Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 31, Ayat: 29-32)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

والاستفهام فى قوله - سبحانه - { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُولِجُ ٱلْلَّيْلَ فِي ٱلنَّهَارِ … } للتقرير . والخطاب لكل من يصلح له ليعتبر ويتعظ ، ويخلص العبادة لله - تعالى - . وقوله { يُولِجُ } من الإِيلاج بمعنى الإِدخال . يقال ولج فلان منزله ، إذا دخله … ثم استعير لزيادة زمان النهار فى الليل وعكسه ، بحسب المطالع . أى لقد رأيت وشاهدت - أيها العاقل - أن الله - تعالى - ، يدخل الليل فى النهار ، ويدخل النهار فى الليل ، ويزيد فى أحدهما وينقص من الآخر ، على حسب مشيئته وحكمته … وأنه - سبحانه - { سَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ … } أى ذللهما وجعلهما لمنفعة الناس ومصلحتهم ، كما جعلهما يسيران هما والليل والنهار ، بنظام بديع لا يتخلف . وقوله { كُلٌّ يَجْرِيۤ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } كل من الشمس والقمر يجريان فى مدارهما بنظام ثابت محكم ، إلى الوقت الذى حدده - سبحانه - لنهاية سيرهما ، وهو يوم القيامة . قال ابن كثير قوله { إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } قيل إلى غاية محدودة . وقيل إلى يوم القيامة ، وكلا المعنيين صحيح . ويستشهد للقول الأول بحديث أبى ذر الذى فى الصحيحين ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " يا أبا ذر ، أتدرى أين تذهب هذه الشمس ؟ قلت الله ورسوله أعلم . قال فإنهما تذهب فتسجد تحت العرش ، ثم تستأذن ربها ، فيوشك أن يقال لها ارجعى من حيث جئت " . وقال الجمل قوله { إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } قاله هنا بلفظ { إِلَىٰ } ، وفى سورتى فاطر والزمر ، بلفظ " لأجل " ، لأن ما هنا وقع بين آيتين دالتين على غاية ما ينتهى إليه الخلق ، وهما قوله { مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ … } الآية . وقوله { ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ وَٱخْشَوْاْ يَوْماً … } الآية ، فناسب هنا ذكر { إِلَىٰ } الدالة على الانتهاء ، وما فى فاطر والزمر خال من ذلك . إذ ما فى فاطر لم يذكر مع ابتداء خلق ولا انتهائه ، وما فى الزمر ذكر ما ابتدائه ، فناسب ذكر اللام ، والمعنى يجرى كل كما ذكر لبلوغ أجل مسمى . وجملة { وَأَنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } معطوفة على قوله { تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُولِجُ … } أى لقد علمت أن الله - تعالى - قد فعل ذلك ، وأنه سبحانه - خبير ومطلع على كل عمل تعملونه - أيها الناس - دون أن يخفى عليه شئ منها . واسم الإِشارة فى قوله { ذَلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ … } يعود إلى ما تقدم ذكره من إيلاج الليل فى النهار ، وتسخير الشمس والقمر . وهو مبتدأ . وقوله { بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ } خبره والباء للسببية . أى ذلك الذى فعلناه سببه ، أن الله - تعالى - هو الإِله الحق ، الذى لا إله سواه ، وأن ما يدعون من دونه من آلهة أخرى هو { ٱلْبَاطِلُ } الذى لا يصح أن يسمى بهذا الاسم ، لأنه مخلوق زائل متغير ، لا يضر ولا ينفع . ثم ذكر - سبحانه - الناس بنعمة أخرى من نعمه التى لا تحصى فقال { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱلْفُلْكَ تَجْرِي فِي ٱلْبَحْرِ بِنِعْمَةِ ٱللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِّنْ آيَاتِهِ … } . أى ولقد علمت - أيضا - وشاهدت - أيها العاقل - حال السفن ، وهى تجرى فى البحر ، بمشيئة الله وقدرته ، وبلطفه ورحمته وإحسانه . ليطلعكم على بعض آياته الدالة على باهر قدرته ، وسمو حكمته وسابغ نعمته . { إِنَّ فِي ذَلِكَ } الذى شاهدتموه وانتفعتم به من السفن وغيرها { لآيَاتٍ } واضحات على قدرة الله - تعالى - ورحمته لعباده { لِّكُلِّ صَبَّارٍ } أى لكل إنسان كثير الصبر { شَكُورٍ } . أى كثير الشكر لله - تعالى - على نعمه ورحمته . ثم بين - سبحانه - بعد ذلك أحوال الناس عندما تحيط بهم المصائب وهم فى وسط البحر فقال { وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَّوْجٌ كَٱلظُّلَلِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } . وقوله { غَشِيَهُمْ } من الغشاء بمعنى الغطاء . فيقال غشى الظلام المكان ، إذا حل به واصل " الموج " الحركة والازدحام . ومنه قولهم ماج البحر إذا اضطرب ارتفع ماؤه . والظلل جمع ظلة - كغرفة وغرف - وهى ما أظل غيره من سحاب أو جبل أو غيرهما . أى وإذا ما ركب الناس فى السفن ، وأحاطت بهم الأمواج من كل جانب ، وأورشكت أن تعلوهم وتغطيهم … فى تلك الحالة لجأوا إلى الله - تعالى - وحده ، يدعونه بإخلاص وطاعة وتضرع ، أن ينجيهم مما هم فيه من بلاء … { فَلَمَّا نَجَّاهُمْ } - سبحانه - بفضله وإحسانه ، وأوصلهم { إِلَى ٱلْبَرِّ } انقسموا إلى قسمين ، أما القسم الأول ، فقد عبر عنه - سبحانه - بقوله { فَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ } أى فمنهم من هو مقتصد ، أى متوسط فى عبادته وطاعته ، يعيش حياته بين الخوف والرجاء . قال ابن كثير قال ابن زيد هو المتوسط فى العمل ، ثم قال ابن كثير وهذا الذى قاله ابن زيد هو المراد فى قوله - تعالى - { ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَابَ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِٱلْخَيْرَاتِ } فالمقتصد ها هنا هو المتوسط فى العمل . ويحتمل أن يكون مرادا هنا - أيضا - ويكون من باب الإِنكار على من شاهد تلك الأهوال ، والأمور العظام ، والآيات الباهرات فى البحر ، ثم بعد ما أنعم الله عليه من الخلاص ، كان ينبغى أن يقابل ذلك بالعمل التام ، والمبادرة إلى الخيرات ، فمن اقتصد بعد ذلك كان مقصرا ، والحالة هذه . وأما القسم الثانى فقد عبر عنه - سبحانه - بقوله { وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ } . والختار من الختر . وهو أبشع وأقبح الغدر والخديعة . يقال فلان خاتر وختار وختير ، إذا كان شديد الغدر والنقض لعهوده ، ومنه قول الشاعر @ وإنك لو رأيت أبا عمير ملأت يديك من غدر وختر @@ والكفور هو الشديد الكفران والجحود لنعم الله - تعالى - . أى وما يجحد بآياتنا الدالة على قدرتنا ورحمتنا ، إلا من كان كثير النقض لعهودنا ، شديد النكران لنعمنا . ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة بدعوة الناس إلا الاستعداد ليوم الحساب وإلى مراقبة الله - تعالى - فى كل أحوالهم ، لأنه - سبحانه - لا يخفى عليه شئ منها . فقال { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ … عَلَيمٌ خَبِيرٌ } .