Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 30, Ayat: 33-37)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أى { وَإِذَا مَسَّ ٱلنَّاسَ ضُرٌّ } من قحط أو مصيبة فى المال أو الولد ، { دَعَوْاْ رَبَّهُمْ مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ } أى إذا نزل بهم الضر ، أسرعوا بالدعاء إلى الله - تعالى - متضرعين إليه أن يكشف عنهم ما نزل بهم من بلاء . هذا حالهم عند الشدائد والكروب ، أما حالهم عند العافية والغنى وتفريج الهموم ، فقد عبر عنه - سبحانه - بقوله { ثُمَّ إِذَآ أَذَاقَهُمْ مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ } . و { إِذَآ } الأولى شرطية ، والثانية فجائية . أى هم بمجرد نزول الضر بهم يلجأون إلى الله - تعالى - لإزالته ، ثم إذا ما كشفه عنهم ، وأحاطهم برحمته ، أسرع فريق منهم بعبادة غيره - سبحانه - . وقوله - تعالى - { إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ } إنصاف وتشريف لفريق آخر من الناس ، من صفاتهم أنهم يذكرون الله - تعالى - فى كل الأحوال ، ويصبرون عند البلاء ، ويشكرون عند الرخاء . والتنكير فى قوله - سبحانه - " ضر ، ورحمة " للإِشارة إلى أن هذا النوع من الناس يجزعون عند أقل ضر ، ويبطرون ويطغون لأدنى رحمة ونعمة . واللام فى قوله - تعالى - { لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ } هى العاقبة . أى فعلوا ما فعلوا من الجزع عند الضر ، ومن البطر عند النعم ، ليكون مآل حالهم إلى الكفر والجحود لنعم الله ، وإلى سوء العاقبة والمصير . ثم التفت إليهم - سبحانه - بالخطاب مهددا ومتوعدا فقال { فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } أى فتمتعوا - أيها الجاحدون لنعم الله - بهذا المتاع الزائل من متع الحياة الدنيا ، فسوف تعلمون ما يترتب على ذلك من عذاب مهين . وقوله - تعالى - { أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُواْ بِهِ يُشْرِكُونَ } التفات من الخطاب إلى الغيبة ، على سبيل التحقير لهم ، والتهوين من شأنهم . والاستفهام للنفى والتوبيخ . والسلطان الحجة والبرهان . أى هؤلاء الذين أشركوا معنا غيرنا فى العبادة ، هل نحن أنزلنا عليهم حجة ذات قوم وسلطان تشهد لهم بأن شركهم لا يخالف الحق ، وتنطق بأن كفرهم لا غبار عليه ؟ كلا ، إننا ما أنزلنا عليهم شيئا من ذلك ، وإنما هم الذين وقعوا فى الشرك ، بغير علم ، ولا هدى ولا كتاب منير . فالآية الكريمة تتهكم بهم لسفههم وجهلهم ، وتنفى أن يكون شركهم مبنيا على دليل أو ما شبه الدليل ، أو أن يكون هناك من أمرهم به سوى تقاليدهم الباطلة ، وأهوائهم الفاسدة وأفكارهم الزائفة . ثم عادت الصورة الكريمة إلى الحديث عن أحوال بعض النفوس البشرية فى حالتى العسر واليسر ، فقال - تعالى - { وَإِذَآ أَذَقْنَا ٱلنَّاسَ رَحْمَةً } من صحة أو غنى أو أمان { فَرِحُواْ بِهَا } أى فرحوا بها فرح البطر الأشر ، الذى لا يقابل نعم الله - تعالى - بالشكر ، ولا يستعملها فيما خلقت له . فالمراد بالفرح هنا الجحود والكفران للنعم ، وليس مجرد السرور بالحصول على النعم . { وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ } شدة أو مصيبة { بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } أى بسبب شؤم معاصيهم ، وإهمالهم لشكر الله - تعالى - على نعمه { إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ } أى أسرعوا باليأس من رحمة الله ، وقنطوا من فرجه ، واسودت الدنيا فى وجوههم ، شأن الذين لا يعرفون سنن الله - تعالى - فى خلقه ، والذين يعبدون الله على حرف ، فهم عند السراء جاحدون مغرورون … وعند الضراء قانطون يائسون . وعبر - سبحانه - فى جانب الرحمة بإذا ، وفى جانب المصيبة بأن ، للإِشعار بأن رحمته - تعالى - بعباده متحققة فى كل الأحوال . وأن ما ينزل بالناس من مصائب ، هو بسبب ما اجترحوه من ذنوب . ونسب - سبحانه - الرحمة إلى ذاته فقال { وَإِذَآ أَذَقْنَا ٱلنَّاسَ رَحْمَةً } دون السيئة فقد قال { وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ } لتعليم العباد الأدب مع خالقهم - عز وجل - وإن كان الكل بيده - سبحانه - وبمشيئته ، وشبيه بهذا قوله - تعالى - { وَأَنَّا لاَ نَدْرِيۤ أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي ٱلأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً } والتعبير بإذا الفجائية فى قوله { إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ } ، للإِشارة إلى سرعة يأسهم من رحمة الله - تعالى حتى ولو كانت المصيبة هينة بسيرة ، وذلك لضعف يقينهم وإيمانهم . إذ القنوط من رحمة الله ، يتنافى مع الإِيمان الحق . ثم عقب - سبحانه - على أحوالهم هذه ، بالتعجيب من شأنهم ، وبالتقريع لهم على جهلهم ، فقال { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ } . أى أجهل هؤلاء الناس الذين لم يخالط الإِيمان قلوبهم ، ولم يشاهوا بأعينهم أن الله - تعالى - بمقتضى حكمته ، يسوع الرزق لمن يشاء من عباده . ويضيقه على من يشاء منهم ، لاراد لقضائه ، ولا معقب لحكمه ، ولا يسأل عما يفعل . إن واقع الناس يشهد ويعلن أن الله - تعالى - يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ، فما لهؤلاء القوم ينكرون هذا الواقع بأفعالهم القبيحة ، حيث إنهم يبطرون عند السراء ، ويقنطون عند الضراء ؟ فالمقصود بالآية الكريمة توبيخهم على عدم فهمهم لسنن الله فى خلقه . ثم ختم - سبحانه - الآية بقوله { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } أى إن فى ذلك الذى ذكرناه لكم من أحوال الناس ، ومن قدرتنا على كل شئ { لآيَاتٍ } واضحات ، وعبر بينات ، لقوم يؤمنون بما أرشدناهم إليه ، ويعملون بما يقتضيه إيمانهم . ثم بين - سبحانه - بعد ذلك ما يجب على المسلم بالنسبة للمال الذى وهبه الله إياه ، فقال - تعالى - { فَآتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ … عَمَّا يُشْرِكُونَ } .