Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 29, Ayat: 18-23)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال صاحب الكشاف وهذه الآية - وهى قوله - تعالى - { وَإِن تُكَذِّبُواْ } والآيات التى بعدها إلى قوله { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ … } محتملة أن تكون من جملة قول إبراهيم - صلوات الله عليه - لقومه ، وأن تكون آيات وقعت معترضة فى شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وشأن قريش ، بين أول قصة إبراهيم وآخرها . فإن قلت إذا كانت من قول إبراهيم ، فما المراد بالأمم من قبله ؟ قلت المراد بهم قوم شيث وإدريس ونوح وغيرهم ، وكفى بقوم نوح أمة فى معنى أمم جَمة مكذبة … " . وقال الإِمام ابن كثير والظاهر من السياق أن كل هذه الآيات ، من كلا إبراهيم الخليل - عليه السلام - ، يحتج عليهم لإِثبات المعاد ، لقوله بعد هذا كله { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ } وقوله - سبحانه - { وَإِن تُكَذِّبُواْ … } معطوف على محذوف ، والتقدير إن تطيعونى - أيها الناس - فقد فزتم ونجوتم ، وإن تكذبونى فيما أخبرتكم به ، فلستم بدعا فى ذلك ، فقد كذب أمم من قبلكم رسلهم ، فكانت عاقبة المكذبين خسرا . ثم بين لهم إبراهيم - عليه السلام - وظيفة فقال { وَمَا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ } أى لقد بلغتكم رسالة ربى ونصحت لكم ، وتلك هى وظيفتى التى كلفنى بها ربى ، وليس على سواها ، أما الحساب والجزاء فمرده إلى الله تعالى وحده . ثم ساق - سبحانه - ما يدل على أن البعث حق ، وأنه - تعالى - لا يعجزه شئ ، فقال { أَوَلَمْ يَرَوْاْ كَيْفَ يُبْدِئُ ٱللَّهُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ } . والاستفهام لتوبيخهم على إنكارهم هذه الحقيقة ، وعدم تعلقهم لما يدل عليها دلالة واضحة ، والواو للعطف على مقدر . والمعنى ألم ينظر هؤلاء المشركون المنكرون للبعث ، ويعلموا كيف خلق الله - تعالى - الخلق ابتداء ، ليستدلوا بذلك على قدرته على الإِعادة ، وهى أهون عليه . إنهم ليرون كيف يبدئ الله الخلق فى النبتة النامية ، وفى الشجرة الباسقة ، وفى كل ما لم يكن ، ثم بعد ذلك يكون ، فكيف أنكروا إعادة هذا المخلوق إلى الحياة مرة أخرى ، مع أنه من المسلم عند كل ذى عقل ، أن الإِعادة أيسر من الخلق ابتداء ؟ فالآية الكريمة تقرعهم على إنكارهم البعث ، وتسوق لهم الأدلة الواضحة على إمكانيته . واسم الإِشارة فى قوله { إِنَّ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } يعود إلى ما ذكر من الأمرين وهما بدء الخلق ، وإعادته إلى الحياة مرة أخرى . أى إن ذلك الذى ذكرناه لكم من خلقكم ابتداء ، ثم إعادتكم إلى الحياة بعد موتكم ، يسير وهين على الله ، لأنه - سبحانه - لا يعجزه شئ . ثم أمر - سبحانه - رسوله صلى الله عليه وسلم أن يلفت أنظار قومه إلى التأمل والتدبر فى أحوال هذا الكون ، لعل هذا التأمل يديهم إلى الحق فقال { قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ ٱللَّهُ يُنشِىءُ ٱلنَّشْأَةَ ٱلآخِرَةَ . . } . أى قل - أيها الرسول الكريم - لهؤلاء المنكرين للبعث سيحوا فى الأرض ، وتتبعوا أحوال الخلق ، وتأملوا كيف خلقهم الله - تعالى - ابتداء على أطوار مختلفة ، وطبائع متمايزة . وأحوال شتى … ثم قل لهم بعد كل ذلك ، الله الذى خلق الخلق ابتداء على تلك الصور المتنوعة المتكاثرة ، هو وحده الذى { يُنشِىءُ ٱلنَّشْأَةَ ٱلآخِرَةَ } أى هو وحده الذى ينشئهم ويخلقهم ويعيدهم إلى الحاية مرة أخرى ، بعد أن أوجدهم فى المرة الأولى . فجملة { ثُمَّ ٱللَّهُ يُنشِىءُ ٱلنَّشْأَةَ ٱلآخِرَةَ } معطوفة على قوله { سِيرُواْ … } وداخلة معها فى حيز القول … والكيفية في هذه الآية باعتبار بدء الخلق على أطوار شتى ، وصور متعددة … وفى الآية السابقة وهى قوله { أَوَلَمْ يَرَوْاْ كَيْفَ يُبْدِئُ ٱللَّهُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ } باعتبار بدء الخلق من مادة وغيرها . والمقصود بالأمر بالسير التدبر والتأمل والاعتبار ، لأن من شأن التنقل فى جنبات الأرض ، أنه يوقظ الحس ، ويبعث على التفكير ، ويفتح العين والقلب على المشاهدة الجديدة التى لم تألفها العين ، ولم يتأملها القلب قبل ذلك . وجاء الأمر بالسير عاما ، لأن كل إنسان - فى كل زمان ومكان - يأخذ وجوه العبرة والعظة - عن طريق هذا السير ما يتناسب مع عقله ، وثقافته ، وبيئته ، وفكره ، ومستواه المادى ، والاجتماعى ، والحضارى … وقوله - سبحانه - { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } تعليل لما قبله . أى هو - سبحانه - قادر على النشأة الأولى ، وعلى النشأة الآخرة ، لأن قدرته لا يعجزها شئ ولا يحول دون نفاذها حائل . وهو - سبحانه - { يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ } ويرحم من يشاء برحمته ، { وَإِلَيْهِ } وحده لا إلى غيره { تُقْلَبُونَ } أى ترجعون جميعا فيحاسبكم على أعمالكم . { وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ } أى وما أنتم - أيها الناس - بقادرين على أن تفلتوا أو تهربوا من لقاء الله - تعالى - ومن حسابه ، سواء أكنتم فى الأرض ، أم كنتم فى السماء ، إذ ليست هناك قوة فى هذا الوجود تحول بينكم وبين الانقلاب إليه - سبحانه - والوقوف بين يديه للحساب والجزاء . قال الشوكانى { وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ } قال الفراء ولا من فى السماء بمعجزين الله فيها … والمعنى أنه لا يعجزه - سبحانه - أهل الأرض ولا أهل السماء فى السماء لو كنتم فيها ، كما تقول لا تفوتنى فلان هاهنا ولا بالبصرة . يعنى ولا بالبصرة لو صار إليها … " . وقوله - سبحانه - { وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } مؤكد لما قبله . أى لستم بقادرين على الهرب من لقاء الله - تعالى - . فى الآخرة . وليس سواه ناصر ينصركم ، أو من قريب يدفع عنكم حكمه وقضاءه - سبحانه - . ثم بين - سبحانه - مصير الكافرين فقال { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ } الدالة على وحدانيته وقدرته ، وعلى ذاته وصفاته … وكفروا - أيضا - بالأدلة الدالة على { لِقَآئِهِ } بأن أنكروا البعث والحساب والجزاء { أُوْلَـٰئِكَ } الذين كفروا بكل ذلك { يَئِسُواْ مِن رَّحْمَتِي } أى انقطع أملهم فى رحمتى إياهم انقطاعا تاما وعبر - سبحانه - بالماضى لدلالة علمه التام على تحقق وقوع هذا اليأس ، وفقدان الأمل عند هؤلاء الكافرين وقت أن يقفوا بين يديه للحساب ، بسبب كفرهم وسوء أعمالهم . وأضاف - عز وجل - الرحمة إليه ، للإِشارة إلى سبقها لغضبه ، وأنها تشمل عبادة المؤمنين . { أُوْلَـٰئِكَ } أى الذين كفروا بآيات الله وبلقائه { لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } لا يعلم مقدار شدته وفظاعته إلا هو - سبحانه - . ثم قص - سبحانه - بعد ذلك ما قاله قوم إبراهيم له ، وما رد به عليهم . فقال - تعالى - { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ … فِي ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ } .