Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 31, Ayat: 33-34)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
والمعنى { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ } بأن تطيعوه ولا تعصوه ، وبأن تشكروه ولا تكفروه ، واخشوا يوما ، أى وخافوا أهوال يوم عظيم . { لاَّ يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ } أى لا يستطيع والد أن ينفع ولده بشئ من النفع فى هذا اليوم . أو أن يقضى عنه شيئا من الأشياء . { وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً } أى ولا يستطيع المولود - أيضا - أن يدفع عن والده شيئا مما يحتاجه منه . وخص - سبحانه - الوالد والمولود بالذكر ، لأن رابطة المحبة والمودة بينهما هى أقوى الروابط وأوثقها ، فإذا انتفى النفع بينهما فى هذا اليوم ، كان انتفاؤه بالنسبة لغيرهما من باب أولى . وقوله { إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ } أى إن ما وعد الله - تعالى - به عباده من البعث والحساب والثواب والعقاب ، حق وثابت ثبوتا لا يقبل الشك أو التخلف . وما دام الأمر كذلك { فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا } أى فلا تخدعنكم الحياة الدنيا بزخارفها وشهواتها ومتعها ، ولا تشغلنكم عن طاعة الله - تعالى - وعن حسن الاستعداد لهذا اليوم الهائل الشديد . فإن الكيسِّ الفطن هو الذى يتزود لهذا اليوم بالإِيمان الحق ، والعمل الصالح النافع . { وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ } أى ولا يصرفنكم الشيطان عن طاعة الله ، وعن امتثال أمره . فالمراد بالغرور الشيطان . أو كل ما يصرفك عن طاعة الله - تعالى . قال الآلوسى { وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ } أى الشيطان ، كما روى عن ابن عباس وغيره . بأن يحملكم على المعاصى بتزيينها لكم … وعن أبى عبيدة كل شئ غرك حتى تعصى الله - تعالى - فهو غرور سواء أكان شيطانا أم غيره وعلى ذلك ذهب الراغب فقال الغرور كل ما يغر الإِنسان من مال أو جاه أو شهوة أو شيطان … وأصل الغرور من غر فلان فلانا ، إذا أصاب غرته ، أى غفلته ، ونال منه ما يريد . به الخداع … والظاهر أن " بالله " صلة " يغرنكم " أى لا يخدعنكم بذكر شئ من شئونه - تعالى - ، يجركم بها على معاصيه - سبحانه - . ثم بين - سبحانه - جانبا من الأمور التى استأثر - عز وجل - بعلمها فقال { إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ } أى عنده وحده علم وقتها ، وعلم قيامها ، كما قال - تعالى - { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاَّ هُوَ … } { وَيُنَزِّلُ ٱلْغَيْثَ } أى وينزل بقدرته المطر ، ويعلم وحده وقت نزوله . { وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلأَرْحَامِ } أى ويعلم ما فى أرحام الأمهات من ذكر أو أنثى . { وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ } من النفوس كائنة من كانت { مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً } من خير أو شر ، ومن رزق قليل أو كثير ، لأنها لا تملك عمرها إلى الغد . { وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ } من النفوس - أيضا - كائنة من كانت { بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ } أى بأى مكان ينتهى أجلها . { إِنَّ ٱللَّهَ } - تعالى - { عَلَيمٌ } بكل شئ { خَبِيرٌ } بما يجرى فى نفوس عباده . وقد ساق الإِمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية ، جملة من الأحاديث والآثار ، منها ما راه الإِمام أحمد عن ابن عمر - رضى الله عنهما - قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله ، ثم قرأ هذه الآية " . وعن مجاهد قال " جاء رجل من أهل البادية فقال للنبى صلى الله عليه وسلم - " إن امرأتى حبلى فأخبرنى ما تلد ؟ وبلادنا جدبة فأخبرنى متى ينزل الغيث ؟ وقد علمت متى ولدت فأخبرنى متى أموت ؟ " فأنزل الله الآية " . وهذه الأمور الخمسة من الأمور التى استأثر الله - تعالى - بها على سبيل العلم اليقينى الشامل المطابق للواقع … ولا مانع من أن يطلع الله - تعالى - بفضله وكرمه ، بعض أصفيائه على شئ منها . وليست المغيبات محصورة فى هذه الخمسة ، بل كل غيب لا يعلمه إلا الله - تعالى - داخل فيما استأثر الله - تعالى - بعلمه ، وإنما خصت هذه الخمسة بالذكر لأنها من أهم المغيبات ، أو لأن السؤال كان عنها . وما يخبر به المنجم والطبيب وعلماء الأرصاد الجوية من الأمور التى لم تتكشف بعد ، فمبناه على الظن لا على اليقين ، وعلى احتمال الخطأ والصواب . أما علم الله - تعالى - بهذه الأمور وغيرها ، فهو علم يقينى قطعى شامل . لا يحتمل الظن أو الشك أو الخطأ . وصدق الله إذ يقول { وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ } وبعد فهذا تفسير محرر لسورة " لقمان " نسأل الله - تعالى - أن يجعله خالصا لوجهه ، ونافعا لعباده ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم …