Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 28, Ayat: 7-13)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال الإِمام الرازى اعلم أنه - تعالى - لما قال { وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ } ابتدأ بذكر أوائل نعمه فى هذا الباب فقال { وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ } . والوحى إلى أم موسى ، يجوز أن يكون عن طريق الإِلهام ، كما فى قوله - تعالى - { وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَىٰ ٱلنَّحْلِ … } أو عن طريق المنام ، أو عن طريق إرسال ملك أخبرها بذلك . قال الآلوسى والظاهر أن الإِيحاء إليها كان بإرسال ملك ، ولا ينافى ذلك الإِجماع على عدم نبوتها ، لما أن الملائكة - عليهم السلام - قد ترسل إلى غير الأنبياء وتكلمهم . والظاهر - أيضا - أن هذا الإِيحاء كان بعد الولادة … وقيل كان قبلها … و { أَنْ } فى قوله { أَنْ أَرْضِعِيهِ } مفسرة ، لأن الوحى فيه معنى القول دون حروفه . والخوف حالة نفسية تعترى الإِنسان ، فتجعله مضطرب المشاعر ، لتوقعه حصول أمر يكرهه . والحزن اكتئاب نفسى يحدث للإِنسان من أجل وقوع ما يكرهه ، كموت عزيز لديه . أو فقده لشىء يحبه . وفى الكلام حذف يعرف من السياق ، والتقدير وحملت أم موسى به فى الوقت الذى كان فرعون يذبح الأبناء ، ويستحيى النساء ، وأخفت حملها عن غيرها ، فلما وضعته أصابها ما أصابها من خوف وفزع على مصير ابنها ، وهنا ألهمناها بقدرتنا وإرادتنا . وقذفنا فى قلبها أن أرضعيه فى خفاء وكتمان { فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ } من فرعون وحاشيته أن يقتلوه كما قتلوا غيره من أبناء بنى إسرائيل . { فَأَلْقِيهِ فِي ٱليَمِّ } أى فى البحر والمراد به نهر النيل ، وسمى بحرا لاتساعه ، وإن كان الغالب إطلاق البحر على المياه غير العذبة . { وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِيۤ } أى ولا تخافى عليه من حصول مكروه له ، ولا تحزنى لمفارقته لك ، فهو فى رعايتنا وحمايتنا ، ومن رعاه الله - تعالى - وحماه ، فلا خوف عليه ولا حزن . وجملة { إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } تعليل للنهى عن الخوف والحزن ، وتبشير لها بأن ابنها سيعود إليها ، وسيكون من رسل الله - عز وجل - . قال صاحب الكشاف فإن قلت ما المراد بالخوفين - فى الآية - حتى أوجب أحدهما ونهى عن الآخر ؟ . قلت أما الأول ، فالخوف عليه من القتل ، لأنه كان إذا صاح خافت أن يسمع الجيران صوته ، فينموا عليه . وأما الثانى فالخوف عليه من الغرق ومن الضياع ، ومن الوقوع فى يد بعض العيون المبثوتة من قبل فرعون فى تطلب الولدان . فإن قلت ما الفرق بين الخوف والحزن ؟ قلت الخوف ، غم يلحق الإِنسان لشىء متوقع . والحزن غم يلحقه لشىء وقع ، فنهيت عنهما جميعا وأومنت بالوحى إليها ، ووعدت بما يسليها ، ويطمئن قلبها ، ويملؤها غبطة وسرورا ، وهو رده إليها . وجعله من المرسلين . وهكذا نجد الآية الكريمة قد اشتملت على أبلغ الأساليب وأبدعها ، فى بيان قدرة الله - تعالى - ورعايته لمن يريد رعايته . قالوا مدح الأصمعى امرأة لإِنشادها شعرا حسنا ، فقرأت هذه الآية الكريمة قم قالت له أبعد هذه الآية فصاحة ، لقد اشتملت على أمرين وهما { أَرْضِعِيهِ } { فَأَلْقِيهِ } ونهيين وهما { لاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِيۤ } وخبرين { إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } وبشارتين فى ضمن الخبرين وهما الرد والجعل المذكوران . والفاء فى قوله { فَٱلْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً … } هى الفصيحة . والالتقاط وجود الشىء والحصول عليه من غير طلب ولا قصد . والمراد بآل فرعون جنوده وأتباعه الذين عثروا على التابوت الذى به موسى ، وحملوه إلى فرعون . والحزن - بالتحريك ، وبضم فسكون - نقيض السرور ، وفعله كفرح . يقال حزنه الأمر وأحزنه أى جعله حزينا . واللام فى قوله { لِيَكُونَ … } هى لام العاقبة والصيرورة . قال القرطبى قوله - تعالى - { فَٱلْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً } لما كان التقاطهم إياه يؤدى إلى كونه عدوا لهم وحزنا ، فاللام فى { لِيَكُونَ } لام العاقبة والصيرورة ، لأنهم إنما أخذوه ليكون لهم قرة عين ، فكان عاقبة ذلك أن كان لهم عدوا وحزنا ، فذكر الحال بالمآل كما فى قول الشاعر @ وللمنايا تربى كل مرضعة ودورنا لخراب الدهر نبنيها @@ أى فعاقبة البناء الخراب ، وإن كان فى الحال مفروحا به . ويرى بعضهم أن اللام هنا يصح أن تكون للتعليل ، بمعنى ، أن الله - تعالى - سخر بمشيئته وإرادته فرعون وآله . لالتقاط موسى ، ليجعله لهم عدوا وحزنا ، فكأنه - سبحانه - يقول قدرنا عليهم التقاطه بحكمتنا وإرادتنا ، ليكون لهم عدوا وحزنا . إلى هذا المعنى أشار الإِمام ابن كثير بقوله قال محمد بن إسحاق وغيره اللام هنا لام العاقبة لا لام التعليل ، لأنهم لم يريدوا بالتقاطه ذلك - أى لم يريدوا بالتقاطه العداوة والحزن - ، ولا شك أن ظاهر اللفظ يقتضى ما قالوا . ولكن إذا نظرنا إلى معنى السياق ، فأنه نبقى اللام للتعليل ، لأن معناه أن الله - تعالى - قيضهم لالتقاطه ليجعله لهم عدوا وحزنا ، فيكون أبلغ فى إبطال حذرهم منه . ومع وجاهة الرأيين ، إلا أننا نميل إلى الرأى الثانى ، لأنه - كما قال الإِمام ابن كثير - أبلغ فى إبطال حذرهم منه ، ولأن قوله - تعالى - { إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُواْ خَاطِئِينَ } يشير إلى أن اللام للتعليل … والمعنى ونفذت أم موسى ما أوحيناه إليها ، فأرضعت ابنها موسى وألقته فى اليم حين خافت عليه القتل ، فالتقطه آل فرعون من اليم ، ليكون لهم عدوا وحزنا ، وليعلموا أن ما أردناه لا بد أن يتم مهما احترسوا واحتاطوا وحذروا ، فما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن . وقوله - تعالى - { إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُواْ خَاطِئِينَ } تعليل لما قبله ، و { خَاطِئِينَ } أى مرتكبين للخطيئة التى هى الذنب العظيم ، كقوله - تعالى - فى قوم نوح - عليه السلام - { مِّمَّا خَطِيۤئَاتِهِمْ أُغْرِقُواْ فَأُدْخِلُواْ نَاراً … } وكقوله - سبحانه - فى شأن الكافرين { بَلَىٰ مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـۤئَتُهُ فَأُوْلَـۤئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } أى فعلنا ما فعلنا من جعل موسى عدوا وحزنا لفرعون وآله ، لأن فرعون ووزيره هامان ، وجنودهما الذين يناصرونهما ، كانوا مرتكبين للذنوب العظيمة فى كل ما يأتون ويذرون ، ومن مظاهر ذلك قتلهم لذكور بنى إسرائيل ، وإبقاؤهم لإِناثهم . وقوله - سبحانه - { وَقَالَتِ ٱمْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لاَ تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَن يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً … } بيان لما أنطق الله به امرأة فرعون للدفاع عن موسى - عليه السلام - . قال الجمل وامرأة فرعون هى آسيا بنت مزاحم ، وكانت من خيار النساء ، ومن بنات الأنبياء ، وكانت أما للمساكين ترحمهم وتتصدق عليهم . ويكفى فى مدحها قوله - تعالى - { وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱمْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ٱبْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي ٱلْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } أى وقالت امرأة فرعون بعد أن أخرج موسى من التابوت ، ورأته بين أيدى فرعون وآله { قُرَّةُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ } أى هذا الطفل هو قرة عين لى ولك ، أى هو محل السرور والفرح لعينى ولعينك يا فرعون . فالجملة الكريمة كناية عن السرور به ، إذ لفظ { قُرَّةُ } مأخوذ من القرار بمعنى الاستقرار ، وذلك لأن العين إذا رأت ما تحبه ، استقر نظرها عليه ، وانشغلت به عن غيره . ثم أضافت إلى ذلك قولها { لاَ تَقْتُلُوهُ } والخطاب لفرعون وجنده . ثم عللت النهى عن قتله بقولها { عَسَىٰ أَن يَنْفَعَنَا } فى مستقبل حياتنا ، فنجنى من ورائه خيرا . { أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً } لنا ، فإن هيئته وصورته تدل على النجابة والجمال واليمن وهكذا شاءت إرادة الله - تعالى - ، أن تجعل امرأة فرعون ، سببا فى إنقاذ موسى من القتل ، وفى أن يعيش فى بيت فرعون ، ليكون له فى المستقبل عدوا وحزنا . وقوله - تعالى - { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } جملة حالية ، أى فعلوا ما فعلوا والحال أنهم لا يشعرون أن هلاكهم سيكون على يديه . والظاهر أن هذه الجملة من كلام الله - تعالى - ، وليست حكاية لما قالته امرأة فرعون . ثم صورت السورة الكريمة تصويرا بديعا مؤثرا ، ما كانت عليه أم موسى من لهفة وقلق ، بعد أن فارقها ابنها ، فقال - تعالى - { وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغاً } أى وبعد أن ألقت أم موسى به فى اليم ، والتقطه آل فرعون ، وعلمت بذلك أصبح قلبها وفؤادها خاليا من التفكير فى أى شىء فى هذه الحياة ، إلا فى شىء واحد وهو مصير ابنها موسى - عليه السلام - . وفى هذا التعبير ما فيه من الدقة فى تصوير حالتها النفسية ، حتى لكأنها صارت فاقدة لكل شىء فى قلبها سوى أمر ابنها وفلذة كبدها . قال ابن كثير قوله - تعالى - { وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغاً } من كل شىء من أمور الدنيا إلا من موسى . قال ابن عباس ، ومجاهد ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، والحسن البصرى ، وقتادة … وغيرهم . و { إِن } فى قوله - تعالى - { إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ } هى المخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن ، وتبدى بمعنى تظهر ، من بدا الشىء يبدو بدوا وبداء إذا ظهر ظهورا واضحا . والضمير فى { بِهِ } يعود إلى موسى - عليه السلام - . أى وصار فؤاد أم موسى فارغا من كل شىء سوى التكفير فى مصيره ، وإنها كادت لتصرح للناس بأن الذى التقطه آل فرعون ، هو ابنها ، وذلك لشدة دهشتها وخوفها عليه من فرعون وجنده . وجواب الشرط فى قوله - تعالى - { لَوْلاۤ أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا } محذوف دل عليه ما قبله . أى لولا أن ربطنا على قلبها بقدرتنا وإرادتنا . بأن ثبتناه وقويناه ، لأظهرت للناس أن الذى التقطه آل فرعون هو ابنها . وأصل الربط الشد والتقوية للشىء . ومنه قولهم فلان رابط الجأش ، أى قوى القلب . وقوله - تعالى - { لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } علة لتثبيت قلبها وتقويته ، فهو متعلق بقوله { رَّبَطْنَا } . أى ربطنا على قلبها لتكون من المصدقين بوعد الله - تعالى - ، وأنه سيرد إليها ابنها ، كى تقر عينها ولا تحزن . ثم بين - سبحانه - ما فعلته أم موسى بعد ذلك فقال { وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ … } أى لم تسكت أم موسى بعد أن علمت بالتقاط آل فرعون له ، بل قالت لأخت موسى { قُصِّيهِ } أى تتبعى أثره وخبره وما آل إليه أمره . يقال قص فلان أثر فلان فهو يقصه ، إذا تتبعه ، ومنه القصص للأخبار المتتبعة . والفاء فى قوله - سبحانه - { فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ } هى الفصيحة . والجنب الجانب . أى فقصت أخت موسى أثره ، فأبصرته عن جانب منها ، وكأنها لا تريد أن تطلع أحدا على أنها تبحث عن أخيها . وتتبع أثره والجار والمجرور حال من الفاعل ، أى بصرت به مستخفية كائنة عن جنب . قال الآلوسى { عَن جُنُبٍ } أى عن بعد ، وقيل عن شوق إليه … وقال الكرمانى { جُنُبٍ } صفة لموصوف محذوف ، أى عن مكان جنب بعيد وكأنه من الأضداد ، فإنه يكون بمعنى القريب - أيضا - كالجار الجنب . وقيل على جانب … وقيل النظر عن جنب ، أن تنظر الشىء كأنك لا تريده . والتعبير بقوله - تعالى - { فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ } يشعر بأن أخت موسى أبصرت أخاها إبصارا فيه مخادعة لآل فرعون ، حتى لا تجعلهم يشعرون بأنها تبحث عنه . ويشهد لذلك قوله - تعالى - { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } أى وهم - أى آل فرعون - لا يشعرون أنها أخته تبحث عنه وتتبع أخباره . ثم بين - سبحانه - مظهرا من مظاهر حكمته وقدرته وتدبيره لأمر موسى كى يعود إلى أمه ، فقال - تعالى - . { وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ … } . والمراد بالتحريم هنا المنع ، والمراضع جمع مرضع - بضم الميم وكسر الضاد - وهى المرأة التى ترضع . أى ومنعنا موسى بقدرتنا وحكمتنا من أن يرضع من المرضعات وكان ذلك من قبل أن تعلم بخبره أمه وأخته . قال ابن كثير قوله - تعالى - { وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ } أى تحريما قدريا ، وذلك لكرامة الله له ، صانه عن أن يرتضع غير ثدى أمه ، لأنه - سبحانه - جعل ذلك سببا إلى رجوعه إلى أمه ، لترضعه وهى آمنة بعد أن كانت خائفة … وقوله - سبحانه - { فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ } حكاية لما قالته أخت موسى لفرعون وحاشيته ، والاستفهام للتحضيص . أى وبعد أن بصرت أخت موسى به عن جنب ، ورأت رفضه للمراضع ، وبحثهم عمن يرضعه ، قالت { هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ } أى يقومون بتربيته وإرضاعه من أجل راحتكم وراحته ، { وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ } أى وهم لا يمنعونه ما ينفعه فى تربيته وغذائه ، ولا يقصرون فيما يعود عليه بالخير والعافية . وقوله - سبحانه - { فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلاَ تَحْزَنَ } معطوف على كلام محذوف ، والتقدير فسمعوا منها ما قالت ، ودلتهم على أمه ، فرددناه إليها ، كى يطمئن قلبها وتقر عينها برجوع ولدها إليها ، ولا تحزن لفراقه . ولتعلم أن وعد الله - تعالى - حق ، أى أن وعده - سبحانه - لا خلف فيه ، بل هو كائن لا محالة . { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } أى ولكن أكثر الناس لا يعلمون هذه الحقيقة حق العلم ، ولذا يستعجلون الأمور ، دون أن يفطنوا إلى حكمته - سبحانه - فى تدبير أمر خلقه . وبذلك نرى هذه الآيات قد صاغت لنا بأبلغ أسلوب ، جانبا من حياة موسى - عليه السلام - ، ومن رعاية الله - تعالى - له ، وهو ما زال فى سن الرضاعة . ثم قص علينا - سبحانه - جانبا من حياة موسى - عليه السلام - بعد أن بلغ أشده واستوى ، فقال - تعالى - { وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ … } .