Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 29, Ayat: 24-27)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فقوله - تعالى - { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ … } بيان لما رد به الظالمون على نبيهم إبراهيم - عليه السلام - بعد أن وعظهم ونصحهم وأقام لهم أوضح الأدلة على صدقه فيما يبلغه عن ربه . ولفظ " جواب " بالنصب ، خبر كان ، واسمها قوله { إِلاَّ أَن قَالُواْ ٱقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ } … والمراد بقتله إزهاق روحه بسيف ونحوه ، لتظهر المقابلة بين الإِحراق والقتل . وجاء هنا الترديد بين الأمرين ، للاشعار بأن من قومه من أشار بقتله ، ومنهم من أشار بإحراقه ، ثم اتفقوا جميعا على الإِحراق ، كما جاء فى قوله - تعالى - { قَالُواْ حَرِّقُوهُ وَٱنصُرُوۤاْ آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ } والمعنى فما كان جواب قوم إبراهيم له ، بعد أن نصحهم وظهرت حجته عليهم ، إلا أن قالوا فيما بينهم ، اقتلواه بالسيف ، أو أحرقوه بالنار ، لتستريحوا منه ، وتريحوا آلهتكم من عدوانه عليها ، وتحطيمه لها … وقولهم هذا الذى حكاه القرآن عنهم ، يدل على إسرافهم فى الظلم والطغيان والجهالة … والفاء فى قوله - تعالى - { فَأَنْجَاهُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلنَّار } فصيحة . أى فاتفقوا على إحراقه بالنار ، وألقوه فيما بعد اشتعالها ، فأنجاه الله - تعالى - منها ، بأن جعلها بردا وسلاما عليه … { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } … أى إن فى ذلك الذى فعلناه بقدرتنا مع إبراهيم - عليه السلام - حيث أخرجناه سليما من النار { لآيَاتٍ } بينات على وحدانتينا وقدرتنا ، لقوم يؤمنون ، بأن الله - تعالى - هو رب العالمين ، وأنه له الخلق والأمر . وجمع - سبحانه - الآيات لأن فى نجاة إبراهيم ، دلالات متعددة على قدرة الله - تعالى لا دلالة واحدة ، فنجاته من النار وتحويلها عليه إلى برد وسلام آية ، وعجز المشركين جميعا عن أن يلحقوا به ضررا آية ثانية ، وإصرارهم على كفرهم مع ما شاهدوه ، آية ثالثة على أن القلوب الجاحدة تبقى على جحودها مع وجود المعجزات الدالة على صدق من جاء بها من عند الله - تعالى - . ولذا خص - سبحانه - هذه الآيات ، لأنهم هم وحدهم المنتفعون بها . ثم حكى - سبحانه - ما قاله إبراهيم - عليه السلام - لقومه بعد أن نجاه الله من شرورهم فقال { وَقَالَ إِنَّمَا ٱتَّخَذْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ أَوْثَاناً مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً } . ولفظ " مودة " وردت فيه قراءات فقد قرأه بعض القُراء السبعة بالنصب ، على أنه مفعول به لقوله { ٱتَّخَذْتُمْ } أو على أنه مفعول لأجله ، فيكون المعنى وقال إبراهيم لقومه يا قوم إنكم لم تتخذوا هذه الأوثان معبودات لكم عن عقيدة واقتناع بأحقية عبادتها . وإنما اتخذتموها معبودات من أجل المودة فيما بينكم ، ومن أجل أن يجامل بعضكم بعضا فى عبادتها ، على حساب الحق والهدى . وهذا شأنكم فى الدنيا ، أما فى يوم القيامة ، فهذه المودة ستزول لأنها مودة باطلة ، وسيكفر بعضكم ببعض ، ويلعن بعضكم بعضا ، حيث يتبرأ القادة من الأتباع ، والأتباع من القادة . { وَمَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ } أى ومنزلكم الذى تأوون إليه أنتم وأصنامكم يوم القيامة النار { وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } يخلصونكم من هذه النار ، أو يخففون سعيرها عنكم . وبعض القراء السبعة قرأ لفظ { مَّوَدَّةَ } بالرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف أى أن ما اتخذتموه من عبادة الأوثان ، هو مودة بينكم فى الحياة الدنيا ، أما فى الآخرة فسيكفر بعضكم ببعض ، ليعن بعضكم بعضا . والمقصود من الآية الكريمة ، بيان أن هؤلاء المشركين لم يتخذوا الأصنام آلهة ، وهم يعتقدون صحة ذلك اعتقادا جازما ، وإنما اتخذوها فى الدنيا آلهة تارة على سيل التواد فيما بينهم ، وتارة على سبيل التقليد والمسايرة لغيرهم … أما فى الآخرة فستتحول تلك المودات والمسايرات والتقاليد إلى عداوات ومقاطعات وملاعنات … وقوله - تعالى - { فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ … } بيان للثمرة الطيبة التى ترتبت على دعوة إبراهيم لقومه ، إلى عبادة الله - تعالى - وحده ، بعد أن مكث فيهم مدة لا يعلمها إلا الله ، وبعد أن أقام لهم ألوانا من الأدلة على أن ما جاءهم به هو الحق ، وما هم عليه هو الباطل . والتعبير بقوله - سبحانه - { فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ } يعشر بأن لوطا - عليه السلام - وحده ، هو الذى لبى دعوة إبراهيم ، وصدقه فى كل ما أخبر به . ولوط - عليه السلام - يرى كثير من العلماء أنه ابن أخى إبراهيم - عليه السلام - فهو لوط بن هاران بن آزر . والضمير فى قوله - سبحانه - { وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبِّيۤ … } يرى بعضهم أنه يعود إلى لوط ، لأنه أقرب مذكور . أى فآمن لوط لإِبراهيم وصدقه فى كل ما جاء به ، وقال إنى مهاجر إلى الجهة التى أمرنى ربى بالهجرة إليها ، لأبلغ دعوته ، فهو لم يهاجر من أجل منفعة دنيوية ، وإنما هاجر من أجل تبليغ أمر به ، وإعلاء كلمته . ويرى آخرون أن الضمير يعود إلى إبراهيم - عليه السلام - ، لأن الحديث عنه . قال الآلوسى ما ملخصه { وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبِّيۤ } أى وقال إبراهيم إنى مهاجر ، أى من قومى ، إلى ربى … أى إلى الجهة التى أمرنى بأن أهاجر إليها { إِنَّهُ } - عز وجل - { هُوَ ٱلْعَزِيزُ } الغالب على أمره … { ٱلْحَكِيمُ } الذى لا يفعل فعلا إلا وفيه حكمة ومصلحة . وقيل الضمير فى { وَقَالَ } للوط - عليه السلام - ، وليس بشئ لما يلزم عليه من التفكيك " . ثم بين - سبحانه - بعض النعم التى أنعم بها على نبيه إبراهيم ، بعد أن هاجر من العراق إلى بلاد الشام لتبليغ رسالة ربه إلى الناس فقال { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ ٱلنُّبُوَّةَ وَٱلْكِتَابَ . … } . أى ووهبنا لإِبراهيم - بعد أن هاجر ومعه زوجه " سارة " وابن أخيه " لوط " - وهبنا له ابنه إسحاق ، وهبنا لإِسحاق يعقوب ، وجعلنا بفضلنا ورحمتنا ، فى ذرية إبراهيم النبوة ، إذ من نسله جميع الأنبياء من بعده ، كما جعلنا فى ذريته - أيضا - الكتب التى أنزلناها على الأنبياء من بعده ، كالتوراة ، والإِنجيل والزبور ، والقرآن . فالمراد بالكتاب هنا الكتب السماوية التى انزلها - سبحانه - على موسى وعيسى وداود ومحمد - صلوات الله عليه - وهم جميعا من نسل إبراهيم . قال صاحب الكشاف فإن قلت ما بال إسماعيل لم يذكر ، وذكر إسحاق ويعقوب ؟ قلت قد دل عليه فى قوله { وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ ٱلنُّبُوَّةَ وَٱلْكِتَابَ } وكفى الدليل لشهرة أمره ، وعلو قدره . فإن قلت ما المراد بالكتاب ؟ قلت قصد به جنس الكتاب ، حتى دخل تحته ما نزل على ذريته من الكتب الأربعة ، التى هى التوراة ، والزبور ، والإِنجيل ، والقرآن " . وقوله - سبحانه - { وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي ٱلدُّنْيَا } بيان لنعمة أخرى أنعم بها - سبحانه - على نبيه إبراهيم - عليه السلام - . أى وهبنا له الذرية الصالحة ، وجعلنا فى ذريته النبوة والكتب السماوية ، وآتيناه أجره على أعماله الصالحة فى الدنيا ، بأن رزقناه الزوجة الصالحة ، والذكر الحسن بعد وفاته . { وَإِنَّهُ فِي ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ } الذين نعطيهم فيها أجزل العطاء وأوفاه . وهكذا جمع الله - تعالى - بفضله وإحسانه ، لنبيه إبراهيم ، خيرى الدنيا والآخرة ، جزاء إيمانه العميق ، وعمله الصالح ، ووفائه فى تبليغ رسالة ربه . وبمناسبة الحديث عن قصة إبراهيم مع قومه ، جاء بعد ذلك الحديث عن جانب من قصة لوط مع قومه . لوط - عليه السلام - الذى آمن بإبراهيم وهاجر معه إلى بلاد الشام … قال - تعالى - { وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ … لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } .