Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 30, Ayat: 28-32)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

و { مِّنْ } فى قوله - سبحانه - { ضَرَبَ لَكُمْ مَّثَلاً مِّنْ أَنفُسِكُمْ } ابتدائية ، والجار والمجرور فى محل نصب ، صفة لقوله { مَّثَلاً } . أى ضرب لكم - أيها الناس - مثلا ، يظهر منه بطلان الشرك ظهورا واضحا ، وهذا المثل كائن من أحوال أنفسكم ، التى هى أقرب شئ لديكم . قال القرطبى والآية نزلت فى كفار قريش ، كانوا يقولون فى التلبية " لبيك لا شريك لك ، إلا شريكا هو لك ، تملكه وما ملك … " . وقوله - تعالى - { هَلْ لَّكُمْ مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِّن شُرَكَآءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ } تصوير وتفضيل للمثل ، والاستفهام للإِنكار والنفى . و { مِّن } الأولى للتبعيض ، والثانية لتأكيد النفى ، وقوله { شُرَكَآءَ } مبتدأ ، وخبره { لَّكُمْ } وقوله { مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } متعلق بمحذوف حال من شركاء . وقوله { فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَآءٌ } جواب للاستفهام الذى هو بمعنى النفى . والجملة مبتدأ وخبر . وقوله { تَخَافُونَهُمْ } خبر ثان لأنتم ، وقوله { كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ } صفة لمصدر محذوف ، أى تخافونهم خيفة كائنة مثل خيفتكم من هو من نوعكم . والمعنى ضرب الله - تعالى - لكم - أيها الناس - مثلا منتزعا من أنفسكم التى هى أقرب شئ إليكم ، وبيان هذا المثل أنكم لا ترضون أن يشارككم فى أموالاكم التى رزقناكم إياها ، عبيدكم وإماؤكم ، مع أنهم مثلكم فى البشرية ، ونحن الذين خلقناهم كما خلقناكم ، بل إنكم لتخافون على أموالكم منهم ، أن يشاركوكم فيها ، كما تخافون عليها من الأحرار المشابهين لكم فى الحرية وفى جواز التصرف فى تلك الأموال . فإذا كان هذا شأنكم مع عبيدكم - الذين هم مثلكم فى البشرية ، والذين لم تخلقوهم بل نحن الذين خلقناكم وخلقناهم - فكيف أجزتم لأنفسكم أن تشركوا مع الله - تعالى - آلهة أخرى فى العبادة ، مع أنه - سبحانه - هو الخالق لكم ولهم ، والرازق لكم ولهم ؟ ! ! . إن تصرفكم هذا ظاهر التناقض والبطلان ، لأنكم لم ترضوا أن يشارككم غيركم فى أموالكم ، ورضيتم أن تشركوا مع الله - تعالى - غيره فى العبادة ، مع أنه - سبحانه - هو الخالق والرازق لكل شئ . فالمقصود من الآية الكريمة ، إبطال الشرك بأبلغ أسلوب ، وأوضح بيان ، وأصدق حجة ، وأقوى دليل . ولذا ختمها - سبحانه - بقوله { كَذَلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } أى مثل ذلك التفصيل الجلى الواضح ، نفصل الآيات الدالة على وحدانيتنا ، لقوم يعقلون هذه الأمثال ، وينتفعون بها فى إخلاص العبادة لله الواحد القهار . قال الإِمام القرطبى قال بعض العلماء هذه الآية أصل فى الشركة بين المخلوقين ، لافتقار بعضهم إلى بعض ، ونفيها عن الله - سبحانه - وذلك أنه قال - سبحانه - { ضَرَبَ لَكُمْ مَّثَلاً مِّنْ أَنفُسِكُمْ } فيجب أن يقولوا ليس عبيدنا شركاءنا فيما رزقتنا ، فيقال لهم فكيف يتصور أن تنزهوا أنفسكم عن مشاركة عبيدكم ، وتجعلوا عبيدى شركائى فى خلقى ، فهذا حكم فاسد ، وقلة نظر وعمى قلب ! ! فإذا أبطلت الشركة بين العبيد وساداتهم فيما يملكه السادة ، والخلق كلهم عبيد الله - تعالى - فيبطل أن يكون شئ من العالم شركا لله - تعالى - فى شئ من أفعاله . ثم قال - رحمه الله - وهذه المسألة أفضل للطالب ، من حفظ ديوان كامل فى الفقه ، لأن جميع العبادات البدنية ، لا تصح إلا بتصحيح هذه المسألة فى القلب فافهم ذلك . ثم بين - سبحانه - بعد ذلك أن هؤلاء المشركين لم ينتفعوا بهذه الأمثال لاستيلاء الجهل والعناد عليهم فقال { بَلِ ٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ … } . أى لم ينتفع هؤلاء الظالمون بهذا المثل الجلى فى إبطال الشرك ، بل لجوا فى كفرهم ، واتبعوا أهواءهم الزائفة ، وأفكارهم الفاسدة ، وجهالاتهم المطبقة دون أن يصرفهم عن ذلك علم نافع { فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ ٱللَّهُ } أى إذا كان هذا هو حالهم ، فمن الذى يستطيع أن يهدى إلى الحق ، من أضله الله - تعالى - عنه بسبب زيفه واستحبابه العمى على الهدى . إنه لا أحد يستطيع ذلك { وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } ينصرونهم من عقابه - سبحانه - لهم . ثم أمر سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم أن يثبت على الحق الذى هداه - عز وجل - إليه فقال { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً } والفاء هى الفصحية ، وقوله { أَقِمْ } من الإِقامة على الشئ والثبات عليه ، وعدم التحول عنه . قوله { حَنِيفاً } من الحنف ، وهو الميل من الباطل إلى الحق ، وضده الجنف ، و { حَنِيفاً } حال من فاعل { أَقِمْ } . أى إذا كان الأمر كما ذكرت لك - أيها الرسول الكريم - من بطلان الشرك فاثبت على ما أنت عليه من إخلاص العبادة لله - تعالى - وحده ، وأقبل عى هذا الدين الذى أوحاه الله إليك ، بدون التفات عنه ، أو ميل إلى سواه . قال صاحب الكشاف قوله { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً } أى فقوم وجهك له وعدِّله ، غير ملتفت عنه يمينا أو شمالا ، وهو تمثيل لإِقباله على الدين واستقامته عليه وثباته ، واهتمامه بأسبابه ، فإن من اهتم بالشئ عقد عليه طرفه ، وسدد إليه نظره ، وقوم له وجهه ، مقبلا به عليه . والمراد بالفطرة فى قوله - تعالى - { فِطْرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ } الملة . أى ملة الإِسلام والتوحيد . أو المراد بها قابلية الدين الحق ، والتهيؤ النفسى لادراكه . والأصل فيها أنها بمعنى الخلقة . أى اثبت - أيها الرسول الكريم - على هذا الدين الحق ، والزموا - أيها الناس - فطرة الله ، وهى ملة الحق ، التى فطر الناس عليها ، وخلقهم قابلين لها . قال ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية يقول - تعالى - فسدد وجهك واستمر على الدين الذى شرعه الله لك ، من الحنيفية ملة إبراهيم ، وأنت مع ذلك لازم فطرتك السليمة ، التى فطر الله الخلق عليها ، فإنه - تعالى - فطر خلقه على معرفته وتوحيده . وفى الحديث " إنى خلقت عبادى حنفاء ، فاجتالتهم - أى حولتهم - الشياطين عن دينهم " . وروى البخارى عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ما من مولود يولد إلا على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء ، هل تحسون فيها من جدعاء ؟ ثم يقول فطرة الله التى فطر الناس عليها … " . وقال صاحب الكشاف فإن قلت لم وحّد الخطاب أولا ، ثم جمع ؟ قلت خوطب رسول الله صلى الله عليه وسلم أولا ، وخطاب الرسول خطاب لأمته ، مع ما فيه من التعظيم للإِمام ، ثم جمع بعد ذلك للبيان والتلخيص . وقوله { لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ٱللَّهِ } تعليل لما قبله من الأمر بلزوم الفطرة التى فطر - سبحانه - الناس عليها . أى الزموا فطرة الله التى هى دين الإِسلام ، وقبول تعاليمه والعمل بها ، لأن هذا الدين قد ارتضاه الله - تعالى - لكم ، ولا تبديل ولا تغيير لما فطركم عليه وارتضاه لكم . و { ذَلِكَ } الدين الذى اختاره - سبحانه - لكم ، هو { ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ } أى القويم المستقيم ، الذى لا اعوجاج فيه ولا انحراف . فاسم الإِشارة يعود إلى الدين الذى أمرنا - سبحانه - بالثبات عليه ، فى قوله { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً } . وقوله - تعالى - { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } استدراك لبيان موقف الناس من هذا الدين القيم . أى ذلك الدين الذى ارتضيته لكم هو الدين القيم ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون هذه الحقيقة ، بسبب استحواذ الشيطان عليهم ، واتباعهم للأهواء الزائفة ، والتقاليد الفاسدة . ثم حرضهم - سبحانه - على الاستمرار فى اتباع توجيهات هذا الدين القيم فقال { مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَٱتَّقُوهُ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ } . قال القرطبى وفى أصل الإِنابة قولان أحدهما ، أنه القطع . ومنه أخذ اسم الناب لأنه قاطع ، فكأن الإِنابة هى الانقطاع إلى الله - عز وجل - بالطاعة . والثانى أن أصله الرجوع ، مأخوذ من ناب ينوب إذا رجع مرة بعد أخرى ، ومنه النوبة لأنها الرجوع إلى عادة ، ولفظ { مُنِيبِينَ } منصوب على الحال . والمعنى أقيموا وجوهكم - أيها الناس - لخالقكم وحده ، كونكم راجعين إليه بالتوبة والطاعة ، ومقبلين إليه بالاستغفار والعبادة ، ومتقين له فى كل أحوالكم ، ومداومين على إقامة الصلاة فى أوقاتها بخشوع واطمئنان . { وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } المبدلين لفطرة الله - تعالى - المتبعين لأهوائهم وشهواتهم . وقوله { مِنَ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً } بدل مما قبله . أى ولا تكونوا من المشركين ، الذين اختلفوا فى شأن دينهم اختلافات شتى على حسب أهوائهم ، وصاروا شيعا وفرقا وأحزابا متنازعة . { كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } أى كل حزب منهم صار مسرورا بما لديه من دين باطل ، وملة فاسدة ، وعقيدة زائفة ، وهذا الفرح بالباطل سببه جهلهم ، وانطماس بصائرهم عن الانقياد للحق . ثم بين - سبحانه - أحوال الناس فى السراء والضراء وعندما يوسع الله - تعالى - فى أرزاقهم ، وعندما يضيق عليهم هذه الأرزاق ، فقال - تعالى - { وَإِذَا مَسَّ ٱلنَّاسَ … لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } .