Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 31, Ayat: 6-7)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقد ذكر المفسرون فى سبب نزول هاتين الآيتين روايات اشهرها ، أنهما نزلتا فى النضر بن الحارث . اشترى قينة - أى مغنية - ، وكان لا يسمع بأحد يريد الإِسلام إلا انطلق به إلى قينته ، فيقول لها أطعميه واسقيه وغنيه ، فهذا خير مما يدعوك إليه محمد صلى الله عليه وسلم من الصلاة والصيام ، وأن تقاتل بين يديه … و { لَهْوَ ٱلْحَدِيثِ } باطله ، ويطلق على كل كلام يلهى القلب ، ويشغله عن طاعة الله - تعالى - ، كالغناء ، والملاهى ، وما يشبه ذلك مما يصد عن ذكر الله - تعالى - وقد فسر كثير من العلماء بالغناء ، والأفضل تفسيره بكل حديث لا يثمر خيرا . و { مِنَ } فى قوله { وَمِنَ ٱلنَّاسِ } للتبعيض ، أى ومن الناس من يترك القول الذى ينفعه ، ويشترى الأحاديث الباطلة ، والخرافات الفاسدة . قال القرطبى ما ملخصه هذه إحدى الآيات التى استدل بها العلماء على كراهة الغناء والمنع منه . ولا يختلف فى تحريم الغناء الذى يحرك النفوس ، ويبعثها على الغزل والمجون … فأما ما سلم من ذلك ، فيجوز القليل منه فى أوقات الفرح ، كالعرس والعيد وعند التنشيط على الأعمال الشاقة ، كما كان فى حفر الخندق … وقوله { لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً … } تعليل لاشتراء لهو الحديث . والمراد بسبيل الله - تعالى - دينه وطريقه الذى اختاره لعباده . وقد قرأ الجمهور { ليُضل } بضم الياء - أى يشترى لهو الحديث ليضل غيره عن صراط الله المستقيم ، حالة كونه غير عالم بسوء عاقبة ما يفعله ، ولكى يتخذ آيات الله - تعالى - مادة لسخريته واستهزائه . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو " ليَضل " - بفتح الياء - فيكون المعنى يشترى لهو الحديث ليزداد رسوخا فى ضلاله . قال صاحب الكشاف فإن قلت القراءة بالضمر بينة ، لأن النضر كان غرضه باشتراء اللهو ، أن يصد الناس عن الدخول فى الإِسلام واستماع القرآن ، ويضلهم عنه ، فما معنى القراءة بالفتح ؟ . قلت فيه معنيان ، أحدهما ليثبت على ضلاله الذى كان عليه ، ولا يصدف عنه ، ويزيد فيه ويمده فإن المخذول كان شديد الشكيمة فى عداوة الدين وصد الناس عنه . والثانى أن بوضع ليَضل موضع ليُضل ، من قبل أن من أضل كان ضالا لا محالة ، فدل بالرديف على المردوف … وقوله { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ } بيان لسوء عاقبة من يؤثر الضلالة على الهداية . أى أولئك الذين يشترون لهو الحديث ، ليصرفوا الناس عند دين الله - تعالى - ، وليستهزئوا بآياته ، لهم عذاب يهينهم ويذلهم ، ويجعلهم محل الاحتقار والهوان . ثم فصل - سبحانه - حال هذا الفريق الشقى فقال { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ } أى على النضر وأمثاله { آيَاتُنَا } الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا ، وعلى صدق نبينا صلى الله عليه وسلم . { وَلَّىٰ مُسْتَكْبِراً } أى أعرض عنها بغرور واستعلاء . { كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا } أى كأن حاله فى استكباره عن سماع الآيات ، كحال الذى لم يسمعها إطلاقا . { كَأَنَّ فِيۤ أُذُنَيْهِ وَقْراً } أى كأن فى أدنيه صمما وثقلا ومرضا يحول بينه وبين السماع . والجملتان الكريمتان حال من قوله { ٰ مُسْتَكْبِراً } والمقصود بهما توبيخ هذا الشقى وأمثاله ، وذمهم ذما موجعا لإِعراضهم عن الحق . وقوله - تعالى - { فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } تهكم به ، واستخفاف بتصرفاته . أى فبشر هذا الشقى الذى اشترى لهو الحديث ، وأعرض عن آياتنا بالعذاب الأليم ، الذى يناسب غروره واستكباره . ثم أكدت السورة الجزاء الحسن الذى أعده الله - تعالى - للمؤمنين ، وذكرت جانبا من مظاهر قدرته - سبحانه - ، ورحمته بعباده ، فقال - تعالى - { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ … فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } .