Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 30, Ayat: 38-40)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

والخطاب فى قوله - تعالى - { فَآتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ … } للنبى صلى الله عليه وسلم ولكل من يصلح له من أمته . والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها . والمعنى إذا كان الأمر كما ذكرت لكم ، من أبسط الأرزاق وقبضها بيدى وحدى ، فأعط - أيها الرسول الكريم - ذا القربى حقه من المودة والصلة والإِحسان ، وليقتد بك فى ذلك أصحابك وأتباعك . وأعط - أيضا - { وَٱلْمِسْكِينَ } الذى لا يملك شيئا ذا قيمة ، حقه من الصدقة والبر ، وكذلك { وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ } وهو المسافر المنقطع عن ماله فى سفره ، ولو كان غنيا فى بلده . وقدم - سبحانه - الأقارب ، لأن دفع حاجتهم واجب من الواجبات التى جعلها - سبحانه - للقريب على قريبه . قال القرطبى واختلف فى هذه الآية ، فقيل إنها منسوخة بآية المواريث . وقيل لا نسخ ، بل للقريب حق لازم فى البر على كل حال ، وهو الصحيح ، قال مجاهد وقتادة صلة الرحم فرض من الله - عز وجل - ، حتى قال مجاهد لا تقبل صدقة من أحد ورحمه محتاجة . وقال الجمل فى حاشيته وعدم ذكر بقية الأصناف المستحقين للزكاة ، يدل على أن ذلك فى صدقة التطوع ، وقد احتج أبو حنفية - رحمه الله - بهذه الآية على وجوب نفقة المحارم ، والشافعى - رحمه الله - قاس سائر الأقارب - ما عدا الفروع والأصول - على ابن العم ، لأنه لا ولادة بينهم . ثم قال وهؤلاء الثلاثة يجب الإِحسان إليهم وإن لم يكن إليهم وإن لم يكن للإِنسان مال زائد ، لأن المقصود هنا الشفقة العامة ، والفقير داخل فى المسكين … " . ثم بين - سبحانه - الآثار الطيبة المترتبة على هذا البر والعطاء فقال { ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } . أى ذلك الإِيتاء لهؤلاء الثلاثة ، خير وأبقى عند الله - تعالى - للذين يريدون بصدقتهم وإحسانهم وجه الله ، وأولئك المتصفون بتلك الصفات الحميدة ، هم الكاملون فى الفلاح ، والظفر بالخير فى الدنيا والآخرة . وبعد أن حضهم على صلة الأقارب والمساكين وابن السبيل ، نفرهم من تعاطى الربا فقال { وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ ٱلنَّاسِ فَلاَ يَرْبُو عِندَ ٱللَّهِ } . والربا الزيادة مطلقا . يقال ربا الشئ يربو إذا زاد ونما ، ومنه قوله - تعالى - { وَتَرَى ٱلأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا ٱلْمَآءَ ٱهْتَزَّتْ وَرَبَتْ } أى زادت . قال الآلوسى ما ملخصه والظاهر أن المراد بالربا هنا ، الزيادة المعروفة فى المعاملة التى حرمها الشارع . ويشهد لذلك ما روى عن السدى ، من أن الآية نزلت فى ربا ثقيف ، كانوا يرابون ، وكذلك كانت قريش تتعاطى الربا . وعن ابن عباس وغيره أن المراد به هنا العطية التى يتوقع بها مزيد مكافأة ، وعليه فتسميتها ربا مجاز ، لأنها سبب للزيادة . ويبدو لنا أن المراد هنا ، الربا الذى حرمه الله - تعالى - بعد ذلك تحريما قاطعا ، وأن المقصود من الآية التنفير منه على سبيل التدرج ، حتى إذا جاء التحريم النهائى له ، تقبلته نفوس الناس بدون مفاجأة لهذا التحريم . قال صاحب الكشاف هذه الآية فى معنى قوله - تعالى - { يَمْحَقُ ٱللَّهُ ٱلْرِّبَا وَيُرْبِي ٱلصَّدَقَاتِ } سواء بسواء . يريد وما أعطيتم أكلة الربا { مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَ فِي } أموالهم ، أى ليزيد ويزكو فى أموالهم ، فلا يزكو عند الله ولا يبارك فيه . ثم حض - سبحانه - على التصدق فى سبيله فقال { وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن زَكَاةٍ } أى من صدقة تتقربون بها إلى الله ، و { تُرِيدُونَ } بأدائها { وَجْهَ ٱللَّهِ } أى رضاه وثوابه . { فَأُوْلَـٰئِكَ } الذين يفعلون ذلك { هُمُ ٱلْمُضْعِفُونَ } أى ذوو الأضعاف المضاعفة من الثواب والعطا الكريم ، فالمضعفون جمع مضعف - بكسر العين - على أنه اسم فاعل من أضعف ، إذا صار ضِعْف - بكسر فسكون - كأقوى وأيسر ، إذا صار ذا قوة ويسار . وقال - سبحانه - { فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُضْعِفُونَ } ولم يقل فأنتم المضعفون ، لأنه رجع من المخاطبة إلى الغيبة ، كانه قال لملائكته فاولئك الذين يريدون وجهى بصدقاتهم ، هم المضعفون ، فهو أمدح لهم من أن يقول فأنتم المضعفون . ثم بين - سبحانه - بعد ذلك مظاهر فضله على الناس فقال { ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ } على غير مثال سابق { ثُمَّ رَزَقَكُمْ } من فضله بأنواع من الرزق الذى لا غنى لكم عنه فى معاشكم { ثُمَّ يُمِيتُكُمْ } بعد انقضاء أعماركم فى هذه الحياة { ثُمَّ يُحْيِيكُمْ } يوم القيامة للحساب والجزاء . والاستفهام فى قوله - سبحانه - { هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَفْعَلُ مِن ذَٰلِكُمْ مِّن شَيْءٍ } للانكار والنفى . أى ليس من شركائكم الذين عبدتموهم من يستطيع أن يفعل شيئاً من ذلك ، فكيف اتخذتموهم آلهة وأشركتموهم معى فى العبادة ؟ إن الله - تعالى - وحده هو الخالق وهو الرازق وهو المحيى وهو المميت . { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } تنزه وتقس عن شرك هؤلاء المشركين وعن جهل أولئك الجاهلين . وبعد هذا التوجيه الحكيم ، يسوق - سبحانه - الآثار السيئة التى تترتب على الكفر والمعاصى ، ويأمر بالاعتبار بالسابقين ، ويبين عاقبة الأشرار وعاقبة الأخيار فيقول { ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ فِي ٱلْبَرِّ … لاَ يُحِبُّ ٱلْكَافِرِينَ } .