Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 31, Ayat: 22-26)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله - تعالى - { وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى ٱللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ } أى ومن يتجه إلى الله - تعالى - ويذعن لأمره ، ويخلص له العبادة ، وهو محسن فى أقواله وأفعاله . من يفعل ذلك { فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ } والعروة فى أصل معناها تطلق على ما يتعلق بالشئ من عراه ، أى من الجهة التى يجب تعليقه منها . وتجمع على عرا . والعروة من الدلو مقبضه ، ومن الثوب مدخل زره . والوثقى تأنيث الأوثق ، وهو الشئ المحكم الموثق . يقال وثق - بالضم - وثاقه ، أى قوى وثبت فهو وثيق ، أى ثابت محكم . والمعنى ومن يستسلم لأمر الله - تعالى - ويأتى بالأقوال والأفعال على وجه حسن ، فقد ثبت أمره ، واستقام على الطريقة المثلى ، وأمسك من الدين بأقوى سبب ، وأحكم رباط . فقد شبه - سبحانه - المتوكل عليه فى جميع أموره ، المحسن فى أفعاله ، بمن ترقى فى حبل شاهق ، وتدلى منه ، فاستمسك بأوثق عروة ، من حبل متين مأمون انقطاعه . وخص - سبحانه - الوجه بالذكر ، لأنه أكرم الأعضاء وأعظمها حرمة ، فإذا خضع الوجه الذى هو أكرم الأعضاء ، فغيره أكثر خضوعا . وقوله { وَإِلَىٰ ٱللَّهِ عَاقِبَةُ ٱلأَمُورِ } أى وإلى الله - تعالى - وحده تصير الأمور ، وترجع إليه ، وتخضع لحكمه وإرادته . وقوله - تعالى - { وَمَن كَفَرَ فَلاَ يَحْزُنكَ كُفْرُهُ … } تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم - عما أصابه من حزن بسبب إصرار الكافرين على كفرهم . أى ومن استمر أيها الرسول - على كفره بعد أن بلغته رسالتنا ودعوتنا ، فلا يحزنك بعد ذلك بقاؤه على كفره وضلاله ، فأنت عليك البلاغ ، ونحن علينا الحساب ، وإنك لا تهدى من أحببت ، ولكن الله يهدى من يشاء . وقوله - سبحانه - { إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوۤاْ … } بيان لسوء مصيرهم . أى إلينا وحدنا مرجع هؤلاء الكافرين ، فنخبرهم بما عملوه فى الدنيا من أعمال سيئة ، ونجازيهم عليها بما يستحقونه من عقاب . { إِنَّ ٱللَّهَ } - تعالى - { عَلِيمٌ } علما تاما { بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } أى بمكنونات الصدور وخفاياها … { نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً } فى هذه الحياة الدنيا . أن نمتعهم تمتيعا قليلا فى دنياهم ، بأن نعطيهم الأموال والأولاد على سبيل الاستدراج . { ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَىٰ عَذَابٍ غَلِيظٍ } أى نعطيهم فى حياتهم القصيرة ما يتمتعون به من مال وصحة … ثم نلجئهم وندفعهم دفعا يوم القيامة الى عذاب مروع فظيع ، لضخامة ثقله ، وشدة وقعه . والمراد بالاضطرار الإِلجاء والقسر والإِلزام ، أى أنهم لا يستطيعون التفلت أو الانفكاك عن هذا العذاب الذى أعد لهم . ووصف - سبحانه - العذاب بالغلظ ، لزيادة تهويله وشدته . فهو ثقيل عليهم ثقل الأجرام الضخمة التى تهوى على رأس الإِنسان ، فتشل حركته وتهلكه . ثم بين - سبحانه - ما كان عليه هؤلاء الكافرون من تناقض بين أقوالهم وأفعالهم فقال { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ } أيها الرسول الكريم - { مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ } وأوجدهما على هذا النظام البديع . . { لَيَقُولُنَّ } فى الجواب { ٱللَّهُ } أى الله - تعالى - هو الذى خلقهما ، وهو الذى أوجدهما . { قُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ } قل - أيها الرسول الكريم - الحمد لله - تعالى - وحده ، حيث اعترفتم بأن خالقهما هو الله ، وما دام الأمر كذلك ، فكيف أشركتم معه فى العبادة غيره ؟ إن قولكم هذا الذى تؤيده الفطرة ، ليتنافى مع ما أنتم عليه من كفر وضلال . وقوله - سبحانه - { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } إضراب عن أقوالهم إلى بيان واقعهم ، أى بل أكثرهم لا يعلمون الحقائق علما سليما ، وإنما هم يقولون بألسنتهم ، وما يتباين تباينا تاما مع أفعالهم ، وهذا شأن الجاهلين ، الذين انطمست بصائرهم … ثم بين - سبحانه - ما يدل على عظم قدرته ، وشمول ملكه فقال { لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } . أى لله - تعالى - وحده ، ما فى السماوات وما فى الأرض ، خلقا ، وملكا ، وتصرفا … { إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَنِيُّ } عن كل ما سواه { ٱلْحَمِيدُ } أى المحمود من أهل الأرض والسماء ، لأنه هو الخالق لكل شئ ، والرازق لكل شئ . ثم ساق - تعالى - بعد ذلك ما يدل على شمول علمه ، ونفاذ قدرته ، فقال - سبحانه - { وَلَوْ أَنَّمَا فِي ٱلأَرْضِ … سَمِيعٌ بَصِيرٌ } .