Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 28, Ayat: 29-35)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

المراد بالأجل فى قوله - تعالى - { فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى ٱلأَجَلَ … } المدة التى قضاها موسى أجيرا عند الشيخ الكبير ، بجهة مدين . والمعنى ومكث موسى عشر سنين فى مدين ، فلما قضاها وتزوج بإحدى ابنتى الشيخ الكبير ، استأذن منه { وَسَارَ بِأَهْلِهِ } أى وسار بزوجته متجها إلى مصر ليرى أقاربه وذوى رحمه ، أو إلى مكان آخر قيل هو بيت المقدس . { آنَسَ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ نَاراً } ولفظ { آنَسَ } من الإِيناس ، وهو إبصار الشىء ورؤيته بوضوح لا التباس معه ، حتى لكأنه يحسه بجانب رؤيته له . أى وخلال سيره بأهله إلى مصر ، رأى بوضوح و جلاء { مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ نَاراً } . أى رأى من الجهة التى تلى جبل الطور نارا عظيمة . قال الآلوسى " استظهر بعضهم أن المبصر كان نورا حقيقة ، إلا أنه عبر عنه بالنار ، اعتبارا لاعتقاد موسى - عليه السلام - ، وقال بعضهم كان المبصر فى صور النار الحقيقية ، وأما حقيقته ، فوراء طور العقل ، إلا أن موسى - عليه السلام - ظنه النار المعروفة " . وقوله - سبحانه - { قَالَ لأَهْلِهِ ٱمْكُثُوۤاْ إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً … } حكاية لما قاله موسى - عليه السلام - لزوجته ومن معها عندما أبصر النار . أى عندما أبصر موسى النار بوضوح وجلاء { قَالَ لأَهْلِهِ ٱمْكُثُوۤاْ } فى مكانكم { إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً } على مقربة منى وسأذهب إليها . { لَّعَلِّيۤ آتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ } ينفعنا فى مسيرتنا ، { أَوْ } أقتطع لكم منها { جَذْوَةٍ مِّنَ ٱلنَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ } . قال الجلم قرأ حمزة { أَوْ جُذْوَةٍ } بضم الجيم . وقرأ عاصم بالفتح ، وقرأ الباقون بالكسر ، وهى لغات فى العود الذى فى رأسه نار ، هذا هو المشهور . وقيده بعضهم فقال فى رأسه نار من غير لهب ، وقد ورد ما يقتضى اللهب فيه ، وقيل الجذوة العود الغليظ سواء أكان فى رأسه نار أم لم يكن . وليس المراد هنا إلا ما فى رأسه نار . وقوله { تَصْطَلُونَ } من الاصطلاء بمعنى الاقتراب من النار للاستدفاء بها من البرد . والطاء فيه مبدلة من تاء الافتعال . أى قال موسى لأهله امكثوا فى مكانكم حتى أرجع إليكم ، فإنى أبصرت نارا سأذهب إليها ، لعلى آتيكم من جهتها بخبر يفيدنا فى رحلتنا ، أو أقتطع لكم منها قطعة من الجمر ، كى تستدفئوا بها من البرد . قال ابن كثير ما ملخصه وكان ذلك بعدما قضى موسى الأجل الذى كان بينه وبين صهره فى رعاية الغنم ، وسار بأهله . قيل قاصدا بلاد مصر بعد أن طالت الغيبة عنها أكثر من عشر سنين ، ومعه زوجته ، فأضل الطريق ، وكانت ليلة شاتية . ونزل منزلا بين شعاب وجبال ، فى برد وشتاء ، وسحاب وظلام وضباب وجعل يقدح بزند معه ليورى نارا - أى ليخرج نارا - كما جرت العادة به ، فجعل لا يقدح شيئا ، ولا يخرج منه شرر ولا شىء ، فبينما هو كذلك إذ آنس من جانب الطور نارا . … ثم بين - سبحانه - ما حدث لموسى بعد أن وصل إلى الجهة التى فيها النار فقال - تعالى - { فَلَمَّآ أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِىءِ ٱلْوَادِي ٱلأَيْمَنِ فِي ٱلْبُقْعَةِ ٱلْمُبَارَكَةِ مِنَ ٱلشَّجَرَةِ أَن يٰمُوسَىٰ إِنِّيۤ أَنَا ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } . والضمير فى " أتاها " ، يعود إلى النار التى رآها ، وشاطىء الوادى جانبه ، والأيمن صفته . أى فحين أتى موسى - عليه السلام - إلى النار التى أبصرها ، { نُودِيَ مِن شَاطِىءِ ٱلْوَادِي ٱلأَيْمَنِ } أى سمع نداء من الجانب الأيمن بالنسبة له ، أى لموسى وهو يسير إلى النار التى رآها ، فمن لابتداء الغاية . ويرى بعضهم أن المراد بالأيمن . أى المبارك ، مأخوذ من اليمن بمعنى البركة . وقوله { فِي ٱلْبُقْعَةِ ٱلْمُبَارَكَةِ } متعلق بقوله { نُودِيَ } أو بمحذوف حال من الشاطىء . وقوله { مِنَ ٱلشَّجَرَةِ } بدل اشتمال من شاطىء الوادى ، فإنه كان مشتملا عليها . والبقعة اسم للقطعة من الأرض التى تكون غير هيئة القطعة المجاورة لها وجمعها بقع بضم الباء وفتح القاف - وبقاع . ووصفت بالبركة لما وقع فيها من التكليم والرسالة لموسى ، و إظهار المعجزات والآيات على يديه . أى فلما اقترب موسى من النار ، نودى من ذلك المكان الطيب ، الكائن على يمينه وهو يسير إليه . والمشتمل على البقعة المباركة من ناحية الشجرة . ولعل التنصيص على الشجرة ، للإِشارة إلى أنها كانت الوحيدة فى ذلك المكان . و { أَن } فى قوله - تعالى - { أَن يٰمُوسَىٰ إِنِّيۤ أَنَا ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } تفسيرية ، لأن النداء قول . أى نودى أن يا موسى تنبه وتذكر إنى أنا الله رب العالمين . قال الإِمام ابن كثير وقوله - تعالى - { أَن يٰمُوسَىٰ إِنِّيۤ أَنَا ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } أى الذى يخاطبك ويكلمك هو رب العالمين ، الفعال لما يشاء لا إله غيره . ولا رب سواه ، تعالى وتقدس وتنزه عن مماثلة المخلوقات فى ذاته وصفاته وأقواله - سبحانه - . قوله - سبحانه - { وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ } معطوف على قوله { أَن يٰمُوسَىٰ } فكلاهما مفسر للنداء ، والفاء فى قوله { فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ } فصيحة . والمعنى نودى أن يا موسى إنى أنا الله رب العالمين ، ونودى أن ألق عصاك ، فألقاها . { فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ } أى تضطرب بسرعة { كَأَنَّهَا جَآنٌّ } أى كأنها فى سرعة حركتها وشدة اضطرابها { جَآنٌّ } أى ثعبان يدب بسرعة ويمرق فى خفة ولى مدبرا ولم يعقب . أى ولى هاربا خوفا منها ، دون أن يفكر فى العودة إليها . ليتبين ماذا بها ، وليتأمل ما حدث لها . يقال عقب المقاتل إذا كر راجعا إلى خصمه ، بعد أن فر من أمامه . وهنا جاءه النداء مرة أخرى ، فى قوله - تعالى - { يٰمُوسَىٰ أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ ٱلآمِنِينَ } . أى يا موسى أقبل نحو المكان الذى كنت فيه ، ولا تخف مما رأيته ، إنك من عبادنا الآمنين عندنا ، المختارين لحمل رسالتنا . ثم أمره - سبحانه - بأمر آخر فقال { ٱسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ … } . ولفظ { ٱسْلُكْ } من السلك - بتشديد السين مع الفتح - بمعنى إدخال الشىء فى الشىء . أى أدخل يدك يا موسى فى فتحة ثوبك ، تخرج بيضاء من غير سوء مرض أو عيب { وَٱضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ ٱلرَّهْبِ } والجناح اليد ، والرهب الخوف والفزع . والمقصود بالجملة الكريمة { وَٱضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ ٱلرَّهْبِ } إرشاد موسى إلى ما يدخل الطمأنينة على قلبه ، ويزيل خوفه . والمعنى افعل يا موسى ما أمرناك به ، فإذا أفزعك أمر يدك وما تراه من بياضها وشعاعها ، فأدخلها فى فتحة ثوبك ، تعد إلى حالتها الأولى . وإذا انتابك خوف عند معاينة الحية ، فاضمم يدك إلى صدرك ، يذهب عنك الخوف . قال صاحب الكشاف فإن قلت ما معنى قوله { وَٱضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ ٱلرَّهْبِ } ؟ قلت فيه معنيان ، أحدهما أن موسى - عليه السلام - لما قلب الله العصا حية فزع واضطرب ، فاتقاها بيده ، كما يفعل الخائف من الشىء ، فقيل له إن اتقاءك بيدك فيه غضاضة - أى منقصة - عند الأعداء فإذا ألقيتها فعندما تنقلب حية ، فأدخل يدك تحت عضدك مكان اتقائك بها ، ثم أخرجها بيضاء ليحصل الأمران اجتناب ما هو غضاضة عليك ، وإظهار معجزة أخرى . والثانى أن يراد بضم جناحه إليه ، تجلده وضبط نفسه ، وتشدده عند انقلاب العصا حية ، حتى لا يضطرب ولا يرهب … واسم الإِشارة فى قوله ، فذانك برهانان من ربك إلى فرعون وملئه … يعود إلى العصا واليد . والتذكير لمراعاة الخبر وهو { بُرْهَانَانِ } والبرهان الحجة الواضحة النيرة التى تلجم الخصم ، وتجعله لا يستطيع معارضتها . أى فهاتان المعجزتان اللتان أعطيناك إياهما يا موسى ، وهما العصا واليد ، حجتان واضحتان كائنتان { مِن رَّبِّكَ } فاذهب بهما إلى { فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ } لكى تبلغهم رسالتنا ، وتأمرهم بإخلاص العبادة لنا . { إِنَّهُمْ } أى فرعون وملئه { كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ } أى خارجين من الطاعة إلى المعصية . ومن الحق إلى الباطل . وهنا تذكر موسى ما كان بينه وبين فرعون وقومه من عداوة ، فقال { رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ } إذا ذهبت إليهم بهذه الآيات . وهو عليه السلام - لا يقول ذلك ، هروبا من تبليغ رسالة الله - تعالى - وإنما ليستعين برعايته - عز وجل - وبحفظه . عندما يذهب إلى هؤلاء الأقوام الفاسقين . ثم أضاف إلى ذلك قوله { وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً } أى هو أقدر منى على المدافعة عن الدعوة وعلى تبيان الحق وتوضيحه . { فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ } والردء العون والنصير . يقال ردأته على عدوه وأردأته ، إذا أعنته عليه ، وردأت الجدار إذا قويته بما يمنعه من أن ينقض . أى فأرسل أخى هارون معى إلى هؤلاء القوم ، لكى يساعدنى ويعيننى على تبليغ رسالتك ، ويصدقنى فيما سأدعوهم إليه ، ويخلفنى إذا ما اعتدى على . { إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ } إذا لم يكن معى أخى هارون يعيننى ويصدقنى . والمتأمل فى هذا الكلام الذى ساقه الله - تعالى - على لسان موسى - عليه السلام - يرى فيه إخلاصه فى تبليغ رسالة ربه ، وحرصه على أن يؤتى هذا التبليغ ثماره الطيبة على أكمل صورة ، وأحسن وجه . قال صاحب الكشاف فإن قلت تصديق أخيه ما الفائدة فيه ؟ قلت ليس الغرض بتصديقه أن يقول له صدقت ، أو يقول للناس صدق أخى ، وإنما هو أن يلخص بلسانه الحق ، ويبسط القول فيه ، ويجادل به الكفار كما يصدق القول بالبرهان . وفضل الفصاحة إنما يحتاج إليه لذلك ، لا لقوله صدقت ، فإن سحبان وباقلا يستويان فيه . ثم حكى القرآن بعد ذلك ، أن الله - تعالى - قد أجاب لموسى رجاءه فقال { قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ } . شد العضد كناية عن التقوية له ، لأن اليد تشتد وتقوى ، بشدة العضد وقوته . وهو من المرفق إلى الكتف . أى قال - سبحانه - لقد استجبنا لرجائك يا موسى ، وسنقويك ونعينك بأخيك { وَنَجْعَلُ لَكُمَا } بقدرتنا ومشيئتنا { سُلْطَاناً } أى حجة وبرهانا وقوة تمنع الظالمين { فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا } بأذى ولا يتغلبان عليكما بحجة . وقوله { بِآيَاتِنَآ } متعلق بمحذوف . أى فوضا أمركما إلى ، واذهبا إلى فرعون وقومه بآياتنا الدالة على صدقكما . وقوله - تعالى - { أَنتُمَا وَمَنِ ٱتَّبَعَكُمَا ٱلْغَالِبُونَ } مؤكد لمضمون ما قبله . من تقوية قلب موسى ، وتبشيره بالغلبة والنصر على أعدائه . أى أجبنا طلبك يا موسى ، وسنقويك بأخيك ، فسيرا إلى فرعون وقومه ، فسنجعل لكما الحجة عليهم . وستكونان أنتما ومن اتبعكما من المؤمنين أصحاب الغلبة والسلطان على فرعون وجنده . ونفذ موسى وهارون - عليهما السلام - أمر ربهما - عز وجل - فذهبا إلى فرعون ليبلغاه دعوة الحق ، وليأمراه بإخلاص العبادة لله - تعالى - . وتحكى الآيات الكريمة بعد ذلك ما دار بين موسى وبين فرعون وقومه من محاورات ومجادلات ، انتهت بانتصار الحق ، وهلاك الباطل … تحكى الآيات كل ذلك فتقول { فَلَمَّا جَآءَهُم … } .