Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 30, Ayat: 41-45)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال ابن كثير ما ملخصه قال ابن عباس وغيره المراد بالبر ها هنا ، الفيافى . وبالبحر الأمصار والقرى ، ما كان منها على جانب نهر . وقال آخرون بل المراد بالبر هو البر المعروف . وبالبحر البحر المعروف . والقول الأول أظهر ، وعليه الأكثر ، ويؤيده ما ذكره ابن إسحاق فى السيرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صالح ملك أيلة ، وكتب به ببحره - يعنى ببلده - . والمعنى ظهر الفساد فى البر والبحر ، ومن مظاهر ذلك انتشار الشرك والظلم ، والقتل وسفك الدماء ، والأحقاد والعدوان ، ونقص البركة فى الزروع والثمار والمطاعم والمشارب ، وغير ذلك مما هو مفسدة وليس بمنفعة … قال ابن كثير - رحمه الله - وقال أبو العالية من عصى الله فى الأرض فقد أفسد فيها ، لأن صلاح الأرض والسماء بالطاعة ، ولهذا جاء الحديث الذى رواه أبو داود " الحد يقام فى الأرض ، أحب إلى أهلها من أن يمطروا أربعين صباحاً " . والسبب فى هذا أن الحدود إذا أقيمت ، انكف الناس ، أو أكثرهم ، أو كثير منهم ، عن تعاطى المحرمات . وإذا ارتكبت المعاصى كان سبباً فى محق البركات … وكلما أقيم العدل كثرت البركات والخيرات . وقد ثبت فى الحديث الصحيح " إن الفاجر إذا مات تستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب " . وقوله - تعالى - { بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي ٱلنَّاسِ … } بيان لسبب ظهور الفساد . أى عم الفساد وطم البر والبحر ، بسبب اقتراف الناس للمعاصى . وانهماكهم فى الشهوات ، وتفلتهم من كل ما أمرهم الله - تعالى - به ، أو نهاهم عنه ، كما قال - تعالى - { وَمَآ أَصَابَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ } فظهور الفساد وانتشاره ، لا يتم عبثاً أو اعتباطاً ، وإنما يتم بسبب إعراض الناس عن طاعة الله - تعالى - ، وارتكابهم للمعاصى … ثم بين - سبحانه - ما ترتب على الوقوع فى المعاصى من بلاء واختبار ، فقال { لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } . واللام فى " ليذيقهم " للتعليل وهى متعلقة بظهر . أى ظهر الفساد … ليذيق - سبحانه - الناس نتائج بعض اعمالهم السيئة ، كى يرجعوا عن غيرهم وفسقهم ، ويعودوا إلى الطاعة والتوبة . ويجوز ان تكون متعلقة بمحذوف ، اى عاقبهم بانتشار الفساد بينهم ، ليجعلهم يحسون بسوء عاقبة الولوغ فى المعاصى ، ولعلهم يرجعون عنها ، إلى الطاعة والعمل الصالح . ثم يلفت - سبحانه - أنظار الناس إلى سوء عاقبة من ارتكس فى الشرك والظلم ، فيقول { قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّشْرِكِينَ } . أى قل - أيها الرسول الكريم - للناس سيروا فى الأرض سير المتأملين المعتبرين ، لتروا بأعنيكم ، كيف كانت عاقبة الظالمين من قبلكم . … لقد كانت عاقبتهما الدمار والهلاك ، بسبب إصرار أكثرهم على الشكر والكفر ، وانغماس فريق منهم فى المعاصى والفواحش . فالمراد بالسير ، ما يترتب عليه من عظات وعبر ، حتى لا تكون عاقبة اللاحقين ، كعاقبة السابقين ، فى الهلاك والنكال . ثم أكد - سبحانه ما سبق أن أمر به رسوله صلى الله عليه وسلم من ثبات على الحق فقال { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينَ ٱلْقِيِّمِ … } أى إذا كان الأمر كما ذكرت لك - أيها الرسول الكريم - من سوء عاقبة الأشرار ، وحسن عاقبة الأخيار . فاثبت على هذا الدين القويم ، الذى أوحيناه إليك ، ولا تتحول عنه إلى جهة ما . { مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ } أى اثبت على هذا الدين القيم ، من قبل أن يأتى يوم القيامة ، الذى لا يقدر أحد على ردِّه أو دفع عذابه إلا الله - تعالى وحده . ثم بين - سبحانه - أحوال الناس فى هذا اليوم فقال { يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ } . أى يتفرقون . وأصله يتصدعون ، فقلبت تاؤه صاداً وأدغمت ، والتصدع التفرق يقال تصدع القوم إذا تفرقوا ، ومنه قول الشاعر @ وكنا كندْمانَىْ جَذِيمةَ حقبة من الدهر حتى قيل لن يتصدعا @@ أى لن يتفرقا . والمعنى اثبت على هذا الدين ، من قبل أن يأتى يوم القيامة ، الذى يتفرق فيه الناس إلى فريقين ثم بين - سبحانه - الفريق الأول فقال { مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ } أى من كفر من الناس ، فعاقبه كفره واقعة عليه لا على غيره ، وسيتحمل وحده ما يترتب على ذلك من عذاب مهين . قال صاحب الكشاف قوله { فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ } كلمة جامعة لما لا غاية وراءه من المضار ، لأن من كان ضاره كفره ، فقد أحاطت به كل مضرة " . ثم بين - سبحانه - الفريق الثانى فقال { وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ } أى ومن عمل فى دنياه عملاً صالحاً ، فإنه بسبب هذا العمل يكون قد مهد وسوى لنفسه مكاناً مريحاً يستقر فيه فى الآخرة . والمهاد الفراش . ومنه مهاد الصبى أى فراشه . ويقال مهدت الفراش مهدا ، أى بسطته ووطأته . ومهدت الأمور . أى سويتها وأصلحتها . فالجملة الكريمة تصوير بديع للثمار الطيبة التى تترتب على العمل الصالح فى الدنيا ، حتى لكأن من يعمل هذا العمل ، يعد لنفسه فى الآخرة مكاناً مبعداً ، ومضجعاً هنيئا ، ينزل فيه وهو فى أعلى درجات الراحة والنعيم قال ابن جرير قوله - تعالى - { فَلأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ } أى فلأنفسهم يستعدون ، ويسوون المضجع ، ليسلموا من عقاب ربهم ، وينجوا من عذابه ، كما قال الشاعر @ أمهد لنفسك ، حان السقْم والتلف ولا تضيعن نفسا ما لها خلف @@ ثم بين - سبحانه - ما اقتضته حكمته وعدالته فقال { لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ مِن فَضْلِهِ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْكَافِرِينَ } . أى فعل ما فعل - سبحانه - من تقسيم الناس إلى فريقين ، ليجزى الذين آمنوا عملوا الأعمال الصالحات ، الجزاء الحسن الذى يستحقونه ، وليعطيهم العطاء الجزيل من فضله ، لأنه بحبهم ، أما الكافرون ، فإنه - سبحانه - لا يحبهم ولا يرضى عنهم . ثم تعود السورة الكريمة إلى الحديث عن آيات الله - تعالى - الدالة على قدرته ، وعن مظاهر فضله على الناس ورحمته بهم ، وعن الموقف الجحودى الذى وقفه بعضهم من هذه النعم … قال - تعالى - { وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ … فَهُمْ مُّسْلِمُونَ } .