فى كون هذا القرآن من عند الله ، فهاتوا مثله ، أو عشر سور من مثله أو سورة واحدة من مثله وادعوا من شئتم من الخلق لكى يعاونكم فى ذلك . فلما عجزوا - وهم أهل الفصاحة والبيان - ثبت أن غيرهم أعجز ، وأن هذا القرآن من عند الله - تعالى - . و { تِلْكَ } اسم إشارة ، والمشار إليه الآيات . والمراد بها آيات القرآن الكريم ، ويندرج فيها آيات هذه السورة التى معنا . { ٱلْكِتَابِ } مصدر كتب كالكتب . وأصله ضم أديم ألى آخر بالخياطة ، واستعمل عرفا فى ضم الحروف بعضها إلى بعض بالخط . والمراد به القرآن الكريم . و { ٱلْمُبِينِ } أى الواضح المظهر للحق من الباطل ، من أبان بمعنى أظهر . أى تلك الآيات التى أنزلناها عليك - أيها الرسول الكريم - هى آيات الكتاب المظهر للحق من الباطل ، والموضح للخير من الشر ، والكاشف عن حقائق الأمور ، وعن قصص الأولين . ثم بين - سبحانه - ما سيقصه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى هذه السورة فقال { نَتْلُواْ عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَىٰ وَفِرْعَوْنَ بِٱلْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } . وقوله - تعالى - { نَتْلُواْ } من التلاوة بمعنى القراءة المرتلة التى يقصد منها التذكير والإِرشاد . والنبأ الخبر العظيم المشتمل على أمور من شأنها أن يهتم الناس بها . وموسى - عليه السلام - هو ابن عمران بن يصهر بن ماهيث بن لاوى بن يعقوب - عليه السلام - وكانت ولادة موسى فى حوالى القرن الثالث عشر قبل الميلاد . وفرعون اسم كان يطلق فى القديم على كل ملك لمصر ، كما يقال لملك الروم قيصر ، ولملك اليمن تبع . ويرى كثير من المؤرخين أن فرعون مصر ، الذى ولد وبعث فى عهده موسى - عليه السلام - هو منفتاح ابن الملك رمسيس الثانى . قال الآلوسى ما ملخصه والظاهر أن { مِن } فى قوله { نَتْلُواْ عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَىٰ وَفِرْعَوْنَ … } تبعيضية . والجار والمجرور متعلق بمحذوف وقع صفة لمفعول { نَتْلُواْ } المحذوف . وقوله { ٱلْحَقِّ } حال من فاعل { نَتْلُواْ } أى نتلو ملتبسين بالحق ، أو من مفعوله ، أى نتلو شيئا من نبئهما ملتبسا بالحق … والمعنى نتلو عليك - أيها الرسول الكريم - تلاوة كلها حق وصدق ، شيئا عجيبا ، وخبرا هاما ، يتعلق بقصة موسى - عليه السلام - وبقصة فرعون . وقوله - سبحانه - { لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } أى نتلو عليك هذه الآيات ، لقوم يؤمنون بها ، وينتفعون بما اشتملت عليه من هدايات وعبر وعظات . وقوله - تعالى - { إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي ٱلأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً … } كلام مستأنف لتفصيل ما أجمله من النبأ . وقوله { عَلاَ فِي ٱلأَرْضِ } أى تكبر فيها وطغى ، من العلو بمعنى الارتفاع . والمقصود أنه جاوز كل حد فى غروره وظلمه وعدوانه . والمراد بالأرض أرض مصر وما يتبعها من بلاد . و { شِيَعاً } جمع شيعة ، وهم الأتباع والجماعات ، وكل قوم اجتمعوا على أمر فهم شيعته . أى إن فرعون طغى وبغى وتجبر فى الأرض ، وجعل أهلها شيعا وأتباعا له ، وصار يستعمل كل طائفة منهم ، فيما يريده من أمور دولته ، فهذه الطائفة للبناء ، وتلك للسحر ، وثالثة لخدمته ومناصرته على ما يريد … وجملة { يَسْتَضْعِفُ طَآئِفَةً مِّنْهُمْ } لبيان حال الذين جعلهم شيعا وأحزابا . والمراد بهذه الطائفة بنو إسرائيل . أى أنه بعد أن جعل أهل مملكته شيعا وأحزابا اختص طائفة منهم بالإِذلال والقهر والظلم ، فصار يذبح أبناءهم ويستحيى نساءهم . أى يذبح الذكور من بنى إسرائيل بمجرد ولادتهم ، ويترك الإِناث أحياء . قال الإِمام الرازى ما ملخصه وفى ذبح الذكور دون الإِناث مضرة من وجوه أحدهما أن ذبح الأبناء يقتضى فناء الرجال . وذلك يقتضى انقطاع النسل … ثانيها أن هلاك الذكور يقتضى فساد مصالح النساء فى المعيشة ، فإن المرأة لتتمنى الموت إذا انقطع عنها تعهد الرجال . ثالثها أن قتل الذكور عقب الحمل الطويل ، وتحمل الكد ، والرجاء القوى فى الانتفاع به ، من أعظم العذاب … رابعها أن بقاء النساء بدون الذكران من أقاربهن ، يؤدى إلى صيرورتهن مستفرشات للأعداء ، وذلك نهاية الذل والهوان . قالوا وإنما كان فرعون يذبح الذكور من بنى إسرائيل دون الإِناث . لأن الكهنة أخبروه ، بأن مولودا سيولد من بنى إسرائيل ، يكون ذهاب ملك فرعون على يده . وقوله - سبحانه - { إِنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ } تعليل وتأكيد لما كان عليه فرعون من تجبر وطغيان . أى إن فرعون كان من الراسخين فى الفساد والإِفساد ، ولذلك فعل ما فعل من ظلم لغيره ، ومن تطاول جعله يقول للناس { أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ } ثم بين - سبحانه - ما اقتضته إرادته وحكمته ، من تنفيذ وعيده فى القوم الظالمين ، مهما احتاطوا وحذروا ، ومن إنقاذه للمظلومين بعد أن أصابهم من الظلم ما أصابهم فقال { وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ ٱلْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي ٱلأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَحْذَرُونَ } . وقوله { نَّمُنَّ } من المن بمعنى التفضل ، ومنه قوله - تعالى - { لَقَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤمِنِينَ … } أى لقد تفضل عليهم ، وأحسن إليهم . وقوله { وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي ٱلأَرْضِ } من التمكين ، وأصله أن نجعل للشىء مكانا يستقر فيه ، ويحل به . ثم استعير للتسليط وللحصول على القوة بعد الضعف ، وللعز بعد الذل . وقوله { يَحْذَرُونَ } من الحذر ، بمعنى الاحتراس والاحتراز من الوقوع فى الأمر المخيف . يقال حذر فلان فلانا ، إذا خافه واحترس منه . قال الشوكانى والواو ، فى قوله { وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ } للعطف على جملة ، { إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي ٱلأَرْضِ } لأن بينهما تناسبا من حيث إن كل واحدة منهما ، للتفسير والبيان للنبأ . ويجوز أن تكون حالا من فاعل { يَسْتَضْعِفُ } بتقدير مبتدأ . أى ونحن نريد أن نمن على الذين استضعفوا فى الأرض … والأول أولى . والمعنى لقد طغا فرعون وبغى ، ونحن بإرادتنا وقدرتنا { وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ } ونتفضل على بنى إسرائيل ، الذين استضعفوا فى الأرض ، بأن ننجيهم من ظلمه ، وننقذهم من قهره وبغيه . { وَنَجْعَلَهُمُ ٱلْوَارِثِينَ } للأرض المباركة ، التى نعطيهم إياها متى آمنوا وأصلحوا ، كما قال - تعالى - { وَأَوْرَثْنَا ٱلْقَوْمَ ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ ٱلأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ ٱلْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ } وقوله - تعالى - { وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي ٱلأَرْضِ } أى ونجعلهم أقوياء راسخى الأقدام فى الأرض التى نورثهم إياها ، بعد القوم الظالمين . { وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا } أى ونطلع فرعون وهامان - وهو وزير فرعون - وجنودهما التابعين لهما { مِنْهُمْ } أى من بنى إسرائيل المستضعفين فى الأرض { مَّا كَانُواْ يَحْذَرُونَ } أى ما كانوا يحاولون دفعه واتقاءه ، فقد كان فرعون وجنده يقتلون الذكور من بنى إسرائيل ، خوفا من ظهور غلام منهم يكون هلاك فرعون على يده . قال ابن كثير أراد فرعون بحوله وقوته ، أن ينجو من موسى . فما نفعه ذلك ، بل نفذ الله - تعالى - حكمه . بأن يكون إهلاك فرعون على يد موسى ، بل يكون هذا الغلام الذى احترزت من وجوده - يا فرعون - ، وقتلت بسببه ألوفا من الولدان ، إنما منشؤه ومرباه على فراشك وفى دارك … وهلاكك وهلاك جندك على يديه ، لتعلم أن رب السموات العلا ، هو القاهر الغالب العظيم ، الذى ما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن . وهكذا تعلن السورة الكريمة فى مطلعها ، أن ما أراده الله - تعالى - لا بد أن يتم ، أمام أعين فرعون وجنده ، مهما احتاطوا ومهما احترسوا ، { وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } ثم فصل - سبحانه - الحديث عن موسى - عليه السلام - فذكر ما ألهمه لأمه عند ولادته . وما قالته امرأة فرعون له عند التقاط آل فرعون لموسى ، وما كانت عليه أم موسى من حيرة وقلق ، وما قالته لأخته ، وكيف رد الله - تعالى - بفضله وكرمه موسى إلى أمه … لنستمع إلى السورة الكريمة ، وهى تفصل هذه الأحداث ، بأسلوبها البديع المؤثر فتقول { وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ … } .