Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 31, Ayat: 1-5)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

سورة لقمان من السور التى بدئت ببعض حروف التهجى … وقد فصلنا القول فى معانيها ، عند تفسيرنا لسور البقرة ، وآل عمران وغيرهما . وقلنا فى نهاية سردنا لأقوال العلماء فى ذلك ولعل أقرب الأقوال إلى الصواب أن يقال إن هذه الحروف المقطعة ، قد وردت فى افتتاح بعض السور ، للإِشعار بأن هذا القرآن الذى تحدى الله به المشركين ، هو من جنس الكلام المركب من هذه الحروف التى يعرفونها . فإذا عجزوا عن الإِتيان بسورة من مثله ، فذلك لبلوغه فى الفصاحة والحكمة ، مرتبة يقف فصحاؤهم وبلغاؤهم دونها بمراحل شاسعة … واسم الإِشارة فى قوله - سبحانه - { تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْحَكِيمِ } يعود إلى آيات القرآن الكريم ، ويندرج فيها آيات السور التى معنا . والمراد بالكتاب القرآن الكريم على الصحيح . لأنه هو المتحدث عنه . قال الآلوسى وأما حمله على الكتب التى خلت قبل القرآن … فهو فى غاية البعد ، والحكيم - بزنة فعيل - مأخوذ من الفعل حكم بمعنى منع ، تقول حكمت الفرس ، إذا وضت الحكمة فى فمها لمنعها من الجموح والشرود . والمقصود ، أن هذا القرآن ممتنع أن يتطرق إليه الفساد ، ومبرأ من الخلل والتناقض والاختلاف . قال الإِمام الرازى ما ملخصه وفى وصف الكتاب بكونه حكيما وجوه ، منها أن الحكيم هو ذو الحكمة ، بمعنى اشتماله على الحكمة ، فيكون الوصف للنسبة كلابن وتامر . ومنها أن الحكيم بمعنى الحاكم ، بدليل قوله - تعالى - { وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ } ومنها أن الحكيم بمعنى المحكم … " أى المبرأ من الكذب والتناقض " . والمعنى تلك الآيات السامية ، المنزلة عليك يا محمد ، هى آيات الكتاب ، المشتمل على الحكمة والصواب ، المحفوظ من كل تحريف أو تبديل الناطق بكل ما يوصل إلى السعادة الدنيوية والأخروية . وصحت الإِشارة إلى آيات الكتاب مع أنها لم تكن قد نزلت كلها لأن الإِشارة إلى بعضها كالإِشارة إلى جميعها ، حيث كانت بصدد الإِنزال ، ولأن الله - تعالى - قد وعد رسوله صلى الله عليه وسلم بنزول القرآن عليه ، كما فى قوله - تعالى - { إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً } ووعد الله - تعالى - لا يتخلف . وقوله { هُدًى وَرَحْمَةً } منصوبان على الحالية من { آيَاتُ } . أى هذا الكتاب أنزلنا عليك يا محمد آياته ، لتكون هداية ورحمة للمحسنين فى أقوالهم وفى أفعالهم ، وفى كل أحوالهم . ثم وصف - سبحانه - هؤلاء المحسنين ، بصفات كريمة فقال { ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ } أى يؤدونها فى أوقاتها المحددة لها ، مستوفية لواجباتها ، وسننها ، وآدابها وخشوعها ، فإن الصلاة التامة هى تلك التى يصحبها الإِخلاص ، والخشوع ، والأداء الصحيح المطابق لما ورد عن النبى صلى الله عليه وسلم . { وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ } أى ويعطون الزكاة التى أوجبها الله - تعالى - فى أموالهم لمستحقيها { وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ } والمراد بالآخرة الدار الآخرة ، وسميت بذلك لأنها تأتى بعد الدنيا التى هى الدار الدنيا . وقوله { يُوقِنُونَ } من الإِيقان ، وهو الاعتقاد الجازم المطابق للواقع ، بحيث لا يطرأ عليك شك ، ولا تحوم حوله شبهة … أى أن من صفات هؤلاء المحسنين ، أنهم يؤدون الصلاة بخشوع وإخلاص ، ويقدمون زكاة أموالهم لمستحقيها ، وهم بالآخرة وما فيها من حساب وثواب وعقاب ، يوقنون إيقانا قطعيا ، لا اثر فيه للادعاءات الكاذبة ، والأوهام الباطلة . وفى إيراد " هم " قبل لفظ الآخرة . وقبل لفظ يوقنون تعريض بغيرهم ممن كان اعتقادهم فى أمر الآخرة غير مطابق للحقيقة ، أو غير بالغ مرتبة اليقين . ثم بين - سبحانه - بعد ذلك الثمار الطيبة التى ترتبت على تلك الصفات الكريمة ، فقال - تعالى - { أُوْلَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } . والمفلحون من الفلاح وهو الظفر والفوز بدرك البغية . واصله من الفلح - بسكون اللام - وهو الشق والقطع ، ومنه فلاحة الأرض وهو شقها للحرث ، واستعمل منه الفلاح فى الفوز ، كأن الفائز شق طريقه وفلحه ، للوصول إلى مبتغاه ، أو انفتحت له طريق الظفر وانشقت . والمعنى أولئك المتصفون بما تقدم من صفات كريمة ، على هداية عظيمة من ربهم توصلهم إلى المطلوب ، وأولئك هم الفائزون بكل مرغوب . والتنكير فى قوله { عَلَىٰ هُدًى } للتعظيم ، وأتى بلفظ " على " للاشارة إلى التمكن والرسوخ ، ووصفه بأنه { مِّن رَّبِّهِمْ } لأنه - سبحانه - هو الذى وفقهم إليه ، ويسر لهم أسبابه . ثم بين - سبحانه - حال طائفة أخرى من الناس ، كانوا على النقيض من سابقيهم ، فقال { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْتَرِي … فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } .