Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 33, Ayat: 28-29)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ففى هاتين الآيتين يأمر الله - تعالى - نبيه صلى الله عليه وسلم أن يخير أزواجه بين أن يعشن معه معيشة الكفاف والزهد فى زينة الحياة الدنيا وبين أن يفارقهن ليحصلن على ما يشتهينه من زينة الحياة الدنيا . قال الإِمام القرطبى ما ملخصه قال علماؤنا هذه الآية متصلة بمعنى ما تقدم من المنع من إيذاء النبى صلى الله عليه وسلم وكان قد تأذى ببعض الزوجات . قيل سألنه شيئا عن عرض الدنيا . وقيل سألنه زيادة فى النفقة . روى البخارى ومسلم - واللفظ لمسلم - عن جابر بن عبد الله قال " دخل ابو بكر يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد الناس جلوسا ببابه لم يؤذن لأحد منهم ، قال فأذن لأبى بكر فدخل ، ثم جاء عمر فاستأذن فأذن له ، فوجد النبى صلى الله عليه وسلم جالسا حوله نساؤه . قال فقال عمر ، والله لأقولن شيئا يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ، لو رأيت بنت زيد - زوجة عمر - سألتنى النفقة فقمت إليها فوجأت عنقها فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال " هن حولى كما ترى يسألننى النفقة " . فقام أبو بكر إلى ابنته عائشة ليضربها ، وقام عمر إلى ابنته حفصة ليضربها وكلاهما يقول تسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ليس عنده . فقلن والله لا نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا أبدا ليس عنده . ثم نزلت هاتان الآيتان . فبدأ صلى الله عليه وسلم بعائشة فقال لها " يا عائشة ، إنى أريد أن أعرض عليك أمرا ، أحب أن لا تعجلى فيه حتى تستشيرى أبويك " . قالت وما هو يا رسول الله ؟ فتلا عليها هاتين الآيتين . فقالت أفيك يا رسول الله أستشير أبوى ! ! بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة . وفعل أزواج النبى صلى الله عليه وسلم ما فعلت عائشة " . وقال الإِمام ابن كثير - بعد أن ساق جملة من الأحاديث فى هذا وكان تحته يومئذ تسع نسوة ، خمس من قريش عائشة وحفصة ، وأم حبيبة وسودة ، وأم سلمة . وأربع من غير قريش - وهن صفية بنت حيى النضرية ، وميمونة بنت الحارث الهلالية ، وزينب بنت جحش الأسدية ، وجويرية بنت الحارث المُصْطَلَقِيَّة - رضى الله عنهن . وقال الإِمام الآلوسى فلما خيرهن واخترن الله ورسوله والدار الآخرة ، مدحهن الله - تعالى - على ذلك ، إذ قال - سبحانه - { لاَّ يَحِلُّ لَكَ ٱلنِّسَآءُ مِن بَعْدُ وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ … } فقصره الله - تعالى - عليهن ، وهن التسع اللاتى اخترن الله ورسوله والدار الآخرة " . والمعنى { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ } اللائى فى عصمتك { إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا } . أى إن كنتن تردن سعة الحياة الدنيا وبهجتها وزخارفها ومتها من مأكل ومشرب وملبس ، فوق ما أنتن فيه عندى من معيشة مقصورة على ضروريات الحياة ، وقائمة على الزهد فى زينتها . إن كنتن تردن ذلك { فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً } . قال الجمل وقوله { فَتَعَالَيْنَ } فعل أمر مبنى على السكون ، ونون النسوة فاعل . وأصل هذا الأمر أن يكون الآمر أعلى مكانا من المأمور ، فيدعوه أن يرفع نفسه إليه ، ثم كثر استعماله حتى صار معناه أقبل . وهو هنا كناية عن الاختيار والإِرادة . والعلاقة هى أن المخبر يدنو إلى من يخبره . وقوله { أُمَتِّعْكُنَّ } مجزوم فى جواب الأمر . والمتعة ما يعطيه الرجل للمرأة التى طلقها ، زيادة على الحقوق المقررة لها شرعا ، وقد جعلها - سبحانه - حقا على المحسنين الذين يبغون رضا الله - تعالى - وحسن ثوابه . وقوله { وَأُسَرِّحْكُنَّ } معطوف على ما قبله ، والتسريح إرسال الشئ ، ومنه تسريح الشعر ليخلص بعضه من بعض . ويقال سرح فلان الماشية ، إذا أرسلها لترعى . والمراد به هنا طلاق الرجل للمرأة ، وتركها لعصمته . أى قل - أيها الرسول الكريم - لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها ، ولا تستطعن الصبر على المعيشة ، معى ، فلكن أن تخترن مفارقنى ، وإنى على استعداد أن أعطيكن المتعة التى ترضينها ، وأن أطلقكن طلاقا لا ضرر فيه ، ولا ظلم معه ، لأنى سأعطيكن ما هو فوق حقكن . { وَإِن كُنتُنَّ } لا تردن ذلك ، وإنما { تُرِدْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ } . أى وإنما تردن ثواب الله - تعالى - والبقاء مع رسوله صلى الله عليه وسلم ، وإيثار شظف الحياة على زينتها ، وإيثار ثواب الدار الآخرة على متع الحياة الدنيا . إن كنتن تردن ذلك فاعلمن أن { ٱللَّهَ } - تعالى - { أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ } ، بسبب إيمانهن وإحسانهن { أَجْراً عَظِيماً } لا يعلم مقداره إلا الله - تعالى - . وبهذا التأديب الحكيم ، والإِرشاد القويم ، أمر الله - تعالى - رسوله صلى الله عليه وسلم أن يؤدب نساءه ، وأن يرشدهن إلى ما فيه سعادتهن ، وأن يترك لهن حرية الاختيار . ثم وجه - سبحانه - الخطاب إلى أمهات المؤمنين ، فأدبهن أكمل تأديب وأمرهن بالتزام الفضائل ، وباجتناب الرذائل ، لأنهن القدوة لغيرهن من النساء ، ولأنهن فى بيوتهن ينزل الوحى على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال - تعالى - { يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ … كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً } .